محتويات: (إظهار/إخفاء) |
مَنْ قام بإرشاد إبراهيم؟ مَنْ قام بإرشاد نوح؟ مَنْ قام بإرشاد حام؟ مَنْ قام بإرشاد أيوب؟ |
1. أخبرني: هل كان لإبراهيم كاهنًا ومصلحون ومعلمون وأناس ينصحونه؟ لم يكن له في ذلك الوقت كتاب مكتوب ولا ناموس ولا أنبياء ولا شيء من قبيل هذا. كان يبحر في بحر غير صالح للملاحة، ويسير في طريق وعر. أبوه وأقاربه كانوا عبدة أصنام. ومع هذا فإن هذه الظروف جميعها لم تسيء إليه، بل زينته فضائله، حتى أنه بعد زمن طويل، بعد مجيء الأنبياء والناموس وتعليم السيد المسيح الرائع بالأعمال والمعجزات، ظهرت فضائله التي سبق فتزيَّن بها: من محبة حارة عملية واحتقار للغِنَى وحنانه الأبوي تجاه أهله. لقد سحق الترف تحت قدميه، وترك حياة المتعة الفانية، وعاش في تقشف يفوق نسك الرهبان في هذه الأيام الذين بلغوا قمم الجبال. فلم يكن له منزل، إنما كانت له ظلال أوراق الشجر سقفًا لهذا البار ومأوى له. وإذ كان غريبًا امتلأ غيرة نحو إضافة الغرباء. اهتم هذا الغريب في البلاد الغريبة باستضافة القادمين إليه ظهرًا... ولم يقم بخدمتهم وحده بل أشرك معه زوجته في هذا العمل الصالح.
خدم ابن أخيه مع أنه لم يكن قد تصرَّف معه حسنًا... مُعَرِّضًا حياته لخطر محقق من أجله؟
وعندما أمره الرب أن يترك البيت ليذهب في أرض غريبة، أطاع في الحال وترك وطنه وأصدقاءه وكل أهله، مرتبطًا بما لا يعرفه في يقين عظيم من أجل مواعيد الله. وكان هذا دليلًا على إيمان مملوء خضوعًا. ثم حدثت مجاعة فتغرب ثانية بغير انفعال أو اضطراب، مظهرًا ذات الطاعة، محتملًا الألم بصبر...
وعندما أمره الله بذبح ابنه أخذه سريعًا كمن يقوده إلى فراش الزفاف، كمن يُسَلِّم العريس عروسها. تخطى حدود الطبيعة وتحرر من الطبيعة البشرية مقدمًا ذبيحة جديدة تفوق العجب، مناضلًا بمفرده بغير معونة من زوجته أو خادم له أو أحد المحيطين به.
حقًا كان يعرف بوضوح خطورة الأمر وشدة المعركة... فواجه النضال وحده وركض وحارب وكلل واشتهر اسمه... أيّ كاهن علمه هذا كله؟! أو أيّ معلم أو نبي؟ لا أحد... لكن روحه المتيقظة جعلته هذا كله!
2. هل وَجَدَ نوح كاهنًا أو معلمًا أو مرشدًا؟ هذا الذي انفرد وحده، سائرًا في طريق مناقض للأرض كلها التي فسدت بالشر، صانعًا الفضيلة، فخلَّص نفسه ومعه آخرين من الغرق الذي كان يهددهم؟!... انظر كيف صار بارًا؟! كيف بلغ الكمال؟!
3. بالرغم من أن حام ابنه كانت فضيلة أبيه العملية هي معلمه... وكان يمكنه إذ رأى الحوادث بعينيه أن يستخلص دروسًا من كارثة الطوفان ونهاية الشر، لكنه كان شريرًا تجاه والده، فاستهزأ بعريه وعرضه للاستهزاء العام. لهذا يليق بالإنسان أن يكون قلبه مستعدًا على الدوام.
4. أخبرني عن أيوب؟ هل سمع الأنبياء أو قرأ تعاليم ينتفع بها؟ كلا! مع أنه لم يجد عونًا من هذا القبيل غير أنه قدم مثالًا للفضيلة الكاملة الدقيقة. وزع أمواله على المحتاجين، ليس فقط ماله بل وبذل صحته. استضاف الغرباء في منزله... ودافع عن المسيئين إليهم، وبكلامه الرقيق سَّد أفواه السفهاء، كان كملاكٍ في تصرفاته... تأمل قول السيد المسيح: "طوبى للمساكين بالروح" الأمر الذي حققه أيوب بتصرفاته (أي 31: 13-25)... "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض". من بلغ وداعة ذاك الذي قال عن عبيده بسبب حبهم له: "من يأتي بأحد لم يشبع من طعامه؟!" "طوبى للباكين لأنهم يتعزون" (أي 31: 31)، وقد اختبر أيوب هذه التعزية الداخلية. أنصتْ ماذا يقول: "إن كنت قد كتمت كالناس ذنبي لإخفاء إثمي في حضني" (أي 31: 33)، إذ كان كثير البكاء على خطاياه. "طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ". انظر ما حققه من كمال، إذ يقول: "هشمت أضراس الظالم، ومن بين أسنانه خطفت الفريسة"، "لبست البرّ فكساني كجبةٍ وعمامة كان عدلي" الخ. (أي 29: 14، 17)
حقًا، أحب (مضايقيه)، وصلى من أجلهم، وحوَّل عنهم الغضب مع أنه لم يسمع نبيًا ولا إنجيليًا ولا كاهنًا ولا معلمًا، ولا أوصاه أحد بالفضيلة. تأمل سمو روحه، كيف اعتمدت على نفسها، فصنعت الفضيلة، حتى إن لم تجد من يحيطها بالعطف. ولم يكن حتى أسلافه صالحين، بل كانوا ثابتين في شرٍ عظيمٍ. إذ يقول بولس عن جده: "لئلا يكون أحد مستبيحًا كعيسو الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته" (عب 12: 16).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/divine-providence/teachers.html
تقصير الرابط:
tak.la/m7z5t4z