إن كنت تفحص أمور الله، ولا تريد الخضوع لمقاصده العميقة غير المفحوصة، إن حصرت هدفك في مجرد التساؤلات المملوءة فضولًا، فإنك تظل تتساءل في أشياء أخرى كثيرة مثل:
لماذا ترك الله الباب مفتوحًا للهرطقات؟
لماذا أوجد إبليس والشياطين والأشرار الذين يُسقطون كثيرين؟...
لماذا ينبغي أن يأتي ضد المسيح، وتكون له القدرة على تضليل حتى المختارين كقول السيد المسيح؟
يجدر بنا ألا نبحث هذا كله، وإنما نُسَلِّم أنفسنا لحكمة الله غير المُدرَكة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فالإنسان المُحِب الملتصق بالله على الدوام لا تؤذيه الأمواج مهما هاجت ضده، وإنما على العكس يخرج منها بقوةٍ جديدةٍ. أما الشخص الضعيف المتخاذل فإنه حتى وإن لم يوجد ما ضايقه فإنه يسقط كثيرًا...
أما إذا أردت معرفة السبب (لترك الأشرار) نقول ما نحن نعرفه:
1. يسمح الله بهذه العثرات لكي لا تقل مكافأة الأبرار. وهذا ما أكده الله في حديثه مع أيوب قائلًا: "أتستذنبني لكي تتبرر أنت؟!" (أي 4: 8) ويقول القديس بولس الرسول أيضًا: "لأنه لابد أن يكون بينكم بدع أيضًا، ليكون المزكون ظاهرين بينكم". وإذا سمعت "لابد أن يكون"، فلا تظن أن الرسول يأمر بهذا. كلا! إنما هو يتنبأ بما يحدث، ثم يعود فيشرح أن الإنسان الساهر يستفيد كثيرًا، إذ تتزكى فضيلة الثابتين.
2. يسمح الله للأشرار بالعمل لسببٍ آخر، وهو أنه إن لم يظهر ضعفهم لا يمكن حصاد تجديدهم. هكذا تجدد بولس الرسول واللص والزانية والعشار وكثيرون غيرهم...
3. يعلن الرسول سببًا آخر لمجيء ضد المسيح هو إغلاق الباب أمام اليهود. فما هو عذرهم برفضهم المسيح وقد كان يجدر بهم أن يؤمنوا به، إذ يقول: "لكي يُدَان جميع الذين لم يصدقوا الحق" (1 كو 11: 9)، أيّ "المسيح"، بل "سروا بالإثم"، أيّ بضد المسيح. هكذا لم يؤمنوا بالمسيح، لأنه قال عن نفسه إنه الله. قالوا: "نرجمك لأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا" (يو 10: 33)، مع أنه أثبت لهم بطرق كثيرة أنه جاء حسب إرادة الآب. فماذا يفعلون حينما يأتي ضد المسيح الذي يجعل نفسه إلهًا ولا يتكلم عن الآب، مناقضًا إرادة الآب؟ هذا ما أخذه عليهم السيد المسيح، إذ يقول: "أنا قد أتيت باسم أبي ولم تقبلونني. إن أتى أحد باسم نفسه فذلك تقبلونه" (يو 5: 43). من أجل هذا سمح لهم بالعثرات.
إن ذكرتم لي من تعثّروا، أذكر لكم الذين حصدوا منها مجدًا. لذا أعود فأُكرر أنه لا يجوز أن يتسبب إهمال البعض وكسلهم في حرمان الساهرين من الجعالة والإكليل بالنسبة للمتيقظين. فلو لم يتح لهم هذه الفرص من الحروب لأسيء إليهم!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/divine-providence/evil.html
تقصير الرابط:
tak.la/kgq86kz