محتويات: (إظهار/إخفاء) |
قام برحلة إلى الله ليس بموت، إنما هو نوع من الهجرة لا نحزن على أصدقاء الله يا لقوة الحب! أتودين أن تنظريه وجهًا لوجه؟ صار في بهاءٍ أكثر من أشعة الشمس صار ملكًا مع ملك الملوك |
إن كان ليس اسم "أرملة" هو الذي يضايقك، إنما فقدانك لمثل هذا الزوج. فإنني أوافقك أن قليلين هم أمثال ذلك الرجل في عالم الرجال، في حبه ونبله وتواضعه وإخلاصه وحكمته وورعه.
حقًا، لو أنه هلك كلية أو انتهى أمره تمامًا، لكان ذلك كارثة عظمى، وكان الأمر محزنًا. لكن إن كان كل ما في الأمر أنه أبحر إلى ميناء هادئ وقام برحلة إلى الله الذي هو حقًا ملكه، لهذا يلزمنا ألا نحزن بل نفرح.
فإن هذا الموت ليس بموت، إنما هو نوع من الهجرة والانتقال من سيئ إلى أحسن، من الأرض إلى السماء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. من وسط البشر إلى الملائكة ورؤساء الملائكة، بل ومع الله الذي هو رب الملائكة ورؤساء الملائكة. لأنه هنا على الأرض عندما كان يخدم الإمبراطور كانت تحف به مخاطر الأشرار ومكائدهم. وبقدر ما كان صيته يتزايد، كانت خطط الأعداء (الحاسدين) تلتف حوله، والآن قد انتقل إلى العالم الآخر، حيث لا يمكن أن ننتظر فيه شيئًا من هذا.
فبقدر ما تحزنين لأن الله قد أخذ إنسانًا هكذا كان صالحًا ومكرمًا، كان يجب أن تفرحي أنه رحل إلى مكان أكثر أمانًا وكرامة، متخلصًا من مضايقات الحياة الحاضرة الخطيرة، إذ هو الآن في أمان وهدوء عظيم.
إن كان لا حاجة لنا أن نعرف أن السماء أفضل من الأرض بكثير، فكيف نندب الذين رحلوا من هذا العالم إلى العالم الآخر؟!
لو كان زوجك سالكًا مثل أولئك الذين يعيشون في حياة مخجلة لا ترضي الله، كان بالأولى لكِ أن تنوحي وتبكي، ليس فقط عند انتقاله، بل حتى أثناء وجوده حيًا هنا، ولكن بقدر ما هو من أصدقاء الله، يلزمنا أن نُسَر به، ليس وهو حي هنا، بل وعندما يرقد مستريحًا أيضًا.
وإذ يلزمنا أن نفعل هذا، استمعي ما يقوله الرسول الطوباوي: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا" (في 23:1).
لكن ربما تشتاقين إلى سماع صوت زوجك، والتمتُّع بحبه الذي كان يحيط بكِ، والوجود معه، وتودين المجد الذي تنالينه بوجودك معه، والعظمة والكرامة والضمان وغير ذلك من الأمور التي بحرمانك منها تظلم حياتك وتتكدر.
حسنًا! إن الحب الذي كان يمن به عليك يمكنك أن تحتفظي به معك كما كان سابقًا، لأن هذه هي قوة الحب أنه يحتضن ويوحد ويربط لا الحاضرين معًا (جسديًا) فقط والقريبين مكانًا والمرئيين، بل والذين هم بعيدون عن بعضهم البعض مسافة طويلة، فلا يمكن لا لطول الزمن، ولا للبعد المكاني أو شيء من هذا القبيل أن يكسر محبة الروح أو يبددها.
لكنكِ إن كنتِ تودين أن تنظريه وجهًا لوجه، وهذا كما أعلم أنه بغية شوقك، فأحفظي مخدعك في كرامة دون أن يلمسك رجل آخر، وابذلي كل جهدك أن تقتدي به، وعندئذ بالتأكيد سترحلين يومًا ما لتلتقي معه هناك، لا لكي تعيشي معه خمس سنوات كما حدث هنا، ولا عشرين عامًا ولا مئة بل آلافًا مضاعفة، لا بل أجيالًا مديدة بلا نهاية، لأنه لا تربطكما بعد علاقة جسدية، بل علاقة بطريقة ما تتناسب مع ما تتهيأين به لميراث مكان الراحة.
فإنه إن كان... قد جلب لعازر الغريب ليكون مع إبراهيم في السماء عينها في حضنه، ويتهيأ كثيرون من المشارق والمغارب للجلوس معه، فكم بالأكثر تنالين أنتِ مكان راحة ثراسيوس Therasius الصالح، إن كنتِ تسلكين مثله؟!
عندئذ تتقبلينه مرة أخرى لا في جمال زائل كان فيه عند الرحيل، بل في مجد من نوعٍ آخر، في بهاء أكثر من أشعة الشمس.
لأن هذا رغم ما فيه من قسط وافر من الجمال، لكنه زائل. أما أجساد أولئك الذين يَسرّون الله، فستكون مُمجَّدة حتى أن عيوننا هذه لا تقدر على معاينة مجدها.
وقد شجَّعنا الرب بأمثلة معينة وإشارات غامضة في العهدين الجديد والقديم.
ففي القديم أضاء وجه موسى بمجد حتى لم يستطع الإسرائيليون أن يتطلعوا إليه، أما في العهد الجديد فإن وجه يسوع أضاء أكثر جدًا عن وجه موسى.
أخبريني. لو وعدك أحد أن يقيم زوجك ملكًا على المسكونة كلها على أن تتركيه لمدة عشرين عامًا لأجل نفعه، حتى يعيده إليك بالتاج والأرجوان، فتصيرين في مرتبته، أما كنتِ بوداعة تحتملين الانفصال عنه ضابطة نفسك؟!
أما كنتِ تفرحين حسنًا بهذه العطية وتعتبرينها أمرًا يستحق التوسل لنوالها؟!
حسنًا إذن أن تذعني لهذا، لا لأجل ملكوت أرضي بل سماوي، لا لتتقبليه مكتسيًا حُلَّة ذهبية، بل ثوبًا أبديًا ومجيدًا يتناسب مع الساكنين في السماء...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/consolation/meet-in-glory.html
تقصير الرابط:
tak.la/ww456zx