ربما يكون حزنك أيضًا على فقدانك الطمأنينة التي كنتِ تتمتعين بها في وجود زوجك. وربما لأجل اشتياقك إلى تحقيق الأماني الواسعة في الرفعة التي كنت تنتظرينها. لأنني كنت قد سمعت أن زوجكِ كان سيُعطي له سريعًا أن يكون واليًا على مقاطعة، وهذا على ما أظن أنه يتعبكِ ويضايقكِ.
إنني أتوسل إليكِ أن تتأملي حياة أولئك الذين كانوا في وظائف أعظم من زوجك، وتنظرين كيف انتهت حياتهم بنهاية يُرثَى لها.
دعيني أُذَكِّركِ بهؤلاء. وربما تعرفين ثيؤدور الصقلي(1) لشهرته، إذ كان أحد العظماء البارزين، هذا كان يفوق الكل في قامته ووجاهته وثقة الإمبراطور به. وكان له سلطان في القصر الملكي أكثر من الجميع، لكنه لم يقدر أن يحتمل هذا الترف بوداعةٍ، إنما قام بتدبير مكيدة ضد الإمبراطور، فسجنه وصار حاله بؤسًا. أما زوجته التي لم تكن تقل عن زوجها النبيل في التعليم والمولد وكل الأمور الأخرى، فقد صودِرَتْ أموالها جميعها في لحظة، بل وفقدت حريتها إذ صارت جارية، والتزمتْ أن تكون في حياة يُرثَى لها أكثر من كل العبيد...
وقد قيل أيضًا عن أرتميسيا Artmisia التي كانت زوجة لإنسان له شهرة عظيمة، هذا الذي أراد أيضًا أن يغتصب العرش، فسقطت زوجته كزوجة السابق بل وصارت عمياء بسبب شدة يأسها وغزارة دموعها. والآن هي تطلب من يمسك بيدها ويقودها حتى تطرق أبواب الآخرين ملتمسة القوت الضروري.
وإنني إذ أذكر لك كثير من العائلات الأخرى التي انحدرت في الطريق، لست أعرف عنكِ أنكِ غير تقية أو حكيمة حتى تطلبي تعزيتك في نكبتكِ بتطلعكِ إلى مصائب الآخرين. إنما السبب الوحيد الذي لأجله أشرت إليكِ بهذه الأمثلة... إنما لكي تتعلمي أن الأمور البشرية كلا شيء، إذ بالحق كما يقول النبي: "كل جماله (مجد الإنسان) كزهر الحقل" (إش 6:40). إذ رفعة البشر وعلوهم سيتحطم.
_____
(1) ثيؤدورو هذا حسب قول Ammianus Marcellinus 33 كان مواطنًا في الجليل. وربما دعاه القديس يوحنا الذهبي الفم بالصقلي لأنه حاول أن يجعل من نفسه جبَّار جزيرة صقلية. وقد دبَّر الخيانة عام 371 م.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/consolation/world.html
تقصير الرابط:
tak.la/8jb5yqb