بالخطيّة عزل الإنسان نفسه عن الله واهب المجد، ولم يعد ممكنًا لروح الله أن يستقر في نفسٍ بشريّة، حتى بالنسبة للآباء العظماء والأنبياء. وإذ أراد الرب أن يرد للإنسان مجده وهب شعبه أن يُمسح ملوك بدهن مقدّس كداود الذي مسحه صموئيل النبي، ويُمسح البعض كهنة كهرون، ويُعتبر الملك كما الكاهن مسيح الرب. وكما يقول العلامة أوريجينوس إنّه لم يكن ممكنًا أن يوجد إنسان يحمل مجد الملوكيّة والكهنوت معًا. لأن الملوك يُقامون من سبط يهوذا والكهنة من سبط لاوي. أمّا وقد جاء يسوع المسيح ملك الملوك من سبط يهوذا فهو الوحيد الملك والكاهن (على طقس ملكي صادق). خلال مسحة الميرون ترجع إلينا كرامة الكهنوت مع الملوكيّة.
مَن يقدر أن يعبّر عن مدى حزن حزقيال الكاهن والنبي في أرض بابل وهو يتطلّع في رؤيا مجد الرب يفارق الهيكل (حز 10: 18)، بهذا فقد إسرائيل الملوك حيث سقطت خيمة داود وسُبي السبط الملوكي في بابل، وها هو يسقط الكهنة حيث لم يعد مجد الرب موضع في هيكل أورشليم. لكن في ملء الزمان سمعت ابنة إسرائيل الصوت الملوكي المتهلّل يبشّرها: "الروح القدس يحل عليك وقوّة العليّ تظلّلك، فلذلك أيضًا القدّوس المولود منكٍ يُدعى ابن الله" (لو1: 35). لم يرجع مجد الرب إلى هيكل أورشليم، إنّما بحلول الروح القدس جاء رب المجد، كلمة الله ليتجسّد في أحشاء البتول، فصارت أمًا لملك الملوك ورئيس الكهنة السماوي الأعظم. صارت ملكة فريدة تجلس عن يمين الملك (مز 45: 9).
انفتح الباب لكل المؤمنين عبر كل العصور، ليحلّ الروح القدس (خلال وضع الأيادي أو مسحة الميرون)، فيظلّل على النفس البشريَّة، ويقيم منها مريم ثانية، لا ليتجسّد الكلمة مرّة أخرى، وإنّما ليحل المسيح بالإيمان فيها (أف 3: 17)، فتصير ملكة وكاهنة ونبيّة روحيًا. هكذا في مسحة الميرون نُمسح ملوكًا أصحاب سلاطين حتى على أفكارنا وحواسنا، وكهنة نقدّم تقدمات شكر وذبائح تسابيح لله (رو 12: 1)، وأنبياء ندرك بكل وضوح مستقبلنا في حضن أبينا السماوي.
مسحة الميرون تهبنا اعتزازًا بنعمة الروح القدس العجيب الذي يهبنا مجدًا لا ينقطع!
لقد صارت القدّيسة مريم أمًا لذاك الذي تجسّد منها، أمّا نحن فنحمل ملك الملوك في قلوبنا. وكما يقول الرسول بولس: "يا أولادي الذين أتمخّض بكم أيضًا إلى أن يتصوّر المسيح فيكم" (غل 4: 19).
يقول الرسول يوحنا: "وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين" (رؤ 1: 6).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
* انظروا كيف صرتم مشاركي اسم المسيح كهنوتيًا، وكيف أُعطِي لكم ختم شركة الروح القدس[50].
* أظن أنّه ليس أحد من بين المؤمنين يشك بأن كهنوت اليهود كان رمزًا للكهنوت الملوكي الذي كان يلزم أن يتحقّق بالكهنوت الذي في الكنيسة، حيث يتكرّس الكل، هؤلاء الذين ينتمون إلى جسد المسيح، رئيس الكهنة الأعظم والأسمَى. فالآن الكل ممسوحون، بينما في تلك الأيّام كانت المسحة للملوك والكهنة وحدهم. وعندما كتب بطرس إلى الشعب المسيحي تحدّث عن "كهنوت ملوكي"، وأظهر بوضوحٍ أن هذا الشعب يوصف باللقبين معًا هذه التي من أجلها قد تخصّصت المسحة.
* يُمسح كل مؤمن كاهنًا وملكًا، غير أنّه لا يصير ملكًا حقيقيًا ولا كاهنًا حقيقيًا، بل ملكًا روحيًا وكاهنًا روحيًا، يقرّب لله ذبائح روحيّة وتقدمات الشكر والتسبيح[51].
* الذين كانوا يُمسحون في العهد القديم هم إمّا كهنة أو أنبياء أو ملوك. أمّا نحن المسيحيّون، أصحاب العهد الجديد، فيلزم أن نُمسح لكي نصير ملوكًا متسلّطين على شهواتنا، وكهنة ذابحين أجسادنا، ومقدّمين إيّاها ذبيحة حيّة مقدَّسة مرضيّة عبادتنا العقليّة، وأنبياء لإطلاعنا على أسرارٍ عظيمةٍ جدًا وهامة للغاية.
* أنت نفسك صرت كاهنًا في المعمودية... صرت كاهنًا من جهة أنك تقدم نفسك تقدمة لله[52].
_____
[50] Sermon 8:33.
[51] Priesthood, 4.
[52] In 2Cor. PG 61: 417
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/chrism/priests-kings-prophets.html
تقصير الرابط:
tak.la/7hvthqa