كان المسيحيّون على قناعةٍ بأنّ الصلاة النابعة عن الإيمان قادرة على زحزحة الجبال. ألم يقل السيّد إنْ كان إيمانكم مُعادِلًا لحبّة خردلٍ لقلتم للجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل. ولقد تناقلوا العديد من القصص عن بطولات الكنيسة الأولى حينما كان يتوعّدها سيف الاضطهاد البارق في يمين الولاة والأباطرة. فالصلاة هي التي أخرجت بطرس بطرقٍ مُعجزيّةٍ من السجنِ مُتخطيًّا البوّابات الحديديّة ومُتحرّرًا من الأصفاد والجنود والحِراسات. كانت تلك المعجزة تجري على ألسنة عموم المسيحيّين حينما يريدون توجيه الآخرين إلى أهميّة وفاعليّة الصلاة.
الصلاةُ للمسيحي بمثابة خدرٍ آمنٍ للروح الجَزِعَة، وبلسمٍ للنفس المجروحة، وميناء للقلب الحائر، ونهضةٍ للوعي الخائر. لذا كانت الكنيسة تُصلّي وتُصلّي لتُسمِّع صوت أنينها في السماء..
أرسَل الكاهنُ وجهه إلى الشرق، ورفع يديه وقال:
أيّها السيّد الربّ ملك الكون ومالك الخليقة
لم تزلْ الأمم تتآمر على فتاك يسوع.. ابنك الحبيب
أطلقوا من حناجِرهم سِمَّ الأفاعي وتعاهدوا على بيعتك وأتباعك
حملانك رابضة بين أنياب الذئاب
وزهراتك مُتفتّحة بين أشواك الوعر
أنت أطلقتهم ليُعطّروا الكون بأريج المحبّة الطاهر
فسَرَت رائحة الحبّ تقضّ مضاجع ساكنو مستنقعات الظلمة
رأوا وجهك في وجوههن.. هبّوا ليعيدوا مذبحة الجسثيمانيّة من جديد
قُم أيّها الربُّ الإله.. مِدّ يدك لانتشالهم من لُججِ الظلمة
من أجل دمائك التي خضّبت الكون
انهض لنصرة كنيستك.. ولتصِر ضيقتنا مجدًا لاسمك
أنت تسمع للقلوب الُمنكسرة
أنت تُنصِت للصرخات الدفينة تحت رمال الظلم
ليس لنا آخر نلتجِئ إليه سواك
أنت مالكُ مخارج الحياة
إلى مَنْ نذهب وكلمات الحياة في يمينك القادرة
إنْ أردت أنْ تحتضن فتياتك الصغيرات وتُلْبِسهم أرجوان الشهادة
فلتكُن مشيئتك
وإنْ أردت أنْ تُطلِقهم من بين قضبان السجن بمعجزةٍ باهرةٍ
فلتكُن مشيئتك
فقط نطلب السلام للقلوب الجريحة
السلام.. السلام.. أّيها الربّ مُخلّصنا
وليملأ روحك القدّوس جماعتك لتسير خلفك ولو إلى قبور الموت
فالموتُ معك معبرٌ للحياة وبدءٌ للقيامة
السلام والإيمان هما طلبتنا أيّها الربّ الإله
فاسمع لصلوات عبيدك
لك المجد إلى أبد الدهور.
آمين.
خرج إليوس من الكنيسة وهو مُنفطِرُ القلب، جريح الفؤاد، نسَى ما جرَى بينه وبين أبولّلونيا وأصبح غارقًا في دوّامات الضيق ممّا يجري في المدينة، وهنا تذكّر كلمات أبولّلونيا عن حريّة العقيدة والإيمان، شَعَرَ وقتها أنّ المدينة والوالي يُمارسون ضغوطًا غير شريفةٍ ضِدّ المسيحيّين، وأنّه لولا تلك الضغوط لصار الكثيرُ من أتباع سيرابيس أتباعًا للمصلوب!!
كانت الصورة الورديّة الحالمة التي طالما تجمّلت في الموسيون تتفسَّخ تحت شمس الحقيقة، وكذا مياه المعرفة التي اختزنها في بحيرات عقله تُهرَق وتنسكب وتسيل ندمًا على سنوات الخيال والحُلم..
دخل الضابط مينوس إلى مجلس الوالي، وقال له: ما هذا الذي أسمع؟
ما الأمر يا مينوس؟ سأله الوالي.
- هل ستقتل الفتيات المسيحيّات لأنهن كُنّ يرعون الفقراء والمساكين؟!
- هوِّن عليك يا مينوس، فلقد كانت الرعاية هي الطُعم لاجتذاب الأتْباع.
- إنّ هذا ليس صحيحًا، فحينما سمعت بالأمر ذهبت وتحدّثت مع أحدهم في بيت المحبّة، ووجدت أنّه باقٌ على ولائه لسيرابيس، وحينما سألته إن كُنّ أغرينه بالطعام مقابل الإيمان، أجاب بالنفي، وأكّد لي أنّهم لا يتحدّثون بإيمانهم إلاّ حينما يُسألون، ويُجبن على قدر السؤال دون ممارسة أيّة ضغوط!!
كان مينوس من أشهر ضبّاط الفيلق الروماني المُرابِض على ميناء الإسكندريّة، وكان مشهودًا له بالشرفِ والأمانةِ والحقِّ بين الجميع. كانت بطولاته الحربيّة هي ما أكسبته هيبةً ووقارًا في أي مجلس يحلّ فيه. وكان الوالي يثق فيه بسبب تلك الخصال التي يندر وجودها وسط المطامح الشخصيّة والدسائس التي صدّرتها روما إلى باقي مُدنها.
- ما لك ثائرًا يا مينوس؟؟
- مولاي، لا أريدك أنْ تندفع وراء السيرابيوم والجمنزيوم والموسيون، فلكلٍّ مصالحه في المدينة وأنتَ تعلم هذا..
- ولكنّهم أصحاب كلمة ولهم مكانة عند شيوخ المجلس في روما والمتردّدين على الإسكندريّة.
- عُذرًا يا مولاي، إنّهم لا يبحثون إلاّ عن مصالحهم الخاصّة وتجارتهم ومكانتهم دون النظر إلى المدينة التي تتهاوى بسبب تعصُّبهم البغيض. هل تنس ما حدث مع اليهود وكيف دخلت البلاد في حالةِ فوضَى وهياج ومات جرّاء ذلك عشرات الآلاف لأنّهم أوغروا صدر الإمبراطور من جهتهم ومارسوا ضغوطهم على الوالي آنذاك. ولكن هذه المرّة ستهتز مكانتك في روما بشدّة إن سُمِعَ أنّك تنقاد إلى الموسيون والسيرابيوم.
قام الوالي من مجلسه وبدأ يتحرّك جيئةً وذهابًا وهو يُفكّر في كلمات مينوس، ثمّ قال: وماذا ترى؟
- أرى أنْ تُعاقِبهم وتُطلِقهم.
بدت على وجهه إمارات الموافقة، وقال: فليكُن، أصدِر الأمر بجلدهن ثلاثين جلدةٍ.
صدر القرار على الفتيات المسيحيّات بالجلدِ ثلاثين جلدةٍ وفي نفس الوقت على سارة بالجلدِ أربعين جلدة..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-sarafim-elbaramousy/light/plan.html
تقصير الرابط:
tak.la/hjjww7v