المجتمع:
أنتم المسيحيون أعداء الحرية لأنكم تبيحون الرق والعبودية.المسيحي:
إن المسيحية أكثر ديانة ترفض العبودية وتنادي بالحرية.
وهناك نوعان من
العبودية:
أما من جهة هذه العبوديات فهي أكثر خطورة في المسيحية على حياة الإنسان وعلى أبديته. وقد قامت المسيحية أساسًا لتحرير وإنقاذ الإنسان من قبوعه تحت نيرها. لأن هذا كان هدف المسيح من مجيئه إلى العالم.
فمن جهة عبودية الخطية قال المسيح عنها لليهود "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو8: 34). وأكدها بولس الرسول لأهل رومية بقوله "لما كنتم عبيد الخطية كنتم أحرارًا من البر" (رو6: 20). أما بطرس الرسول فيحذر من الأشرار الذين يخدعون بشهوات الجسد أولئك الذين يحاولون الهروب منها "واعدين إياهم بالحرية وهم أنفسهم عبيد للفساد" (2بط2: 19). ثم يُعبِّر عن مرارة عبودية الخطية في قوله لسيمون الساحر "تُب من شرك هذا.. لأني أراك في مرارة المر ورباط الظلم" (أع8: 22، 23). أما عبودية إبليس فَيُعَبِّر بولس الرسول عن شراستها في قوله لتلميذه تيموثاوس "مُؤَدِّبًا بِالْوَدَاعَةِ الْمُقَاوِمِينَ.. فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ" (2تى2: 25، 26). كما تَظهر شراستها في ما يصيب الناس الذين يستولى عليهم إبليس من جَرَّائها حيث كان يُخَرِّب حياتهم ويهدم كيانهم. فكان يصيبهم بالجنون (مت8: 28) والخرس (مت9: 32) والعمى (مت12: 22) والصرع (مت17: 15) ويدفعهم للوقوع تارة في النار وتارة في الماء ويسبب لهم آلامًا شديدة (مت17: 18). واضح إذًا أن عبودية إبليس للناس كَمْ كانت قاسية ومدمرة وبلا رحمة! هناك أيضًا عبودية الناموس الذي ساد على الناس طوال العهد القديم بفرائضه وأحكامه وحدوده ولعناته وحرفية وصاياه.
هذه عبوديات روحية تدمر الجسد والروح معًا. وقد جاء المسيح إلى العالم لكي ينقذنا منها ويرفعها عنا ويمنحنا الحرية الحقيقية كما تنبأ عنه إشعياء النبي
[روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأنادى للمأسورين بالإطلاق] (إش61: 1). وكما قال المسيح له المجد "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو8: 36).وقد حررنا المسيح من عبودية إبليس بإنقاذنا من سلطانه علينا الذي كان في حكم الموت، الذي جلبه علينا بغوايتنا لعصيان الله، فأبطله المسيح بموته على الصليب نيابة عنا. وفي هذا يقول بولس الرسول "إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم في الصليب" (كو2: 15).
وإذ كانت الخطية هي السبب في موتنا فالمسيح بموته أبطلها عنا كما يقول بولس الرسول: "قد أُظْهِر (المسيح) مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه" (عب9: 26). أي أبطل الموت الذي تحمله لنا، الأمر الذي يؤكده بولس الرسول أيضًا في قوله: إن المسيح "أَبْطَلَ الْمَوْتَ [بموته]" (2تى1: 10). وإذ كان الناموس هو سبب معرفتنا للخطية وأوجب لعنتها علينا. فالمسيح بموته أبطل أيضًا ناموس الخطية ولعنته وحررنا من سلطانه كما يقول بولس الرسول:
"المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا (وذلك بتعليقه على الصليب)" (غل3: 13).أما ناموس الفرائض الجسدية فقد أعتقنا منه المسيح بناموسه الروحي "ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت" (رو8: 2).
وحررنا المسيح أيضًا من ناموس الظل والرمز ونقلنا إلى ناموس الحقيقة (كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى). وذلك بنور تعاليمه الإنجيلية "إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرركم" (يو8: 31، 32). فبشارة الإنجيل أنارت لنا طريق الحق الذي حررنا من ظلمة الجهل ونقلنا من مرتبة العبيد إلى مرتبة الأحباء "لا أعود أسميكم عبيدًا لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده. لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي" (يو15: 15).
وحررنا المسيح كذلك من روح العبودية إذ أعطانا روح التبني "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضا للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب" (رو8: 15). وقد نلنا روح التبني بعمل الروح القدس في ولادتنا الجديدة و "حيث روح الرب هناك حرية" (2كو3: 17).
هذه هي حريتنا في المسيح حرية مجيدة يدعوها بولس الرسول: "حرية مجد أولاد الله" (رو8: 21). لذلك يوصينا أن نثبت فيها بقوله "فاثبتوا إذًا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها. ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية" (غل5: 1). ثم يوصينا أن لا نسئ استخدام حريتنا في المسيح بجعلها فرصة للجسد فيقول "فإنكم إنما دُعيتم للحرية أيها الإخوة. غير أنه لا تُصيِّروا الحرية فرصة للجسد بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا" (غل5: 13). ولا يصح أيضا أن نجعل حريتنا ستارًا للشر "هكذا هي مشيئة الله أن تفعلوا الخير.. كأحرار وليس كالذين الحرية عندهم سترة للشر بل كعبيد الله" (1بط2: 15، 16).
ويُرجِع بولس الرسول حريتنا في المسيح إلى جذورها الأولى في شخص أبينا إبراهيم أب جميع المؤمنين فيقول "كَانَ لإِبْرَاهِيمَ ابْنَانِ، وَاحِدٌ مِنَ الْجَارِيَةِ وَالآخَرُ مِنَ الْحُرَّةِ. لكِنَّ الَّذِي مِنَ الْجَارِيَةِ وُلِدَ حَسَبَ الْجَسَدِ، وَأَمَّا الَّذِي [وُلِدَ] مِنَ الْحُرَّةِ فَبِالْمَوْعِدِ.. وَأَمَّا نَحْنُ.. نَظِيرُ إِسْحَاقَ، أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ.. إِذًا.. لَسْنَا أَوْلاَدَ جَارِيَةٍ بَلْ أَوْلاَدُ الْحُرَّةِ" (غل4: 22-33).
وحق الإنسان في الحرية بلغ أقصاه لدى المسيح في دعوته الكرازية للعالم. إذ وهو كلمة الله الظاهر في الجسد سيد الوجود وصانعه والذي يجب أن تتعبد له كل البريَّة ترك الحرية الكاملة لسامعيه للإيمان به وتبعيته أو عدم الإيمان به ورفضه. وقد بدا هذا في أكثر من موقف نذكر منها:
عندما وجه دعوته لحمل الصليب خاطب الجمع بأسلوب التخيير تاركًا لهم الإرادة الحرة. فقال "إن أراد أحد أن يأتي ورائي" (مت16: 24).
وعندما سأله الفريسيون عن السماح بالطلاق لأي سبب وأجابهم أنه لا طلاق إلا لعلة الزنا ثم أجابه تلاميذه إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج قال لهم "من استطاع أن يقبل فليقبل" (مت19: 12).
وعندما كلم الجمع عن دعوته لأكل جسده وشرب دمه وقال كثيرون
من تلاميذه هذا الكلام صعب من يقدر أن يسمعه فأجابهم "اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ، وَلكِنْ مِنْكُمْ قَوْمٌ لاَ يُؤْمِنُونَ... مِنْ هذَا الْوَقْتِ رَجَعَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ إِلَى الْوَرَاءِ، وَلَمْ يَعُودُوا يَمْشُونَ مَعَهُ" (يو6: 6-66). ومع ذلك لم يلزم أحدًا.والشاب الغني الذي جاء يسأله عما يعمل ليرث الحياة الأبدية وأجابه أن يترك كل أمواله فاغتم الشاب ومضى حزينًا. تركه المسيح لحال سبيله ولم يجبره على شيء.
ومن يتأمل هذه المواقف يدرك أنه ليست هناك حرية أكثر من هذه أن لا يلزم الله إنسانًا بالإيمان به أو لقبول تعاليمه.
أما وصايا الإنجيل للعبيد أن يطيعوا سادتهم فكان تماشيًا لوضع قائم بالفعل من أجل استقرار الحياة الاجتماعية وليس اعترافًا به أو إقرارًا له. وحتى لا تتسبب المسيحية في إثارة مشكلة تؤثر على الحياة الاجتماعية سلبًا وتضر بالعبيد أكثر مما تفيدهم خصوصًا لو أن المسيحية دفعتهم إلى التمرد على سادتهم والخروج عن طاعتهم.
كما أنه في نفس الوقت قدمت وصاياها للسادة بخصوص معاملة جديدة كُليةً للعبيد. فقالت لهم "أَيُّهَا السَّادَةُ، قَدِّمُوا لِلْعَبِيدِ الْعَدْلَ وَالْمُسَاوَاةَ، عَالِمِينَ أَنَّ لَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا سَيِّدًا فِي السَّمَاوَاتِ.. وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ" (كو4: 1، أف6: 9). ولا شك أن هذه الوصايا كانت توجيها هامًا لتحرير العبيد طالما أصبحت معاملتهم بالعدل والمساواة. خصوصًا بتذكير السادة أنهم هم أيضًا عبيد تحت سلطان الله وهم متساوون أمامه مع عبيدهم وليس عنده محاباة.
كذلك الاسترقاق في الدول الغربية لم يكن منبعه مبادئ الإيمان المسيحي، وإنما يُعزى إلى نزعتها الاستعمارية مقرونة بروح وفكر الاستعلاء الجنسي أي الذي ينظر إلى الجنس الأبيض أنه أميز وأعلى من الجنس الأسمر أو الملوَّن. لذلك يلاحظ أنه بعد انحسار الاستعمار وتحرر الشعوب كادت تنعدم ظاهرة الرق. ولربما الفقر الشديد هو الذي يدفع البعض لأن يبيعوا أنفسهم مقابل لقمة العيش.
والعبودية في المسيحية كبيع الإنسان لنفسه هي لله وحده. فالقديس بولس الذي يقول في جرأة "ألست أنا حرًا" (1كو9: 1). يدعو نفسه في رسائله "عبد يسوع المسيح" (رو1: 1، فى1: 1، تي 1: 1). ويقول أيضًا "لو كنت بعد أرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح" (غل1: 10). والرسل كذلك دعوا أنفسهم عبيد الله وذلك في تضرعهم إليه ليبطل عنهم تهديدات اليهود قائلين "الآنَ يَا رَبُّ.. امْنَحْ عَبِيدَكَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلاَمِكَ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ" (أع4: 29).
إذًا المسيحية ترفض العبودية للناس كما تحمل وسائل خلاصها لإنقاذ وتحرير من هم تحت عبودية روحية سواء لإبليس أو الخطية. ولا تؤمن
إلا بالعبودية لله وحده، وتنادي بالحرية وتطلب الثبات فيها. والحرية الحقيقية فيها هي حرية الروح. حتى في تقديم ذاتها للعالم لكي يؤمن بها فإنها تترك الحرية المطلقة لكل واحد ولا تلزم أحدًا.فما أعظم حريتنا التي نلناها في المسيح. لأنها حرية السعادة والخلود إذ هذه هي طبيعة حرية الروح. لأنها تنطلق بصاحبها من أسر إبليس وسلطان الخطية ونير فرائض الناموس الجسدية الثقيلة. وتحيي رجاءه في المسيح لحياة أبدية مملوءة بالنور والفرح.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/question-answer/slavery.html
تقصير الرابط:
tak.la/m688pgx