المجتمع:
المسيحي: إن التطرف هو مغالاة في التمسك بعقيدة أو مذهب بعينه يصل إلى حد عدم قبول الآخر بل نبذه ومحاربته. وهو يشير إلى ضيق أفق صاحبه ونقص معرفته. والتطرف ينطوي في داخله على التعصب؛ وهو تمسك أعمى غير قابل للحوار أو التفاهم لعجز صاحبه عن الإقناع. والتعصب يختلف عن التمسك المستنير الذي حدوده اقتناع شخصي اقتناعًا كاملًا بصحة ما يعتقده الفرد، مع التسليم بحرية الآخرين فيما يعتقدون وحقهم في قبول ما يعتقد به هو أو رفضه، ثم استعداده للتفاهم سواء للإقناع أو الاقتناع.
والمتطرف يطوي دائمًا في داخله أهدافًا وأطماعًا يرغب في تحقيقها بِاسم الدين ولا يريد أن يعيش معه أحدٌ. فإما أن يسيطر عليه ويتسيد وإما أن يقتله ويبيده. وينظر إلى كل من ليس من دينه على أنه كافر، وما دام كافرًا فإنه يستحق القتل. ونفس المتطرف مملوءة بالحقد والعداوة اللذيْن يملآن قلبه بالقساوة والجحود، حتى أنه لا يرحم نفوس الأبرياء ويميل إلى سفك الدماء، وهو يظن بهذا القتل أنه يرضى الله. ولا يعلم أنه بهذا يحمل في داخله روح إبليس الذي هو "قتال للناس من البدء" (يو8: 44). كما قال المسيح له المجد لليهود عندما كانوا يتآمرون عليه ليقتلوه "وقالوا له أبونا هو إبراهيم قال لهم لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني. أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا" (يو8: 39، 44).
والمتطرف يضع نفسه مكان الله ليخضع العالم كله لإرادته وأفكاره، بل يجعل نفسه إلهًا فوق الله لأنه يستخدم ما لم يستخدمه الله من قوة وبطش في قهر الشعوب وإخضاعهم لعقيدةٍ وإيمان بعينه. بالرغم من أن العالم يعيش على سطحه آلاف الملايين من البشر أصحاب ديانات متنوعة. وإن أراد جلت قدرته فهو قادر أن يفني ما يريد إفناءه منهم في لحظة ولكنه لم يفعل.
ويظهر الوجه السيئ للمتدين المتطرف بمقارنته بالمتدين المعتدل الذي يحمل روحًا إنسانية سمحة تتخطى الحدود العنيفة في الدين. ومنهج سلوكياته مرسوم على جميع التوجهات الدينية الإيجابية التي تدعو إلى التعاون والمسالمة وحق الناس في الحياة وفي حرية ما يعتقدون. ويترك لله شئونه في خلقه. ويتحلى بفضائل العفة والقناعة فلا يستحل لنفسه أموال الغير ولا أعراض الغير، ولا يحسد أحدًا بل يطلب الخير ويفرح به لكل أحد. ويسيطر عليه في معاملاته مع الجميع صوت الضمير ومخافة الله أكثر مما تدفعه نزعات نفسانية دموية أو تصورات وأفكار لا تحمل في مضمونها سوى القتل والإبادة وسفك الدم. وله سعة من الأفق يدرك بها واقع تنوع ديانات البشر وعقائدهم بين الأمم بل التنوع المذهبي في كل دين بعينه. هذا الإدراك هو الذي يُعتبر الأساس السليم للتعامل أو الحوار مع الآخر على حد قول الدكتور محمد عمارة المؤرخ الإسلامي "إن التعددية في الخلق والتنوع في الأفكار والمذاهب والفلسفات والملل والشرائع والمناهج والثقافات والألسنة واللغات والقوميات. هذه سنة من سنن الله تبارك وتعالى التي لا تبديل لها ولا تحويل. أول شرط من شروط الحوار"(2).
ولا شك أن الله له حكمته في ذلك. وقد ندرك بعضها ولا ندركها كلها. لذلك فالمتطرف بتصرفاته العدوانية نحو الآخر لا يخدم دينه ولا مجتمعه بل إنه يهدم مجتمعه ويسئ إلى سمعة دينه.
وإن كان الدين في مجتمعنا مثل بقية الديانات يتضمن كثيرًا من مبادئ المودة والتسامح والمسالمة والتكافل الاجتماعي فأصحاب الديانات عامة يحتاجون إلى تنمية هذه المبادئ في معتنقيها.
والتطرف له فكر قيادي موجِّه والمسئولية كلها تقع عليه. هذا الفكر القيادي مهما ادعى من قيمة لتدينه لكنه لا يعي معنى الإنسان والإنسانية بالمفهوم الوجودي الذي يُرجِع كل الناس إلى الأصل الواحد النابع من الموجود الأول العقل الأول بعيدًا عن كل الفوارق العرضية بينهم. هذا المفهوم الذي يجب أن يبنى عليه الإنسان تعامله مع كل إنسان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كما يوضحه الكاتب الفيلسوف محمد سيد محمد في مقال تحت عنوان (الإنسان واللغة)(1) فيقول "في البدء كانت الكلمة، ومنها جاء الإنسان. الإنسان تلك الكلمة الملغزة والمحيرة، التي تحوِّل وتغيِّر وتُعيد التكوين حيث الوجود الأول والعقل الأول. فأنا وأنت لا نختلف كثيرًا لأن العقل هو هو والنفخة الإلهية هي هي. إنها سر الأسرار التي تذيب الفوارق والاختلافات، عندما تحدث الشرارة الأولى ويتم اللقاء فتسقط كل الأشياء العارضة ويبقى الإنسان. والإنسان هنا دونما جنس، دونما لون، دونما هوية، دونما لغة. ما أعجبها من مفارقة حيث يصبح المفتاح السحري لفك شفرات أي إنسان هو نفسه الإنسان". لذلك إذا وعى صاحب الفكر المتطرف إنسانيته لاستطاع أن يعي ويدرك أخيه الإنسان فيسقط عنه جنون التطرف.
والمسيحية كديانة تدعو إلى محبة جميع الناس حتى الأعداء وتدعو إلى التسامح وعدم مواجهة الشر بالشر والعين بالعين والسن بالسن حسب الشريعة الموسوية (خر21: 24). وتدعو إلى الوداعة والاتضاع وصنع السلام، لا يمكن أنها بمبادئها هذه تدعو إلى التطرف بمعنى الاعتداء على البشر أو إبادة الآخر.
فالمسيحية لا تعرف التطرف، ومن يتعمق فيها يزداد اتضاعًا ومحبة ومسالمة إلى حد تقديم الذات عن الآخر، وفي هذا يختلف كثيرًا عن من يتعمق في دينه فيزداد كراهية وحقدًا وعداوة نحو الآخر إلى حد تحليل قتله. لذلك نجد الفارق عظيمًا بين المسيحي المتعمق في دينه الذي يزداد حبًا وتسامحًا وبين من يتعمق في دينه فيزداد وحشية وافتراسًا.
إلا أنه للأسف هناك توجُّهٌ خاص للبعض في وصف المسيحي بالمتعصب وأحيانًا يدعونه بالمتطرف. حيث يرى هذا البعض أن كل مسيحي يأخذ ويعطى مع زميل أو جار مسيحي آخر فهو متعصب. وكل مسيحي يُظْهِر صيامه أو يذهب إلى الكنيسة أو له أي نشاط كنسي فهو متعصب. وكل مسيحي يدافع عن مسيحي آخر مظلوم فهو متعصب، وكل مسيحي يؤاخذ مواطنًا غير مسيحي مخطئًا في عمله فهو متعصب، وكل مسيحي يوصى بتعيين أو ترقية أو تقدير مسيحي آخر يستحقه فهو متعصب، وكل مسيحي يدافع عن إيمانه أمام من يهاجمه في إيمانه فهو متعصب، وكل مسيحي يبدى أي علامة تشير إلى مسيحيته كأن لبس صليبا أو رسم علامة الصليب فهو متعصب. أما أي شخص غير مسيحي يفعل شيئًا من هذه فهى حق له وأمور طبيعية جدًا لا غبار عليها ولا مؤاخذة عليه فيها. هذا هو منهج البعض في الاتهام الباطل الذي يلصقه بالمسيحيين ولربما يلجأ هذا البعض لهذا الاتهام من أجل تغطية تعصبه هو، لأنه لا يقبل وجود إنسانٍ معه على الأرض يختلف عنه في دينه.
_____
(1) الأهرام في 16/11/2001
(2) الأهرام 28/6/2002
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/question-answer/extremism.html
تقصير الرابط:
tak.la/8vpy426