هذه هي الصورة
الثانية لعلاقتي
بالكنيسة وأبدو فيها غصنًا في كرمة ضمن أغصان كثيرة.
الكنيسة غرس الرب:
لقد وجَّه الله كل العناية والرعاية لكنيسته قديمًا تلك الكَرْمة التي غَرَسَتْها يمينه، وكان ينتظر منها ثمر الإيمان أي أعمالًا صالحة وعبادة نقية، ولكن عندما جاء يطلب ثمرًا وجد ثمرًا رديئًا. لذلك وَبَّخ شعبه على فم إشعياء النبي بقوله "كان لحبيبي كَرْمٌ على أَكَمَةٍ خَصِبَةٍ، فَنَقَبَهُ ونَقَّى حِجارته وغَرَسَهُ كَرْمَ سَوْرَقْ، وبَنَى بُرْجًا في وَسَطِهِ، ونَقَرَ فيه أيضًا مِعْصَرَةً فانتظرَ أن يَصْنَعَ عِنَبًا فَصَنَعَ عِنَبًا رَديئًا. والآن... ماذا يُصْنَعُ أيضًا لكَرْمِي وأنا لم أصْنَعْهُ له" (إش5: 1-4). ويؤكِّد لنا نفس الصورة حزقيال النبي مخاطبًا الأمة اليهودية بقوله "أُمُّكَ كَكَرْمَةٍ، مِثْلِكَ غُرِسَتْ على المياه. كانت مُثمرةً مُفْرِخَةً من كثرةِ المياهِ. وكان لها فروعٌ قويَّةٌ... وارتفع ساقُها بين الأغصان الغَبْيَاءِ، وظهرت في ارتفاعها بكثرةٍ زراجينها، لكنها اقْتُلِعَتْ بغيظٍ وطُرِحَتْ على الأرض... ويَبِسَتْ فُرُوعها القويَّة. أَكَلَتْها النَّارُ" (حز19: 10-12). وهكذا إرميا النبي يصف جمال صورتها عند عتابه بيت إسرائيل وبيت يهوذا على شرهم وإعلان الرب غضبه عليهم فيقول "زيتونة خضراء ذات ثمر جميل الصورة دعا الرب اسْمَكِ... وربُّ الجنودِ غارِسُكِ قد تكلَّمَ عليكِ شرًّا، من أجل شَرِّ بيتِ إسرائيل وبيتِ يهوذا الذي صنعوه... وأنتَ فلا تُصَلِّ لأجل هذا الشَّعبِ... لأني لا أسمع في وقتِ صُراخِهِمْ إليَّ" (إر11: 14، 16، 17). وقد أعلن المسيح له المجد فساد هذا الكَرْم وكَرَّاميه عندما قدَّم لرؤساءِ اليهودِ مَثَل الكَرْم والكَرَّامين حيثُ في آخِر المَثَل قال لهم "إنَّ ملكوتَ الله يُنْزَعُ مِنْكُمْ ويُعطَى لأُمَّةٍ تعمَلُ أثمارَهُ" (مت21: 43). وليس خفيًا أنَّ الأمُّةَ التي آل إليها ميراث ملكوت الله هي نحن أبناء العهد الجديد الذين صارت إلينا كلمة الخلاص ببشارة الإنجيل المفرحة. لذلك فالمنتظر منا هو تقديم ثمر هذا الخلاص.
بالرجوع لِمَثَل الكَرْم والكَرَّامين يتَّضح أن بني إسرائيل الذين اختارهم الله لنفسه ودعاهم الابن البكر، كما يقول داود النبي "الابن الذي اخترته لنفسك" (مز80: 15)، هم الكرمة التي غرسها في وسط الأُمم، فلمَّا أصابها الجدب والجفاف وأثمرت ثمرًا رديئًا فمن أجل مواعيده الصادقة مع الآباء ومن أجل محبته تحنَّن عليها لكي يحييها ويصلحها فغرس في وسطها كرمته الحقيقية ابنه بالطبيعة الكلمة الذاتي بتجسُّده وتأنُّسه. لعلها بسبب فيض تعاليمه وقدرة أعمال آياته وسمو وكمال فضائله ينصلح حالها وترجع إلى رشدها وتؤمن به فاديًا ومُخلِّصًا. ولكنهم للأسف كما قال عنهم السيد المسيح إنه تمت فيهم نبوة إشعياء "قلب هذا الشعب قد غَلُظَ، وآذانَهُمْ قد ثَقُلَ سَماعُها. وغَمَّضوا عُيونَهُم لئلاَّ يُبصِروا بعيونهم، ويسمعوا بآذانِهِمْ، ويفهموا بقلوبِهِمْ، ويرجعوا فأشفيهم" (مت13: 15). وإذْ رفضوا المسيح لعن التينة التي كانت ترمز إليهم فجفَّت في الحال. وصار المسيح كَرْمة لأبناء عهد جديد يثمرون به ويَخلصون به خلاصًا أبديًا.
كان لابُدَّ من مَجيء المسيح لغرس كرمة العهد الجديد وذلك لإحياء عهود الله مع شعبه كما تنبَّأ إشعياء النبي "أميلوا آذانكم وهلمُّوا إليَّ. اسمعوا فتحيا أنفُسُكُمْ وأقْطَعَ لكم عهدًا أبديًا، مراحم داود الصادقة. هوذا قد جعلته شارِعًا للشُّعُوبِ، رئيسًا ومُوصِيًا للشُّعُوبِ" (إش55: 4،3) وكما يقول مُعلِّمنا بولس "لم يرفض الله شعبه الذي سَبَقَ فَعَرَفَهُ... من جهة الإنجيل هم أعداءٌ من أجْلِكُم، وأمَّا من جهةِ الاختيارِ فهُمْ أحبَّاءُ من أجْلِ الآباءِ، لأنَّ هِبَاتِ الله ودَعْوَتَهُ هي بِلا نَدامَةٍ" (رو11: 29،28،2). ولكي يفي الله بالكلام الذي أقسم عليه لآبائهم إبراهيم وإسحق ويعقوب (تث9: 5) كما أوضحه قول زكريا الكاهن أبي يوحنا المعمدان "ليَصْنَعَ رَحْمَةً مع آبائِنا ويَذكُرَ عَهْدَهُ المُقدَّس، القَسَمَ الذي حَلَفَ لإبراهيمَ أبينا: أن يُعطينا إنَّنا بِلا خوفٍ مُنْقَذِينَ مِنْ أيدي أعدائِنا، نَعْبُدُهُ بقَداسَةٍ وبِرٍّ قُدَّامَهُ جَميعَ أيامِ حياتِنا" (لو1: 72-75).
لقد دعا الله كنيسته كَرْمة للتشابه الكبير بينهما في الغرس والتأسيس وفي مُعدَّل النمو كمًّا وكيفًا وفي القيمة الموجودة في الثمر وفي الصفات المُميزة. فالكرم نبات له صفات ممتعة ينفرد بها ولا تجتمع معًا في نبات واحد.
فشجره يُزرع بعُقَل منْزُوعة من أصل كرمة أخرى، وتُغْرَس في الأرض لكي تنمو كل منها كرمة وارفة، وساق شجره يمتاز بالليونة مع المتانة الشديدة في نسيجه، وينمو مُستعينًا بما يشد أزره لكي يسنده إلى حائط أو يمدده بأغصانه على شرائح خشبية، وأغصانه تنمو وتمتد في سلاسة وغزارة وبدون توقف عند حد طالما الطريق رحبًا أمامها ويُساعدها على الامتداد، ويُقدِّم ثمرهُ في عناقيد مُتدلِّية بسخاء وغنى، وثمره من أفضل الفواكه المُفيدة لصحة الإنسان وعصيره مُمتع في طعمه ومُبهج للجسم، وحتى ورقه يدخل ضمن طعام للإنسان. ويُكوَّنُ مع أغصانه وأوراقه مظلَّة فريدة في نوعها عن بقية الشجر حيث يتوفَّر تحتها النور الطبيعي والشمس الخفيفة غير المُحرقة والنسيم الهادئ ويحلو الجلوس تحت ظلالها. كل هذه صفات تبهج صاحب الكرم وتفرح قلبه. كما يقول الكتاب: ثمر الكرمة يُفرِّحُ الله والناس (قض9: 13).
هكذا أيضًا كنيسة المسيح تتمتَّع بهذه الصفات على المستوى الروحي، فقد استقطعت من بين الأمم وغُرِسَتْ وسط العالم لتنمو شعبًا كبيرًا، وتأسَّست في هدوء ووداعة ولكن في صلابة إيمان وقوة يقين، وتنتشر وتمتد بعمل الكرازة التي تُفرِّح قلوب الناس وتسر نفوسهم لأنها تُقدِّم لهم المسيح في محبته وبذله ووداعته وقدرته وسلطانه وجمال فضائله وحلاوة تعاليمه، فيجدون فيه مرساة لنفوسهم وسلامًا لقلوبهم ورجاء في أبدية سعيدة لهم. وفي ظِلِّ الكنيسة يَستريحون كما يقول عنها الكتاب "وتكونُ مِظَلَّةٌ للْفَيءِ (1)" (إش4: 6). ويستنشقون نسيم حريتهم الحقيقية من عبودية إبليس والخطية والموت والهاوية، وفي مقاومتها للعالم تستند على الصليب أي على شركة آلام يسوع المصلوب، وأبناؤها يدحرون إبليس باتضاعهم ووداعتهم واحتمالهم بصبر.
وكل مَن يعيش في أحضان الكنيسة في عُمق ومُثابرة ويتأمَّل تاريخها وبطولات شهدائها وقديسيها يستشعر كل هذه الثمار العظيمة والقوة الفاعلة للكنيسة ليس في حياة أبنائها فحسب بل وفي الغرباء أيضًا الذين تلمسهم نعمة الله. بل كل مَنْ يسترجع أعمال المسيح معه بصفة شخصية في مختلف مراحل حياته يدرك مدى عنايته وتدبيره لأموره ورسم خطوات مراحل عمره وظهور قوته في ضيقاته وتجاربه.
ليست الكنيسة فقط دعاها الله في العهد القديم كَرْمة لكن المسيح له المجد دعا نفسه أيضًا كَرْمة ولكنه الكَرْمَة الحقيقية كما قال "أنا الكَرْمَة الحقيقية" (يو15: 1) مُميِّزًا نفسه عن كرمة نبات الأرض التي مهما كانت قيمتها الغذائية فهيَ تطعم الجسد القابل للفساد. أمَّا هو فقد قدَّم ذاته لنا قوتًا سماويًا مَن يأكُله له قيامة من الموت ويحيا إلى الأبد (يو6: 54). وكذلك مُمَيَّزًا عن كرمة شعبه قديمًا التي انتظر منها ثمرًا فأعطته ثمرًا رديئًا. أمَّا هو فمملوء بثمار جميع الفضائل بل هو يسمو في شخصه على جميع الفضائل الإنسانية إذ هو رب الكمال والقداسة.
وهو الكرمة الحقيقية لأنه غُرِسَ في وسط شعبه ليبقى معهم إلى الأبد يُشبع نفوسهم وأرواحهم بتعاليمه وعمل خلاصه، ويُلذِّذهم بنِعَم روحه القدُّوس التي يغدقها عليهم بغنى. وهو كَرْمَة لحياتهم لأنه رفيق مُحب وصَدِيق مُخلِص وسند قوي وبلسم شافٍ للجراح والآلام، ومُعزٍّ للقلب ومنير للبصيرة ومُرشِد في الطريق، ومُنقِذْ في الشدائد. ومَن تحرقه شمس التجارب يستريح تحت ظِلّ صليبه ورجاء مواعيده وتعزيات كلماته فيمتلئ راحة وسلامًا ويتغنَّى مع عروس النشيد "تحت ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أن أجْلِسَ، وثَمرتُهُ حُلْوَةٌ لِحَلْقِي" (نش2: 3). و"الذي معه... تَحْلُو لنا العِشْرَة" (مز55: 14).
وهو الكرمة الحقيقية لأن فيه تحقَّقت ما رمزت إليه كرمات العهد القديم؛ كَرْمَة يهوذا التي لذَّذَته "بدم العنب" (تك49: 11) والمسيح يَتلذَّذ به شعبه لأنه حبيب جميل وحلو (نش1: 16)، وهو حبيب لسابق حبه لنا (1يو4: 19)، وهو جميل لأنه "أبرع جمالًا من بَني البَشر" (مز45: 2)، وحلو لأن "حَلْقهُ حَلاوة وكُلّه مُشتهيات" (نش5: 16). وتحققت فيه كرمة يوسف التي ارتفعت أغصانها فوق حائط (تك49: 22). والمسيح هو الذي ارتفع على الصليب لكي يرفع آثام شعبه ويسحق إبليس تحت أقدامهم ويجذب أنظار الجميع إلى محبته في خلاصهم. وتحقَّقت فيه أيضًا كَرْمَة إسرائيل التي سكن تحتها آمنًا (1مل4: 25). والمسيح إله قوي وقادر أن يَحمي كنيسته وهو الذي وعدها أن "أبواب الجحيم لن تقوَى عليها" (مت16: 18).
الكنيسة هي الكرمة الأرضية التي أفرادها من تراب الأرض. والمسيح هو الكرمة التي نزلت من السماء لكي يُجدِّد الكرمة الأرضية ويُعطيها حياة ويُقدِّم ذاته طعامًا لها لنموها واستمرار حياتها وتثبيت دعوته لها. لأن "دعوته هي بلا ندامة" (رو11: 29). وبعد أن كانت علاقته بالكَرْمَةِ في القديم على مستوى شخصي لأفراد مُعيَّنين هُم عبيده الأنبياء، أصبحت في الجديد علاقة عامة لكل المؤمنين، وعطايا روحه القدُّوس موزعة على الجميع وليس على أفراد بعينهم. والجميع مغروسون فيه ويرتوون منه، كُل حسب موهبته. كما يقول الكتاب "الجميع سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم" (عب8: 11).
لذلك عندما دعا المسيح نفسه كَرْمَة دعا المؤمنين به أغصانًا، لأنه كما تنبت الأغصان من أصل الشجرة وتستمد غذاءها منها، فهكذا المؤمنون بالمسيح نبتوا وشبّوا من كَرْمَةِ الإيمان به. فهم متأصلون فيه كأغصان نابتة منه، والمسيح نفسه هو الأصل أو الجذر الذي يروي جميع الأغصان من فيض نعمته ليغذيها لكي تثمر. وعمل نعمة المسيح في مؤمنيه كثير ومتنوِّع. فهو تعزية وسلام وطمأنينة لقلوبهم، واستنارة وفهم وحكمة لعقولهم، وحب واهتمام وتشجيع لنفوسهم، واستعلانات إلهية وأعمال فائقة إعجازية لأرواحهم، وطهارة ونقاوة واستقامة لكل كيانهم، روحًا ونفسًا وجسدًا وفكرًا وقلبًا.
وإن كان الجذر وهو الأصل يغذي الشجرة كلها بأغصانها وهو غير منظور لأنه في باطن الأرض، فهكذا عمل المسيح مستتر لأنه عمل روحي غير منظور، لكنه يُنظر ويُلمس في حياة المؤمنين به عملًا وقولًا وشعورًا.
وإن كانت ساق الكَرْمَة منبتة للأغصان وحاملة لها، فالمسيح يحملنا في قلبه لأنه يعرف خرافه بأسمائِها (يو10: 3) ويَحملنا على مَنْكِبَيْهِ فَرِحًا (لو15: 5). عندما يفتقدنا في ضلالنا، ويَحملنا على ذراعيه ويدللنا عندما يعطينا نعمًا ونحن مُقصِّرُون في حقِّهِ، وعندما يصبر علينا في ضعفاتنا وسقطاتنا ونحن نستحق العقاب، وعندما يُقدِّم لنا معونته ونحن بعيدون عنه بقلوبنا، وعندما يعطينا بزيادة أكثر مما نفهم أو نطلب.
إن كان المسيح هو الكَرْمَة فالله الآب هو الكَرَّام باعتباره صاحب الكَرْمَة التي غرسها ويَتعهدها ويرعاها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وقد أنشأها في الظاهر بدءًا من دعوته لأبينا إبراهيم أب الإيمان وتعهدها بالأنبياء والرُّسُل. لذلك فهو يحرسها من الخارج فيحوط عليها بسياج يحميها من هياج الشياطين، وكَرَبٍّ لها وضع خوفه وهيبته في الأمم والشعوب المقاومة لها، كما يرعاها من الداخل بالسهر على تنقيتها. فالبعض الذي لا يأتي بثمر يَنْزِعه وذلك حرصًا على سلامة بقية الأغصان. لأن المؤمن الذي لا يثمر عملًا صالحًا وتوبة وفضيلة يُستحسن قطعه من شركة الكنيسة لئلاَّ تنتقل عدواه لبقية المؤمنين بعصيانه أو استهتاره أو لا مُبالاته، والقطع بطبيعة الحال لا يكون إلاَّ بعد استنفاد الإنذارات من أجل توبته.
في حين أن الذي يثمر أعمالًا صالحة فإنه يُنقِّيه من الميول والأفكار والعواطف الخاطئة ليأتي بثمرٍ أكثر وذلك من خلال تمحيصه بالتجارب والامتحانات التي يسمح له بها.
هذه مسئولية الآب عن الكَرْمَة كما وضَّحها المسيح له المجد في قوله "أنا الكَرْمَة الحقيقيَّةُ وأبي الكَرَّامُ. كُلُّ غُصنٍ فيَّ لا يأتي بثَمَرٍ يَنْزَعُهُ، وكُلُّ ما يأتي بثَمَرٍ يُنقِّيهِ ليأتي بثَمَرٍ أكْثَرَ" (يو15: 2،1).
إذا كان المسيح هو الكَرْمَة ونحن الأغصان، والأغصان الطبيعية تستمد غذاءها تلقائيًا من الكَرْمَة فتثمر ثمرًا صالحًا، إلاَّ أننا نختلف نحن عنها بتمتُّعنا بحُرِّيَّة التمسُّك بينبوع الحياة الرب يسوع المسيح كمصدر لغذاء أرواحنا من عدمه. فنحن أمامنا أن نهمله وننساه ونجري وراء مصادر العالم التي لا تُشبع ولا تُروي وتفنى حياتنا بالباطل. فينطبق علينا قول الرب لإرميا النبي "تركوني أنا ينبوع المياه الحيَّةِ، لينقروا لأنفُسِهِمْ آبارًا، آبارًا مُشقَّقَةً لا تَضْبُطُ ماءً" (إر2: 13). أو أن نقتفي أثر ينبوع الحياة المسيح كلمة الله ونسرع إلى الكنيسة بيته "عمود الحقّ وقاعدته" (1تي3: 15) ونرضع من ثدييها أي عهديها القديم والجديد. فننهل من أعذب نبع لأنها "نَهرٌ سواقيهِ تُفَرِّحُ مدينةَ الله، مَقْدَسَ مساكِنِ العَليِّ" (مز46: 4). بل تتنوع مصادر هذا النهر الذي تصب مياهه داخل كياننا لكي ترويه وتُغذِّيه بعمل الروح القدس. وعلى رأس هذه المصادر كلمة الله التي هي سر الحياة والخلود، ثم تفاسير الآباء لكلمة الله التي كشفت لنا غوامض حكمتها ومستوراتها، ثم أقوالهم التي هي معايشة عملية لكلمة الله، ثم سِيَرُهم التي تحكي معاناتهم لهذه المُعايشة، ثم عطايا الأبوة الإلهية لتدعيم اختيارنا وتخصيصنا لسُكْنَى السماء والتَّمتُّع بخيراتها وذلك من خلال الأسرار التي تفيض نِعَمًا إلهية غير منظورة تحت صورة ممارسات ومواد منظورة.
هذا هو اتساع غنى عصارة الكرمة الكنيسة المقدسة التي يغتذي بها أغصانها أبناؤها.
مُجمل هذا الفصل أن الكنيسة الكَرْمَة هي الأُمة اليهودية التي غرسها الله بين الأُمم، وتعهَّدها بكل عوامل النمو والإثمار الجيد ولكنها قدَّمت ثمرًا رديئًا. فأرسل لهم ابنه من سمائه وتجسَّد منهم وبينهم فلم يستجيبوا له فنزع عهده عنهم، واختارنا نحن أبناء العهد الجديد من بين الأُمَم كَرْمَة جديدة لها قوة الإثمار باتحاده بها وعمل نعمته وفعالية روحه القدوس فيها.
لذلك فهى تحمل كل الثمار الحلوة والنِّعَمْ الجزيلة للكَرْمَةِ الصَّالِحَةِ. أمَّا حلاوة ثمارها وجزالة نعمها فلم تصر لها إلاَّ من شبعها وارتوائها من نبع الكَرْمَة الحقيقية ربها وإلهها يسوع المسيح الذي يُغذِّي كل فرد فيها بالنعمة والحقّ والسلام والطمأنينة كما تغذِّي الكرمة أغصانها. أمَّا عمل الآب مع الكَرْمَة فهو السَّهر عليها ورعايتها بنَزْعِهِ الأغصان غير المثمرة وتنقيته الأغصان المثمرة لكي يزيد ثمرها.
يا ربي يسوع المسيح ارويني من مياه نعمتك التي هي كلامك، واعمل بروحك القدوس فيَّ لكي أثمر ثمرًا حلوًا الذي هو فضائل التقوى المسيحية، لكي كل مَن يتلامس معها يذوق حلاوة بر المسيح فيَّ، فيعترف بك ربًّا لمجد الله الآب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/church-heaven/vineyard.html
تقصير الرابط:
tak.la/7nzz462