كثيرون لا يعرفون كيف يعترفون أو ما هو الاعتراف الصحيح لينالوا المغفرة عن خطاياهم. ولهؤلاء نقول يجب على من يريد اعترافًا مثمرًا في حياته ويقوده إلى التوبة:
1 ـ الاختلاء أولًا مع الله: يجلس الإنسان مع نفسه ثم يكشف داخله أمام الله، ويستعرض جميع خطاياه الصغيرة والكبيرة والتي فعلها عن جهل أو عن معرفة والتي فعلها بإرادته أو بغير إرادته ويعترف بقلبه ولسانه أنه أخطأ طالبًا الصفح ومعلنًا ندمه وتوبته أي عدم رجوعه للخطية وبُعده عن أسباب الخطية، ويرتب لنفسه موعدًا للذهاب إلى أب اعترافه.
2 ـ يحدد مطالبه من أب الاعتراف: يحضر إلى الكنيسة وما اعترف به أمام الله يعترف به أمام أب اعترافه طالبًا: أ ـ أن يحله من رباطات خطاياه. ب ـ أن يعطيه قانونًا على الخطايا الكبيرة المميتة التي جرحت قلب الله من جهته. حـ ـ أن يعطيه علاجًا لخطية محددة يعاني منها ويريد الخلاص من عبوديتها.
3 ـ الوقت المضمون للاعتراف: هو أ ـ بعد رفع بخور عشية أو قبله. ب ـ بعد اجتماع الشبان والموظفين أو الشابات والسيدات أو قبلهما. حـ ـ أثناء القداس الإلهي في حالة وجود أكثر من كاهن ولكن بشرط الاكتفاء بذكر الخطايا فقط لطلب الحل، وألا يكون أثناء العظة ليتمكن المعترف من الاستفادة منها وكذلك لعدم التشويش على صوت الواعظ.
4 ـ التركيز على الخطايا: يجب أن يركز المعترف في كلامه على خطاياه ولا يسترسل في تفاصيل جانبية يضيع بها وقته ووقت الكاهن أو يأخذ بها وقت بقية المعترفين، وحتى لا يشتت تركيز الكاهن على الإرشاد المطلوب له.
5 ـ الإيمان بأن رحمة الله أقوى من خطايانا: جيد أن يحس الإنسان ببشاعة خطاياه ولكن لا يصح أن يستكثرها على رحمة الله وقدرته على المغفرة. ومَنْ يتساءل "هل يمكن أن يغفر الله لي هذه الخطية العظيمة" فنجيبه "إن قطرة واحدة من دم المسيح كفيلة لغفران خطاياك وخطايا ملايين البشر معك". وإن كان البعض يعود بعد زمن ويذكر خطاياه من جديد معتبرًا أنها لم تُغفر له، فلهذا البعض نقول لتكن عنده الثقة في مواعيد الله بالمغفرة طالما اعترف بخطيته بضمير خالص، وذلك حسب وعده "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادلٌ، حتى يَغْفر لنا خطايانا ويُطهِّرنا من كل إثم" (1يو 9:1).
6 ـ استبعاد الخجل المعطل: لا يصح أن يمتنع الإنسان عن الاعتراف بسبب الخجل سواء من طبيعة الخطية أو من شخص الكاهن. فمن حيث الخطية يحتاج الأمر إلى الاتضاع لكي نعترف أننا ارتكبنا الخطية الفلانية، لأنه لا يوجد كبير على الخطية. ومن جهة الكاهن فإن كان خجلنا منه لأن الخطية نقص يشوه كمالنا وجمال صورتنا أمامه فإنه خجل نافع يدفعنا أكثر إلى التوبة. في نفس الوقت نذكر أن الكاهن ذاته إنسان واقع تحت الآلام مثلنا.
7 ـ المثابرة: إن تكرار الخطية لا يمنع من الاستمرار في الاعتراف بها لأن المثابرة على الاعتراف بندامة وطلب معونة الله تقود حتمًا إلى التوبة، وإن كان الأمر يحتاج إلى جهاد ومقاومة للخطية من أجل بلوغ التوبة. وكل اعتراف لا تصاحبه نية التوبة لا يفيد في مغفرة الخطية. وليتذكر صاحبه قول الكتاب: "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تَهلكون" (لو13: 3).
8 ـ خطايا لا تسري عليها المغفرة: هناك بعض الخطايا مجرد الاعتراف بها ليس كافيًا لمغفرتها وذلك مثل الاستيلاء على حق الآخرين والاحتفاظ به فهذا يجب رده إلى أصحابه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ومثل العلاقات العاطفية الدنسة فهذه يجب قطع الصلة كلية مع الطرف الذي يتم معه الخطأ. ومثل الخصام والعداوة يجب التخلص منهما بالمصالحة وإعادة السلام. وطالما ظلت هذه الخطايا قائمة فيحسن عدم التقدم للتناول.
9 ـ الرهبة واستبعاد الدالة: يجب أن يتمم الإنسان اعترافه بكل رهبة ومخافة وكأنه أمام الله غير المنظور في شخص الكاهن المنظور، ويستبعد أي دالة بينه وبين أب اعترافه أثناء الاعتراف حتى لو كان من طبع أب الاعتراف تبسيط الأمور بابتسامة أو كلمة مرحة من أجل تخفيف حدة توتر المعترف أو حدة شعوره بالذنب.
10 ـ أب اعتراف واحد: يجب أن يلتزم الإنسان بأب اعتراف واحد، والقوانين الكنسية تمنع أن يتنقل المعترف من كاهن لآخر إلا إذا غيَّر الإنسان مكان إقامته أو أن الكاهن انتقل من مكان خدمته أو توفى أو لسبب شرعي آخر.
ومن الأساليب الخاطئة التي يجب الإقلاع عنها تنقل المعترف من كاهن إلى كاهن ثان وثالث ورابع... على سبيل السمر والتسلية أو لهواية نقل أخبار وتصرفات كاهن لآخر متبوعًا بالنقد والذم والتشريح، أو يكون التنقل لمقولة عدم الاستفادة من أب الاعتراف في الوقت الذي لا ينفذ فيه المعترف النصائح والتداريب الروحية والقوانين التي تعطي له، تمامًا مثل المريض الذي يشكو من عدم كفاءة طبيبه المعالج وهو لا ينفذ شيئًا من روشتة علاجه. أو أن يكون التنقل لسبب أن المعترف نفسه لا يقبل أن يُظهر له الكاهن خطأه في تصرفاته أو معاملاته مع الآخرين أو فيما يثيره من مشاكل وعثرات في الخدمة. وهذه مصيبة كبيرة عند هذا النوع من المعترفين وجميعهم يهلكون.
11 ـ مرشدون كثيرون: إن كان الإنسان يخص باعترافه أبوة روحية واحدة إلا أنه يمكن أن يتعلم ويطلب الإرشاد من كثيرين كما يقول معلمنا بولس: "إن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح، لكن ليس آباء كثيرون" (1كو4: 15). لذلك وإن كان أب الاعتراف هو الأقدر على إرشاد الإنسان لأنه يعرف ظروفه جيدًا إلا أنه يمكن للإنسان أن يسترشد بآخرين على أن يذكر لهم مشورة أب اعترافه لكي يستنيروا بها في توجيهه. وطلب الإرشاد بابه مفتوح على مصادر كثيرة منها الوالدان والخدام المعلمون والكتابات الآبائية وما شابهها من الكتب الروحية والعظات المسموعة في القداسات والعشيات والاجتماعات الروحية.
12 ـ اختيار أب الاعتراف: للمعترف حق اختيار أب اعترافه لأنه كما يختلف الناس في طباعهم واستعداداتهم الروحية هكذا آباء الاعتراف يختلفون أيضًا عن بعضهم البعض في معاملتهم للمعترفين. فيوجد الكاهن الشديد والآخر اللين، أو كثير النصح والآخر قليل الكلام، أو من يوبخ وينتهر والآخر يعطي عذرًا وتبريرًا، أو من يعطي قوانين وعقوبات كنسية وآخر لا يثقل على المعترف، أو من هو كثير السؤال والاستفسار عن ظروف الخطية وملابساتها وآخر لا يهتم بالتفاصيل منعًا من مضايقة المعترف أو إخجاله. وأمام المعترف مجال متسع ليختار ما يناسبه من نموذج الكاهن الذي يستريح إليه ويتماشى مع قامته الروحية خصوصًا أن معظم الكنائس بها أكثر من كاهن كما أن كل منطقة بها عدد وافر من الكهنة. لذلك لا عذر لمن يهمل الاعتراف بحجة عدم ارتياحه لأب اعترافه.
13 ـ الخضوع للتأديبات الكنسية: التأديبات الكنسية التي تفرض على الخاطئ التائب هي علاج روحي له سواء لتأديبه أو تقويمه وإصلاحه والنهاية خلاص نفسه. والقوانين المشهورة للتأديب هي الصوم الانقطاعي، الميطانيات، التصدُّق على الفقراء، نسخ أجزاء من الكتاب المقدس، المنع من التناول، الفرز من الكنيسة. وهى تفرض حسب نوع الخطأ وظروف الخاطئ أيضًا، ويجب الخضوع لها.
14 ـ المدة بين اعتراف وآخر: من جهة المدة الزمنية بين اعتراف وآخر يمكن أن تكون شهرًا، وهذا لا يمنع من اللجوء إلى أب الاعتراف في أي وقت عند الحاجة.
15 ـ مراعاة المعترف لبقية المعترفين: بعض المواظبين على الاعتراف يضيقون أحيانًا بتأخير دورهم في الاعتراف عن آخرين وهم لا يعرفون أن هؤلاء الآخرين قد يكونون مرضى أو من أماكن بعيدة أو مرتبطين بمواعيد أو بأعمال أو بسفر أو بامتحانات أو أنهم متخلفون عن الاعتراف لمدة طويلة. لذلك فالأحرى بهؤلاء المتضايقين أن يفرحوا أكثر بالاهتمام بمثل أولئك.
16 ـ عدم التصنت على اعترافات الآخرين: لا يصح أن يعطي الإنسان أذنه لسماع اعترافات شخص آخر سواء كان بدافع الرغبة في معرفة خطايا الآخرين أو بحجة أن يعرف كيف يعترف أو ما هي الخطايا التي يجب أن يعترف بها. فليس من مصلحة الإنسان معرفة خطايا الآخرين حتى لا يحارب بها وحتى لا يقع في إدانتهم.
17 ـ الفرح بالمغفرة لا ينفي الحذر من السقوط: إن أكثر ما يُفرح الإنسان من سر الاعتراف هو نواله العفو الإلهي عن خطاياه وآثامه. ولكن لكي يحتفظ الإنسان بهذا الفرح ينبغي عليه الحذر من الغفلة التي كثيرًا ما تكون السبب في السقوط في أشنع الخطايا، وأن يكون يقظًا لتربص الشيطان به ناصبًا له شباك الخطية لاصطياده فيها، وليتذكر قول الأنبا صموئيل المعترف: "تحفظوا من التغافل لأن الغفلة أم الأوجاع".
18 ـ خصوصية الإرشاد تمنع من وصفه للآخرين: لا يجوز للمعترف أن يقدم للآخرين على سبيل النصيحة ما أعطى له من قوانين أو حل عن أمر معين أو توجيهات خاصة لحياته الروحية. لأن ظروف كل معترف الروحية والصحية والأسرية وغيرها تختلف من شخص لآخر. والكاهن يقدم لكل معترف ما يناسب ظروفه وإمكانياته. وما يجيزه لشخص لا يجيزه لآخر راعيًا المصلحة الروحية قبل كل شيء لمعترفه.
19 ـ غباوة التصريح بالخطية لآخرين وكتمها عن أب الاعتراف: البعض يحكون كل خطاياهم وخصوصًا الكبيرة منها بتفاصيلها لمن تربطهم بهم صداقة وفي نفس الوقت يكتمونها عن أب اعترافهم، فهذا تصرف غير حكيم وينجم عنه أضرار كبيرة منها:
ـ إعثار الصديق بتجسيم الخطية أمامه وأحيانًا بمبالغة بما يثير فيه ميول الخطية وقد يقوده إليها. وهذا يجلب الويل من الله على المتسبب في العثرة.
ـ هذا الصديق قد يحدث معه خصام أو سوء تفاهم يومًا ما فيكون سر هذه الخطية سلاحًا في يده، أو قد يحكي مغامرات هذه الخطية على سبيل التسلية لأصدقاء آخرين. وفي كلتا الحالتين يفضح الإنسان نفسه بتصرفه الجاهل.
ـ إن اكتفاء المعترف بذكر خطاياه السطحية الوقتية لأب اعترافه وإخفاءه خطاياه الكبيرة عنه يحمل له شبح الموت الأبدي.
20 ـ الانحراف عن الاعتراف: يأتي البعض لكي يعترفوا ليس بخطاياهم بل بخطايا الآخرين إن كان أزواجهم أو زوجاتهم أو أحد أفراد الأسرة أو يحكون مشكلة ما أو يقولون فقط: "أنا أريد أن أعترف" وكلهم ليس منهم مَنْ يذكر خطية واحدة له. ثم يطلبون الحل وهم لا يدرون أنهم لم يعترفوا بشيء وأنهم لا يعرفون شيئًا عن معنى الاعتراف وأن خطاياهم لا تزال باقية.
21 ـ الضمير أولًا وبعد ذلك طلب الحل: لا يصح للمعترف أن يحاول من أجل إماتة ضميره أخذ حل من الكاهن في أمر هو غير راضٍ عنه. إذ يجب أن يخضع المعترف لصوت الضمير الذي هو صوت الله الكائن في وصاياه أكثر من تحليل الكاهن الذي يعطيه له خصوصًا عندما يكون الكاهن عاجزًا عن الإلمام بأبعاد الموضوع أو خلفياته أو ليس له خبرة فيه كالميراث والمعاملات التجارية وغيرهما.
22 ـ استخدام ورقة مكتوبة في الاعتراف: البعض يستخدمون ورقة مكتوبة عندما يعترفون بخطاياهم لربما لارتباكهم أو لهروب خطاياهم من ذاكرتهم عندما يبدأون كلامهم مع أب الاعتراف، أو لأنهم يخشون نسيان إحدى الخطايا نسيانًا طبيعيًا أو نتيجة السرعة في الاعتراف نظرًا لكثرة المعترفين، أو لخجلهم أحيانًا من التعبير عن خطية بلسانهم. وهذه كلها أسباب واقعية ولكن يجب أن تكون وقتية ولأجَل محدود. لأنه يحسن أن يكون الاعتراف بالفم حسب قول الكتاب: "إن اعترفت بفمك" (رو10: 9). وأن يكون الاعتراف ببساطة وبدون تعقيد ويكون بخطايا واضحٌ أمام الإنسان أنه ارتكبها فعلًا، لأنه مهما كتب الإنسان من المستحيل أن يحصر جميع خطاياه. ثم إن الله يعلم كل شيء وفي نفس الوقت ليس واقفًا بالمرصاد لكل هفواتنا وسهواتنا كما يقول المزمور: "إن كنت للآثام راصدًا يا رب. يا رب من يثبت" (مز130: 3). أما غير المفيد روحيًا هو حضور المعترف في كل مرة يعترف فيها بورقة فولسكاب أو بشريط طويل يحوي جميع أنواع وأصناف الخطايا.
23 ـ تغيير أب الاعتراف خير من البقاء بلا اعتراف: قد ينقطع الإنسان عن أب اعترافه لأنه وبخه مرة أو أهمله أو نسى مجاملته في فرح أو في حزن وهذه تحتاج لعتاب هادئ مع أب الاعتراف والعودة إليه. وقد يكون الانقطاع بسبب سقوط الإنسان في خطية ما يخجل من ذكرها لأب اعترافه. وفي هذه الحالة يجب أن يمتلك الإنسان الشجاعة للإفصاح عنها لأن كشف ضعفه أمام أب اعترافه هو كسر لكبريائه والأصلح له روحيًا لأنه يقوده إلى التوبة. أما إذا عجز الإنسان عن تنفيذ ذلك وتلك فليسرع إلى أي كاهن آخر يعترف له لكي يستريح ضميره وينال سلامه مع الله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/church-connection/sacrament-confession.html
تقصير الرابط:
tak.la/t3fpf59