لكي ينجح العمل الفردي فلابد من ان:
يحكي أن فتاة قد تجاوزت الثلاثين كانت جالسة في السوق تبيع عطورًا وكانت تنادي: "عطور بها تجتذبين عريسًا".. وكلما اقتربت منها فتاة لتشتري كانت تلاحظ عدم وجود خاتم الزواج بأصبع البائعة فتقول في نفسها:
"لو أن البائعة صادقة فلماذا لم تنجح بعطورها أن تقتني لها زوجا؟!" فتنصرف وكذلك فعلت كل الفتيات.
فكيف تكلم الآخرين عمن لم تعرفه وعن أمور لم تختبرها في حياتك؟
عندما أراد داود النبي أن يكلمنا عن الرب لم يكلمنا عن شخص قرأ أو سمع عنه بل قال:
"ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب طوبى للرجل المتوكل عليه" (مز 34: 8).
فهو قد اختبر الحياة مع الرب وتذوق حلاوة العشرة معه فقال "ذوقوا".
وعندما كلمنا القديس يوحنا الرسول عن شخص المسيح قال لنا:
"الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة" (1يو 1: 1).
فأحسسنا بصدق ما يقوله القديس يوحنا الرسول عن الرب يسوع.
ومن خبرتنا وعشرتنا مع الله ينطلق عملنا الفردي مع الناس وهذا ما يؤكده معلمنا داود النبي بقوله:
"أمنت لذلك تكلمت..." (مز 116: 10).
ومن هذه النقطة انطلقت كرازة أبائنا الرسل الأطهار من خبرتنا وعشرتنا مع الرب يسوع.
فقبل أن تبدأ في العمل الفردي مع شخص آخر اسأل نفسك:
عمن سأكلمه؟
هل عن المسيح الذي قرأت وسمعت عنه؟
أم عن المسيح الذي سمعته ورأيته في حياتي والذي تلامسنا معه؟
كن مثل أيوب الذي قال للرب:
"بسمع الإذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني" (أي 42: 5).
هل تحب الناس؟
كل الناس؟ الطيب فيهم والشرير؟
هل تخشى على الناس من الضياع وفقدان الأبدية؟
هذا هو المنطلق الثاني الذي ستنطلق منه إلى العمل الفردي الناجح.
كثيرا ما وقفت حائرا أمام حوار الرب مع قايين:
"فقال الرب لقايين أين هابيل أخوك؟
فقال لا اعلم أحارس أنا لأخي" (تك 4: 9).
وأقول لنفسي: حقًا أكان يجب على قايين أن يحرس أخاه هابيل؟
وارجع وأقول: لو انه أحب أخاه لحرسه ولكنه ما حرسه وإنما قتله.
فمن يحب أخاه يسعى لخلاصه ولحياته الأبدية.
هذا الحب الجارف للأخوة هو ما دفع معلمنا القديس بولس الرسول للقول:
"فاني كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل أخوتي أنسبائي حسب الجسد" (رو 9: 3).
أنه مهتم بخلاصهم وبحياتهم الأبدية حتى ولو على حساب نفسه.
وحول نفس المعنى يقول معلمنا القديس يعقوب الرسول:
"ما المنفعة يا أخوتي أن قال أحد أن له إيمانًا ولكن ليس له أعمال هل يقدر الإيمان أن يخلصه.
إن كان أخ وأخت عريانين ومعتازين للقوت اليومي.
فقال لهما أحدكم امضيا بسلام استدفئا واشبعا ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد فما المنفعة" (يع14: 2-16).
إن الحب العملي للأخوة يعد دليلا للإيمان ويدفعنا للاهتمام بحاجاتهم الجسدية فكم بالأولى الحاجات الروحية.
والجميل والهام هو أن حبنا للآخرين يجعل الآخرون يبدلوننا الحب بالحب ووقتها يستمعون لنا ويستجيبون لمقترحاتنا التي نقترحها عليهم خلال العمل الفردي.
وللتأكيد على ما نقول دعونا نسأل:
لماذا ألتف الناس حول شخص سيدنا المسيح له المجد؟
حتى أن الإنجيل المقدس يقول:
"ثم دخل كفرناحوم أيضًا بعد أيام فسُمِعَ انه في بيت.وللوقت اجتمع كثيرون حتى لم يعد يسع ولا ما حول الباب فكان يخاطبهم بالكلمة" (مر1: 2و2).
لقد أحبهم الرب يسوع واشبع كل احتياجاتهم فأحبوه وتبعوه أينما ذهب وأطاعوه واستطاع أن يؤثر فيهم لمحبته ولشفقته عليهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
وقبل أن تبدأ في العمل الفردي اسأل نفسك:
هل أحب الناس كيفما كانوا؟ هل أنا مهتم بحياتهم الأبدية؟
هل يحبني الناس؟
في العمل الفردي اسمع للناس غير انه لا بُد أني سأكلم الناس أيضًا فماذا سأقول للناس؟
هل سأكلمهم بكلامي أم بكلام الله؟
هل ستعالجهم أفكاري أم فكر الله؟
إذن كيف سأكلمهم بكلمة الله وأنا لست اعرفها؟
لابد لي من دراسة كلمة الله.
"لان الرب يعطي حكمة، من فمه المعرفة والفهم" (ام 2: 6).
ولكن لماذا كلمة الله؟
+ لأن كلمة الله قوية ومؤثرة:
"لان كلمة الله حية وفعالة وامضي من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته" (عب 4: 12).
+ لأن كلمة الله مبَّكته:
"فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة" ( أع37: 2)؟
+ لأن كلمة الله ترشد:
" وفيما هو خارج إلى الطريق ركض واحد وجثا له وسأله أيها المعلم الصالح ماذا اعمل لأرث الحياة الأبدية" (مر 10: 17).
أما يكفينا أن نقرأ الكتاب المقدس كل يوم؟
لا يكفي لأن هناك فرق بين أن تقرأ وأن تدرس وتفحص الكتاب المقدس.
لا تبدأ العمل الفردي وأنت تجهل الكتاب المقدس، لا تبدأ العمل الفردي قبل أن تكون مثل أبلوس الإسكندري.
من هو أبلوس الإسكندري هذا؟
هو من قال عنه سفر الأعمال:
"ثم اقبل إلى أفسس يهودي اسمه أبلوس إسكندري الجنس رجل فصيح مقتدر في الكتب" (أع 18: 24).
وكلمة "مقتدر في الكتب" تعني أن له دراية كبيرة بالكتب، كان عالما ومتكلما وفصيحا.
قلنا أن عشرتنا مع الله هي نقطة الانطلاق الأولى للعمل الفردي ثم حددنا محبتنا للناس ومحبة الناس لنا هي نقطة الانطلاق الثانية.
ثم رأينا أننا لكي نؤثر في الناس فلا بُد من أن نكلمهم بكلمة الله وبناء عليه فلابد لنا من دراسة عميقة للكتاب المقدس.
نأتي الآن إلى الصلاة كوسيلة لإرشادنا.
لأننا نخطئ لو اعتقدنا أن العمل الفردي هو أن نجلس مع الآخرين لنكلمهم عن الله لأن العمل الفردي يبدأ بأن نجلس نحن أولًا مع الله قبلما نجلس مع الناس.
ولست أجد أفضل من قصة لقاء فيلبس مع الخصي الحبشي لشرح أهمية الصلاة في العمل الفردي.
تبدأ القصة بالآية:
"ثم أن ملاك الرب كلم فيلبس قائلا قم واذهب نحو الجنوب..." (اع26: 8).
أي انه من خلال إرشاد الله لنا نتوجه، ثم يقول سفر الأعمال:
"فقام وذهب وإذا رجل حبشي خصي وزير لكنداكة ملكة الحبشة..." (اع27: 8).
ومن خلال إرشاد الملاك له قابل الخصي الحبشي، ثم يقول السفر:
"فقال الروح لفيلبس تقدم ورافق هذه المركبة" (اع29: 8).
نلاحظ هنا أن الملاك ارشد فيلبس للطريق التي يسلكها لكي يقابل الخصي الحبشي ثم أرشده الروح للشخص المستهدف للعمل الفردي، والروح هو من ارشد فيلبس ليجيب على أسئلة الخصي.
"ففتح فيلبس فاه وابتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع" (اع35: 8).
أين نتوجه؟ ومع من نتكلم؟ ومن هو الشخص المعني بالعمل الفردي؟ وماذا نقول؟ وبماذا نجيب على أسئلته؟
إنها الصلاة التي بها نعرف الطريق والشخص الذي نكلمه وبماذا نكلمه، أنها وسيلتنا لنجاح العمل الفردي.
من خلال ممارستنا للعمل الفردي سنختبر الفشل والنجاح، والفشل يدفعنا لأن نبحث في أنفسنا وفي طريقتنا عن أسبابه، وأما النجاح فخطورته تكمن في أننا قد نرجع سببه لأنفسنا ولذكائنا ولعلمنا ولأسلوبنا الجذاب فنقع فريسة للكبرياء والعظمة.
يقول القديسون:
"إن قبول المجد والمدح أصعب واخطر على الإنسان من قبول الإهانة والتعيير".
ولهذا فأنا أجرؤ على القول بأن احتمال النجاح لهو أصعب من احتمال الفشل.
عندما شفى القديسان بطرس ويوحنا الرسولان المُقْعَد من بطن أمه الذي كان يستعطى عند باب الجميل في الهيكل، نظر الشعب للرسولين نظرة تقدير وإجلال لأنهما عملا معجزة، فما كان من معلمنا القديس بطرس الرسول إلا انه رفض سرقة مجد المسيح فقال للجموع:
"... ما بالكم تتعجبون من هذا ولماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي" (اع 3: 12).
نجاح العمل الفردي مرجعه الأساسي عمل الروح القدس في الإنسان، وليس لقوتنا أو لتقوانا ولا لعلمنا أو ذكائنا.
إذا نجحت في عملك الفردي فلا يستبد بك الكبرياء ولا تأخذك العظمة بل قل لنفسك دائما:
"إذا ليس الغارس شيئا ولا الساقي بل الله الذي ينمي" (1كو 3: 7).
"أخدم الرب بكل تواضع" (أع 19: 20).
سأل جراح كبير تلاميذه الأطباء:
من هو أهم شخص في العملية الجراحية؟
واختلفت إجابات الأطباء وطلبة الطب فالبعض قالوا الجراح والبعض قال طاقم التمريض والآخر قال مساعد الجراح، وأجمع آخرون على أن طبيب التخدير هو أهم شخص في العملية، وهناك من أكد أن الطبيب المتابع هو محور نجاح العملية.
ولكن الجراح الكبير أجاب: كلا، بل المريض نفسه هو الشخصية المحورية في العملية الجراحية فلأجله تتم العملية.
الإنسان هو الهدف ولأجله تجسد الله وصُلِبَ وقام من الأموات.
وليس الإنسان فقط هو الهدف بل والإنسان الخاطئ، ولهذا حدد سيدنا المسيح له المجد هدف التجسد في قوله:
"لان ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو 19: 10).
ما أكثر الأوقات التي أنسى فيها هدف الله وأسعى وراء أهداف أخرى من صنعي ومن ابتكاري، فأهدف للكسب أو للشهرة أو للمباني والتشييد أو حتى للأنشطة، وأنسى الإنسان الذي لأجله عمل الله كل ما عمل.
1- تبدأ بنفسك.
2- تحب الناس.
3- تدرس كلمة الله.
4- تطلب الإرشاد في الصلاة.
5- تؤمن بأن الله هو من يعمل لا أنت.
6- تتذكر دائمًا أن الإنسان هو الهدف.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-raphael-nasr/not-alone/succeed.html
تقصير الرابط:
tak.la/ryrqgh6