لاحظ الفيلسوف كلسوس أن المسيحيين يُضطهدون في كل العالم، فكان يلعنهم ويشتم مسيحهم بوصفه أنه شيطان ينتقم من أتباعه، بالرغم من عدم اعتراف كلسوس بوجود الشياطين أصلًا. وهكذا فإن كلسوس نادى بأن كل المسيحيين يُعاقبون وإلههم لا يدافع عنهم. فكان رد أوريجانوس بأنه ليس هناك ما يُسمى بالعقاب لكل أجيال المسيحيين، بل إن الفلاسفة اليونانيين وكهنة الأصنام هم من نادوا بأن عقاب الآلهة يمتد إلى أجيال كثيرة. ولكن المسيحيين لا يؤمنون بهذا، بل طرح له بعض الآياتٍ التي تثبت أن كل إنسان مسئول عن نفسه، الابن لا يُعاقب بسبب خطية أبيه، وكذلك الأب لا يُعاقب بسبب خطية ابنه. ولكن بخصوص الآية محل البحث، فيلمح العلامة أوريجانوس أن لها تفسير غير حرفي، ولكنه لم يذكره في نفس الكتاب، ولكنه ذكره في تفسيره لسفر الخروج. وفي شرحه للآية محل البحث، نجد أن أوريجانوس قد غرّد بعيدًا عن السرب ورفع المفهوم إلى مستوى سامي من الروحيات. فهو يرى أن هذه الآية لا تخاطب الإنسان الخارجي كقانون يُنفَذ، بل هي تخاطب الإنسان الداخلي كقانون روحي للحياة.
فالعلامة أوريجانوس يرى في هذه الآية مفهومًا رفيعًا عن طول أناة الله وصبره وتأديبه لأولاده. فالجيل الأول الذي اخترع الخطية هو الشيطان، ولقد أرجأ الله محاكمته النهائية لليوم الأخير. وأما أبناء الشيطان، الذين يصنعون الإثم، فإنهم يُشركون دائمًا معهم أناس آخرون في الخطية فيُولَدون للشيطان، وهكذا فهناك أجيال تُوْلَد بالخطية للشيطان. ولكن الله من رحمته بأولاده، فإنه يؤدب أولئك الذين يخطئون لكيلا يتركهم لدينونة اليوم الأخير مع الشيطان، وإلا سيذهبون للنار الأبدية المٌعدة لإبليس وجنوده. فافتقاد الله لذنوب الآباء (الشياطين) في الأبناء (الخطاة) هو دليل على رحمة الله بامتياز.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ترجمة نص العلامة أوريجانوس ضد كلسوس
{ولكن دعنا نرى، فعلى صعيدٍ آخر، ما الجواب الذي أُعطاه كاهن الإله أبوللو في هذا الأمر، والذي يتكلم عنه كلسوس. إن الجواب هكذا: "إن مطاحن الآلهة تطحن ببطء"[14]. وآخر يُوصف العقاب بأنه يصل "إلى أبناء الأبناء ومن يأتي بعدهم". فكم تكون كلمات الكتاب (المقدس) أفضل: "لا يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلاَدِ، وَلاَ يُقْتَلُ الأَوْلاَدُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ."[15] وأيضًا: "بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ الْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ."[16] وأيضًا: "اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ."[17] وإن قال أحد: [إن جملة "إلى أبناء الأبناء ومن يأتي بعدهم" (التي قالها أحد الفلاسفة) تتوافق مع تلك القطعة: "أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ"[18]]، فدعه يتعلم من حزقيال أن هذه اللغة لا تؤخَذ بشكل حرفي، لأنه يوبخ القائلين: "الآبَاءُ أَكَلُوا الْحِصْرِمَ وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ؟[19] وأيضًا يُضيف: " حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ... اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ."[20]} [21]
ترجمة تفسير العلامة أوريجانوس لسفر الخروج
{"لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ". هوذا لطف الله وهو يتظاهر بضعف المزاج البشري حتى يُعلّمنا ويجعلنا كاملين. لأنه مَن لا يُصدَم فورًا -عندما يسمع عبارة "إله غيور" – ويُفكر في خلل الضعف البشري؟ ولكن الله يفعل ويسمح بكل الأمور من أجلنا. فإن الأمر هكذا حتى يمكن أن نتعلم أنه يُخاطب الميول المعروفة والمعتادة لنا. لنرى إذًا ما تعبي عبارة: "أنا إله غيور".
وهذه الأمور الإلهية يمكن تأملها بأكثر سهولة، إذا وضّحنا بأمثلة بشرية كما فعلنا سابقًا. فالمرأة إما أن تكون تحت (رعاية) زوج وقوانينه، أو أن تكون زانية وتستخدم حريتها في الخطية[22]. لذلك فإن من يزور الزانية يعرف أنه يزور امرأة تبيع الهوى ومُتاحة لكل من يريد. وهكذا لا يقدر أن يغضب لو رأى محبين آخرين معها. ولكن ذلك الذي يسلك في الزواج الشرعي لا يسمح لزوجته أن تستخدم قدرتها للزنى، ولكنه يشتعل بالغيرة ليحافظ على نقاوة زيجته والتي ستجعله أبًا شرعي.
بهذا المثال إذا، لنفهم أن كل نفس قد زنت (سقطت في الخطية) مع الشياطين، ولديها الكثير من الأحبة، حتى أن روح الزنى يدخل الآن إليها، وعندما يفارقها، يدخل روح الجشع والاكتناز، وبعده يأتي روح الكبرياء، ثم الغضب، ثم الحسد والغيرة، وحتى بعد ذلك روح المجد الباطل وكثيرون أُخر. فيزني كل هؤلاء الأرواح مع النفس غير الأمينة. ولا يحسد الواحد (من الأرواح) الآخر لأنهم يتبادلون بغيرةٍ. ولماذا أقول بأن الواحد (من الأرواح) لا يستبعد الآخر؟ على العكس فإنهم يستدعون بعضهم البعض وبحريةٍ ينادي الواحد الآخر، مثلما تكلمت سابقًا عما كُتب في البشارة بخصوص الروح الذي متى خرج من الإنسان، يعود ويحضر معه سبعة أرواح أُخر أشر منه[23] فيعيشوا في النفس الواحدة في نفس الوقت. وهكذا فإن النفس التي زنت مع الشياطين لا تختبر أي غيرة بين محبيها.
ولكن إذا اتحدت النفس مع زوج شرعي، ذلك الزوج الذي وحَّدَ ووَصَّلَ به بولس نفوسًا في زيجةٍ كما قال هو أيضًا بنفسه: "لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُل وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ."[24] نفس الأمر وجهتنا له البشائر: "إِنْسَانًا مَلِكًا صَنَعَ عُرْسًا لابْنِهِ"[25]. وهكذا فإن النفس حينما تعطي ذاتها في زيجةٍ مع هذا الرجل وتقبل الزواج الشرعي معه، فحتى لو كانت تلك النفس خاطئة في زمنٍ ما، وحتى لو كانت زانية، ومع كل هذا لو أعطت النفس ذاتها إلى ذلك الزوج، فإنها لا تسمح بأي خطية بعد. فلا يمكن احتمال نفسًا تلاعب الزناة بعد أن قبلت زوجًا. فغيرة الزوج تحاصرها، وهو يدافع عن نقاء زواجه. وهكذا فقد قيل عن الله أنه غيور لأنه لا يترك النفس المرتبطة به تختلط بالشياطين. وعلى جانبٍ آخر، فلو رأى (الله) النفسَ تخترق حقوق الزواج وتسعى لفُرصٍ حتى تخطئ، فحينئذٍ، كما هو مكتوب، يعطيها "كتاب طلاق" ويبعدها قائلًا: "أَيْنَ كِتَابُ طَلاَقِ أُمِّكُمُ الَّتِي طَلَّقْتُهَا؟"[26] فإن ذلك الذي يقول هذه الأمور غيور، ولأنه يتحرك بالغيرة يقول هذه الأمور. لأنه لا يريدنا أن نتمادى في الخطية بعد أن أدركنا، بعد استنارة الكلمة الإلهية، بعد نعمة المعمودية، بعد الاعتراف بالإيمان، وبعد الارتباط في زيجةٍ تم تثبيتها بأسرارٍ عظيمة. فإنه لا يسمح للنفس التي دُعي لها خطيبًا أو عريسًا بأن تلعب مع الشياطين، وأن تزني مع الأرواح النجسة، وأن تتمرغ في الرذائل والدنس. ولكن حتى لو حدث هذا للأسف، فإنه يريد، على الأقل، أن النفس ترجع وتعود وتتوب.
لأن هذا نوع جديد من صلاحه، أنه حتى بعد الزنى، فإنه، بالرغم من ذلك، يستقبل النفس التي تعود وتتوب من القلب كما قال أيضًا بالنبي: "لو أن امرأة تركت زوجها ونامت مع رجل آخر، هل تعود إلى زوجها؟ ألا تكون قد تنجست؟ ولكنكِ زَنيتِ مع رعاتك الكثيرين ورجعتِ إلي."[27] ويقول نفس الأمر في مكان آخر: "وبعد أن زَنيتِ مع كل هؤلاء، قُلتُ: {ارجعي إلي} ولكنكِ لم ترجعي، يقول الرب."[28]
وهكذا هنا، فإن الله غيور: لو طلب وأشتاق أن تلتصق النفس به، لو خلصها من الخطية، ولو وبخ، لو عاقب، لو أحزن، لو غَضِبَ، وكأن هناك غيرة معينة تجاهكَ، فافهم أن هناك رجاء في الخلاص لكَ. ولكن إذا لم تعالج حواسكَ بعد أن عُوقبتَ، ولو لم تنصلح بعد أن وُبختَ، لو استهزأت بعد أن ضُربتَ، فاعلم أنه لو استمريت في الخطية، ستفارقك غيرته، وما قيل لأورشليم بالنبي حزقيال سيُقال لك: "فَتَنْصَرِفُ غَيْرَتِي عَنْكِ، فَأَسْكُنُ وَلاَ أَغْضَبُ بَعْدُ."[29] هوذا رحمة وتقوى الله الصالح. فحين يريد أن يكون رحيمًا، يقول أنه غير مسرور وغاضب، كما قال بإرميا: "ستعاقبين يا أورشليم بالوجع والمرض، لئلا يفارقك روحي."[30] إذا تأملت هذه الكلمات، فإنها صوت الله المملوء بالتعاطف وهو غاضب، وهو غيور، وهو يُحضِر الأوجاع والضربات. لأنه "يَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ"[31] وبالرغم من ذلك، أتريد أن تسمع صوت الله الرهيب عندما يغضب؟ اسمع ما يقوله بالنبي. فعندما عدّد الأمور المقيتة الكثيرة التي صنعها الشعب، قال هذه الكلمات أيضًا: "لاَ أُعَاقِبُ بَنَاتِكُمْ لأَنَّهُنَّ يَزْنِينَ، وَلاَ كَنَّاتِكُمْ لأَنَّهُنَّ يَفْسِقْنَ."[32] هذا مُرعب! هذه هي النهاية، حينما لا نؤدَب ثانيةً على الخطايا، حين نُذنب ولا نُصلَح مرة أخرى. من أجل هذا، فحينما نتمادى في حجم خطايانا، فإن "الله الغيور" يُحوّل غيرته بعيدًا عنا، كما قال سابقًا: "فَتَنْصَرِفُ غَيْرَتِي عَنْكِ، فَأَسْكُنُ وَلاَ أَغْضَبُ بَعْدُ." قُلتُ هذه الأمور عن جملة "الله غيور".
والآن لنرى ما يليها، كيف أن ذنوب الآباء سوف يُثأر لها في الجيل الثالث والرابع. لأن الهراطقة معتادون أن يسخروا منا بهذه الكلمات لأنهم ينادون إنها ليست كلمات إله صالح، يقول بأن الواحد يُمكن معاقبته على خطايا آخر. ولكن طبقًا لمنطق هؤلاء الذين يقولون إن إله القانون (العدل) الذي يأمر بهذه الأمور-بالرغم من عدم كونه صالح- إلا أنه عادل؛ ولكنهم لا يستطيعون بالحقيقة إظهار-طبقًا لمنطقهم- كيف يمكن أن يكون (الله) متفق مع العدالة لو أن الواحد يُعاقَب بسبب خطية الآخر. وهكذا يبقى لنا أن نصلي لكي يكشف لنا الرب كيف أن هذه المبادئ تتفق مع إله صالح وعادل.
كثيرًا ما قلنا بالفعل أن الأسفار الإلهية لا تقول كل الأمور إلى الإنسان الخارجي، ولكن الكثير من الأمور قد قيلت إلى الإنسان الداخلي. وهكذا فإن إنساننا الداخلي إما أن يكون الله له كأب، لو عاش بحسب الله وصنع تلك الأمور التي من الله؛ أو الشيطان (كأب)، لو عاش في الخطية وصنع مشيئاته. المُخَلِّص يُظهر هذا جليًا في البشائر حين يقول: "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌ."[33] لذلك فإن بذرة (زرع) الله تبقى فينا عندما لا نخطئ، حافظين كلمة الله فينا؛ كما يقول يوحنا: "كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ."[34] وأيضًا حينما يتم إغرائنا عن طريق الشيطان لنخطئ، نتلقى بذرته (زرع الشيطان). ثم إذا أكملنا العمل الذي حثنا إليه (الشيطان)، فهكذا نكون قد وُلدنا منه؛ لأننا نولد منه كأبناء عن طريق الخطية. ونادرًا ما نخطئ بدون مساعدين في الخطية. فمثلًا لو أن واحدًا زنى، لا يستطيع أن يرتكب ذلك وحده، يجب أن يكون هناك أيضًا شريك في الزنى ومرافق في الخطية. وحتى لو لم يكن هناك كثيرين، ولكن من المفترض أن يكون هناك رجل أو امرأة في الخدمة أو الشراكة للخطية.[35] كل هؤلاء مولودين، كما حدث مع الأول، واحدًا تلو الآخر تبعًا لترتيب الإغراء، مولودين في الخطية من أبيهم الشيطان. ولكي نأتي لهذه الأمور المكتوبة، فإن إله المجد يسوع المسيح مخلصنا قد صُلِبَ. ومؤلف هذه الجريمة هو الشيطان لأنه مكتوب: "عندما دخل الشيطان في قلب يهوذا الإسخريوطي المزمع أن يخونه."[36] فالشيطان إذا هو أبو الخطية، وقد وَلَدَ يهوذا كابنه البكر في هذا الشر، ولكن يهوذا وحده لم يكن ليقدر أن ينفذ ذلك. فماذا كُتِبَ؟ يقول الكتاب: "فذهب يهوذا إلى الكتبة والفريسيين وقال لهم: «مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُوني وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟»"[37] وهكذا، فإن الجيل الثالث والرابع للخطية قد وُلدوا من يهوذا. وستستطيع أن تتعقب هذا الترتيب في بعض الخطايا الفردية.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ولذلك الآن، لنرى طبقًا لما أسميناه جيلًا، كيف ينتقم الله من ذنوب الآباء في الأبناء حتى الجيل الثالث والرابع، ولا يجازي الآباء أنفسهم، لأنه لم يقل أي أمر حول الآباء. الشياطين إذًا، الذين تخطوا مقدار الخطية، كما يقول النبي: "كلباس يبس من الدماء غير طاهر"[38] كذلك أيضًا لا يصبحوا طاهرين في هذا الدهر، ولا يُوبخوا على خطية ولا يُنتهروا، لأن كل هذه الأمور حُفظت لهم في المستقبل. وهكذا أيضًا، بما أنهم عَلِموا أن وقت العقاب قد رُسِمَ لهم، قالوا للمخلص: "لماذَا جِئْتَ قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟"[39] لذلك فبينما هذا العالم مازال قائمًا، فالشيطان، أب الخطاة، لا يتلقى (عقابًا عن) خطاياه، إن الخطايا يُنتقم لها في المقابل من أبناءه، الذين ولدهم عن طريق الخطية. لأن البشر الذين في الجسد يُنتهرون، يُضربون، ويُؤدبون بواسطة الرب. لأن "الرب لاَ يسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا."[40] ولأن الرب حنون ورحيم، فإنه ينتقم لذنوب الآباء في الأبناء، وبما أن الآباء، الذين هم إبليس وملائكته، وولاة العالم وحُكام الظلمة [41]-لأن كل هؤلاء قد جُعلوا آباء مثل إبليس- هم غير مستحقين للتوبيخ في الدهر الحالي، ولكنهم سيحصلون على ما يستحقون في المستقبل، فإن أبنائهم، هؤلاء الذين أقنعهم الشياطين بالخطية والذين استقبلهم الشياطين في رابطة وشراكة الخطية، فإنهم يحصدون نتيجة أفعالهم، لعلهم يتنقوا للدهر الآتي، ولا يكونوا شركاء إبليس في العقوبة. ولأن الله رحيم، ويريد أن الجميع يخلصون، فإنه يقول: " أَفْتَقِدُ بِعَصًا مَعْصِيَتَهُمْ، وَبِضَرَبَاتٍ إِثْمَهُمْ. أَمَّا رَحْمَتِي فَلاَ أَنْزِعُهَا عَنْهُ"[42] فلهذا يفتقد الرب ويسعى وراء النفوس التي ولدها الأب المتمادي في الشر عن طريق إغراءها بالخطية، ويقول لكل واحدة: "اِسْمَعِي يَا بِنْتُ وَانْظُرِي، وَأَمِيلِي أُذُنَكِ، وَانْسَيْ شَعْبَكِ وَبَيْتَ أَبِيكِ،"[43] فهو يزوركَ بعد الخطية ويجعلكَ تضطرب ويفتقدكَ بسوط وقضيب للخطية التي عرّضك إليها أبوك الشيطان، حتى ينتقم من هذه الخطية في حضنك، أي بينما تكملها في الجسد. وهكذا يَكمُل الانتقام من ذنوب الآباء في حضن الأبناء في الجيل الثالث والرابع.
لأن الله غيور ولا يشاء للنفس التي خطبها له في الإيمان أن تبقى في نجاسة الخطية، ولكنه يريدها أن تتنقى فورًا، يريدها أن تَطرِد بسرعة كل أمورها الدنسة لو حدث وخُطفت بالصدفة لبعض منها. أما إذا استمرت النفس في الخطية وقالت: "لن نسمع لصوت الرب، ولكننا سنفعل ما نشاء وسنحرق بخورًا إلى ملكة السماء"[44]، فهذه الممارسة استنكرها النبي، ثم استحقت قضاء الحكمة: " لأنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ... فَأَنَا أَيْضًا أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ."[45] أو ذاك القضاء الذي وُضِعَ في البشارة حينما قال الرب: "إذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ"[46]
أنا أختار أن الله يفتقد ذنوبي بينما لازلت في هذا العالم، وأن يصلح من تعدياتي هنا، حتى أن إبراهيم يقول عني كما قال للغني عن لعازر الفقير: "يَا ابْنِي، اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ."[47] لأجل هذا السبب، فعندما نُوبَخ، وعندما نُعاقَب بواسطة الرب، فلا يصح ألا نكون ممتنين. لنفهم أننا نُوبَخ في هذا الدهر لكي ننال راحة في الآتي، كما يقول الرسول أيضًا: "وَلكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ"[48] فإنه لأجل هذا السبب قال أيوب البار أيضًا وهو راضي بإرادته على كل آلامه: " أالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟"[49] "الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا"[50]
ولكنه يعود و"يصنع إحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيه"[51] لأن هؤلاء الذين يحبونه، لا يحتاجون إلى توبيخ لأنهم لا يخطئون، كما قال الرب: "الذي يحبني، يحفظ وصاياي"[52]، ولذلك فإن " الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ."[53] لأجل هذا فإن الرحمة قد عُينَت لأولئك الذين يحبون، لأنه "طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ"[54] في المسيح يسوع ربنا، الذي ينبغي له المجد والعظمة إلى أبد الأبد. آمين.}[55]
_____
[14] قال بلوتارخ Plutarch الفيلسوف وكاهن الإله أبوللو: "مطاحن الآلهة تطحن ببطء، ولكنها تطحن للدقيق" بمعنى أن الآلهة تحطم وتسحق ببطء، ويمكن أن تصبر، ولكن حين ينتهي عملها فإن الناتج يكون دقيقًا مسحوقًا بالتمام.
Plutarch, De Sera Numinis Vindicta, 3.
[15] (تث 24: 16).
[16] (إر 31: 30).
[17] (حز 18: 20).
[18] (خر 20: 5).
[19] (حز 18: 2).
[20] (حز 18: 3، 4).
[22] يضرب العلامة أرويجانوس مثالًا على عاطفة الرجل، وبالتأكيد لا يقصد أن المرأة إما أن تكون متزوجة أو زانية.
[23] راجع (لو 11: 24 -26).
[24] (2 كو 11: 2).
[25] (مت 22: 2).
[26] (إش 50: 1).
[27] راجع (إر 3: 1).
[28] راجع (إر 3: 6، 7).
[29] (حز 16: 42).
[30] راجع (إر 6: 7، 8).
[31] (عبرانيين 12: 6).
[32] (هوشع 4: 14).
[33] (يو 8: 44).
[34] (1 يو3: 9).
[35] يقصد أنه غالبًا ما يكون هناك من يُسهّل طريق الخطية أو يشارك فيها.
[36] راجع (لو 22: 3؛ يو 13: 2).
[37] (متى 26: 14، 15).
[38] راجع (إش 14: 19).
[39] راجع (متى 8: 29).
[40] راجع (حزقيال 33: 11).
[41] كل هذه أسماء عن الشياطين، راجع (متى 25: 41؛ أف 6: 12).
[42] (مز 89: 32، 33).
[43] (مز 45: 10).
[44] راجع (إر 7: 18).
[45] (أمثال 1: 24، 26).
[46] (متى 25: 41).
[47] (لو 16: 25).
[48] (1 كو 11: 32).
[49] (أيوب 2: 10).
[50] (أيوب 1: 21).
[51] راجع (خر 20: 6).
[52] راجع (يو 14: 21).
[53] (1 يو 4: 18).
[54] (متى 5: 7).
[55] Origen, Homilies on Genesis and Exodus, Fathers of The Church, V.71. Homily VIII.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-pakhomius-marcos/visiting-iniquity/origen.html
تقصير الرابط:
tak.la/4r3754c