القديسان البطريركان كيرلس الكبير ويوحنا ذهبي الفم يذكران هذه الآية في شرحهما لحادثة شفاء المولود أعمى. ونبدأ بعمود الأرثوذكسية القديس كيرلس الكبير الذي كتب دفاعًا قويًا أمام الجهلاء -بحسب تعبيره- الذين يُمكن أن يتخيلوا أن الله يُعاقب إنسان على خطية أبيه. وهذا الدفاع مذكور في تفسيره لإنجيل يوحنا الإصحاح التاسع حيث أخذ يشرح ويُسهب في تفسير الآية الثانية. ولطول شرحه سأذكر بعض المقاطع منه لإستيفاء شرح الآية، إلا أن الرجوع للنص الكامل يقيم بنيانًا راسخًا للإيمان السليم.[56]
يقول القديس كيرلس الكبير:
[أظن أنهم يستغرقون في جهلهم الخاص بهذا الأمر بافتراضهم أن خطايا الآباء تأتى حقًا على الأبناء، وأن الغضب الإلهي يمتد حتى يمكن أن يصل إلى الجيل الثالث والرابع، ليعاقب الأبرياء بعقوبات جرائم الآخرين. فلو كانوا حكماء، ألا يكون لائقًا بهم بالأحرى أن يعتنقوا الرأي الذي يقول: إن الله الذي هو مصدر البر ومصدر قوانيننا الأخلاقية لا يمكن أن يفعل شيئًا مخجلًا كهذا؛ لأنه، حتى الناس يعاقبون العصاة بحسب القوانين ولكنهم لا يوقعّون هذه العقوبات على أولادهم إلاّ إن كان هؤلاء الأولاد مشتركين مع آبائهم في الأفعال الشريرة.]
ويقول أيضًا:
[فهو (الله) لا يريد أن يُعرَف بأنه يفكر بالشر وأنه يمد غضبه حتى يشمل الجيل الرابع. لأنه كيف يكون هو طويل الأناة وكثير الرحمة، أو كيف يغفر المعاصي والخطايا إن كان لا يستطيع أن يجعل العقوبة محصورة فقط في الشخص الذي أخطأ بل يمدها إلى ما بعد الجيل الثالث، فيكون بذلك كنوع من الرعد الذي يصعق حتى البريء. إذن، فإنه مما لا يُصدق بالمرة ومن الحماقة التامة أن نفترض أن الله، مع محبته للبشر ولطفه، يخص نفسه بالغضب المستمر وغير المعقول.]
ويشرح الآية محل البحث ويقول:
[(سنفترض) أن هناك إنسانًا متعديًا على الناموس وذهنه مملوء بكل شر، ولو أنه عومل بحسب أسلوب حياته هذا لاستحق أن يُعاقب بدون إمهال، ومع ذلك فإن الله في احتماله عامله بصبر ولم يأتِ عليه بالغضب الذي كان يستحقه. ثم وُلِدَ لهذا الإنسان ابن يزيد عن أبيه في أعماله الشريرة ويفوق أباه في الشر، وأيضًا فإن الله أظهر طول أناة نحو هذا الإنسان. ولكن ولد له ابن ثالث ومن الثالث رابع ليس أقل من سابقيه في الشر، بل يعمل أعمالًا شريرة مساوية لهم. حينئذٍ يسكب الله عليهم الغضب، الذي كان يستحقه الجنس كله منذ البداية، بعد أن كان قد احتملهم كثيرًا، وحتى أكثر مما يجب. فتأجيل الانتقام حتى الجيل الرابع، كيف لا يكون بحق هو نوع من اللطف الإلهي؟][57]
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وباختصار فإن رأي القديس كيرلس في هذه الآية هو:
[فإن الله يذكر الكلمات المقتبسة أعلاه: "مفتقدًا إثم الآباء في الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع" كدليل على جوده الذي لا يُقارن.]
_____
[56]جميع اقتباسات القديس كيرلس في هذا الموضوع مأخوذة من تفسير إنجيل يوحنا، ترجمة المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية.
[57] وجب التنبيه أنه حين يتكلم الكتاب المُقدس والآباء عمّا يُسمى بغضب الله، فإنهم لا يقصدون نفس الغضب البشري. فيقول نفس القديس كيرلس في نفس الكتاب: [الله لا يمكن أن يكون ميالًا بأية نزعات غير عاقلة إلى أولئك الذين يرفضون محبته لأن هذه الميول غير العاقلة إنما تليق بالبشر فقط] (ص21). ويقول أيضًا: [العِلة والسبب الحقيقي الذي جعل الكتاب المقدس يحدثنا عن الله بأقوال تخص الأعضاء الجسدية، هو ضعف عقلنا ولغتنا. بدون شك الأمور المتعلقة بالله هي ابعد من أن توصف. وبالتأكيد لا يمكننا أن ندرك الأمور الهامة عن الله، نحن الذين نحيا في اجساد مادية وسميكة، إلَّا فقط إذا قبِلنا أمثلة ونماذج تتناسب مع نوعية طبيعتنا. بمثل هذه الطريقة فقط، يكون لدينا المقدرة أن نرتفع نحو مفاهيم سامية عن الله.] (ضد الذين يتصورون لله هيئة بشرية، ف.1)
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-pakhomius-marcos/visiting-iniquity/cyril.html
تقصير الرابط:
tak.la/sgw2d2j