عندما منح اللهُ الإنسانَ الحياة، منحه نفسًا عاقلة، تختلف عن نفس الحيوان. لذلك فإن الحياة بالنسبة للإنسان العاقل مختلفة عن الحياة بالنسبة للحيوان. وبعد أن تحدثنا عن مفهوم الحياة، نبحث عن مفهوم العقل.
العقل في الكتاب المقدس وعند الآباء ليس مجرد أداة التفكير، بل العاقل هو المتحد بالكلمة. فكلمة λογικος باليونانية تُترجم بشكل ضعيف "عاقل"، ولكنها تعني أن له علاقة بالكلمة λογος، فالعاقل في فكر الآباء ليس الذي يستطيع التفكير بعكس الحيوان، بل العاقل هو ذاك الذي له علاقة بالسماويات والروحيات. بدليل أن آدم لم يفقد القدرة الإنسانية على التفكير، ولكن أجمع الآباء أن آدم فقد عقله وتشتت. إذا فإن العقل الذي فقده آدم والذي تكلم عنه الآباء، ليس ذات العقل الذي نقصده في كلامنا اليومي.
يستخدم الكتاب المقدس نفس اللفظ "عاقل" في العهد الجديد مرتين فقط. فهي ليست كلمة يألفها اليهود ولا هي موجودة بالعهد القديم، بل الفلاسفة اليونانيين مثل أرسطو وغيره استخدموها ليشيروا للمجهود العقلي والروحي في الإنسان، أي ارتباط الإنسان بالعقل والمنطق، أي -بحسب لغتهم- ارتباطه باللوغوس.
المرة الأولى يقولها بطرس الرسول:" وَكَأَطْفَال مَوْلُودِينَ الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِه." (1بط 2:2).
ὡς ἀρτιγέννητα βρέφη τὸ λογικὸν ἄδολον γάλα ἐπιποθήσατε, ἵνα ἐν αὐτῷ αὐξηθῆτε εἰς σωτηρίαν, (1 Pet. 2:2 BGT)
فبطرس الرسول هنا يتكلم عن لبن عقلي عديم الغش أو عديم الفساد. وبالطبع لا يمكن أن يقصد هنا مجرد العقل الإنساني الذي يميزه عن الحيوان بالتفكير. لأن هذا العقل يمكن أن يكون مغشوشًا ومشوهًا ومريضًا. ولذلك فاستخدام بطرس صفة العقلي للبن هنا تشير بأنه يدرك أن هناك طعام عقلي -ليس بمعنى ذهني يقدر على التفكير- بل يقصد أنه طعام سماوي من الكلمة ذاته أرسله لنا لكي ننمو.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
المرة الثانية يقولها بولس الرسول: "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ." (رو 12: 1).
Παρακαλῶ οὖν ὑμᾶς, ἀδελφοί, διὰ τῶν οἰκτιρμῶν τοῦ θεοῦ παραστῆσαι τὰ σώματα ὑμῶν θυσίαν ζῶσαν ἁγίαν εὐάρεστον τῷ θεῷ, τὴν λογικὴν λατρείαν ὑμῶν· (Rom. 12:1 BGT)
و"عبادة عقلية" هنا تعني أنها غير مرتبطة بالأعمال الجسدية التي كان اليهود يظنون أن لهم بها خلاص. بل عبادة روحية مبنية على بر الكلمة. من أجل ذلك فإن كلمة عاقل λογικος بالنسبة للرسل المسوقين من الروح القدس لا تشير مطلقًا لكلمة العقل التي نقصدها نحن في هذه الأيام. بل تعني العقل المتحد بالكلمة.
لذلك شرح أوريجانوس أننا نقدر أن نقول إن القديس فقط هو العاقل.[3] كذلك يقول أثناسيوس الرسولي في كتابه تجسد الكلمة: "لأنه أية منفعة للمخلوقات لو أنها لم تعرف خالقها؟ أو كيف يمكن أن تكون عاقلة λογικοι` لو لم تعرف كلمة الآب λογον الذي به خُلقوا؟ لأنهم لن يتميزوا بالمرة عن المخلوقات غير العاقلة αλογων لو أنهم انحصروا فقط في معرفة الأمور الأرضية."[4]
_____
[3] Cf. Origen, Commentary on John, 2.114.
[4] St. Athanasius, On the Incarnation (Greek/English), English trans. By Fr. John Behr, St. Vladimir’s Seminary Press,11.2. Arabic trans. From Orthodox Patristic Centre, Cairo.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-pakhomius-marcos/breath-of-life/fathers.html
تقصير الرابط:
tak.la/gsqj5x2