الفصل السادس عشر: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6
حجج الوثنيين لتلطيف ما سبق، وقولهم (1) “أن الشعراء مسئولون عن هذه الأقاصيص التي لا تبني”. ولكن هل يمكن التدليل على وجود الآلهة وأسمائها بوسيلة أفضل؟ فإما أن يثبت الاثنان معًا أو يسقطا معًا. أما أن يدافع عن الأعمال أو لا يعترف بألوهية الآلهة. والأبطال لا يمكن تصديقهم إن ادعوا أنهم أتوا أعمالًا لا تتفق مع طبيعتهم، كما هو الحال مع الآلهة هنا.
1- أما فيما يتعلق بكل هذا فلعل الملحدين يلجأون إلى أسلوب الشعراء الخاص قائلين أن من خاصية الشعراء أن يتخيلوا ما لا وجود له، وأنهم إرضاء لسامعيهم يروون أقاصيص وهمية، وأنهم لهذا السبب كتبوا رواياتهم عن الآلهة. ولكن حجتهم هذه تبدو واهية -أكثير من غيرها- من نفس تفكيرهم وادعاءاتهم عن هذه الأمور.
2- لأنه أن كان ما قاله الشعراء خياليًا ولا حقيقة له فكذلك لا بُد أن تكون التسمية التي أُطلقت على زفس وكرونوس وهيرا واريس وغيرها باطلة ولا أصل لها. وربما -كما يقولون- تكون الأسماء نفسها وهمية، ومع أنه لا وجود لمثل هذه الكائنات أي زفس أو كرونوس أو اريس فان الشعراء يتخيلون وجودها لتضليل سامعيهم. ولكن أن كان الشعراء يتخيلون وجود كائنات غير حقيقية فلماذا يعبدونها كأنها كائنة.
3- أو لعلهم أيضًا يقولون انه أن كانت الأسماء غير وهمية فإنهم ينسبون إليها أعمالًا وهمية. ولكن حتى هذا الدفاع واه كسابقه. لأنهم أن كانوا قد لفقوا الأعمال فلا شك في أنهم أيضًا قد لفقوا الأسماء التي نسبوا إليها الأعمال. أما أن كانوا صادقين في ذكر الأسماء لكانوا بالتالي صادقين في ذكر الأعمال أيضًا. وعلى الأخص أن الذين قالوا في أقاصيصهم بأن هذه آلهة يعلمون يقينًا ماذا يجب على الآلهة أن تعمل، فلا يمكنهم أن ينسبوا للآلهة آراء البشر، كما لا يستطيع أحد أن ينسب للماء خاصيات النار، لأن النار تحرق بينما طبيعة الماء بالعكس باردة.
4- إذًا فإن كانت الأعمال جديرة بالآلهة وجب أن يكون الذين يعملونها آلهة، أما أن كانت أعمال بشر، بشر منحطين، كالزنى والأعمال السابق ذكرها، وجب أن يكون الذين يعملون مثل هذه الأعمال بشرًا لا آلهة. لأن أعمالهم يجب أن تتفق مع طبيعتهم، حتى يمكن في الحال معرفة الفاعل من أعماله، والتحقق من العمل من طبيعته. فكما انه إذا تحدث المرء عن الماء والنار مبينًا أعمالها لن يقول أن الماء تحرق والماء تبرد، أو إذا تحدث عن الشمس والأرض فهل يقول أن الأرض تشع نورًا أما الشمس فإنها تزرع أعشابًا وثمارًا، وان قال هذا فانه يفوق أعظم درجات الجنون - كذلك لا يمكن لكتابتهم، وبالأخص لأشهر شعرائهم، أن كانوا يعلمون حقيقة أن زفس وغيره آلهة، أن ينسبوا إليهم مثل تلك الأعمال التي تظهر أنها ليست آلهة بل بالحري بشرًا، بل بشرًا غير طاهرين.
5- أو أن كانوا كشعراء قد تكلموا كذبًا وأنتم تطعنون فيهم فلماذا لم يتكلموا كذبًا أيضًا عن شجاعة الأبطال، ويدعوا الضعف بدل الشجاعة، والشجاعة بدل الضعف؟ لأنه كان يتعين عليهم في هذه الحالة كما تحدثوا عن زفس وهيرا أن يتهموا أخيل(43) بعدم الشجاعة، وان يشيدوا بمقدرة ثيرسيت(44)، وإذ يتهمون اوديسيوس(45) بالغباوة يعتبرون نسطور(46) شخصًا عديم الأهمية، ويروون أعمالًا نسائية عن ديوميد(47) وهكتور(48) وأعمال الرجولة والبطولة عن هكيوبا(49) لأن الخيال والأوهام التي ينسبونها للشعراء يجب أن تمتد إلى كل الحالات. ولكن الواقع أنهم احتفظوا بالصدق لرجالهم بينما لم يخجلوا من ذكر الأكاذيب عن آلهتهم المزعومة.
6- وإذا ما احتج بعضهم بأنهم إنما يذكرون الأكاذيب عن أعمالهم الشهوانية، ولكنهم في ذكر فضائلهم يتكلمون بالصدق عندما يتحدثون عن زفس كأب الآلهة وأسماها الذي يحكم في السماء، فهذه الحجة لا أدحضها أنا فحسب بل أن في استطاعة أي شخص أن يدحضها. وإذا ما أعدنا ذكر براهيننا السابقة وضح الحق ضدهم. لأنه بينما تثبت أفعالهم إنهم بشر فان الثناء الذي يكال إليهم يرتفع فوق طبيعة البشر. إذا فكلا الأمرين يتناقضان، لأنه لا يمكن أن تتصرف طبيعة الكائنات السماوية بمثل هذه الطرق، كما أنه لا يمكن أن يخطر ببال أي امرئ أن الأشخاص الذين يتصرفون هكذا يكونون آلهة.
← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(43) Achilles اسم إلياذة هوميروس.
(44) Thersites.
(45) Odysseus.
(46) Nestor.
(47) Diomde.
(48) Hector.
(49) Hecuba.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/against-the-heathens/pagans-idols.html
تقصير الرابط:
tak.la/jv6x2t8