الفصل السادس والأربعون: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8
تعليم الكتاب المقدس عما ورد في الباب الثالث.
1- إذًا فهل مرت بسكون تلك التعاليم الإلهية التي فندت إلحاد الوثنيين، وأمرت بإرادة الأوثان، أم هل تركت الجنس البشري ليسيروا دون إمدادهم قطعًا بمعرفة الله؟ كلا فإنها سبقت عقولهم حين قالت(108) “اسمع يا إسرائيل الرب إلهك إله واحد” وأيضًا “تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل قوتك” وأيضًا “للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد. وبه تلتصق”.
2- أما أن عناية “الكلمة” -الذي هو فوق الكل- وقوته المنظمة قد شهدت لهما كل الكتب الموحى بها فإن هذه الفقرة تكفي لتدعيم حجتنا حيث يقول الرجال الذين يتكلمون بلسان الله(109) “أسست الأرض فثبتت. اليوم يثبت حسب أحكامك” وأيضًا(110) “رنموا لإلهنا بعود. الكاسي السموات سحابًا المهيئ للأرض مطرًا المنبت حشيشًا على الجبال وعشبًا أخضر لخدمة الإنسان. المعطي للبهائم طعامًا”.
3- ولكن بمن يعطيها إلا بمن خُلقت به كل الأشياء؟ لأن العناية المهيمنة على كل الأشياء هي بطبيعة الحال من اختصاص ذاك الذي خُلقت به. ومن يكون هذا إلا كلمة الله. الذي يقول عنه في مزمور آخر(111) “بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها” لأنه يخبرنا أن كل الأشياء خُلقت فيه وبه.
4- من أجل هذا فإنه هو أيضًا يقنعنا ويقول(112) “وهو تكلم فصنعت. هو أمر فخلقت” كما يؤيد قولنا أيضًا موسى العظيم -في بدء وصفه للخليقة- بعبارته قائلًا(113): وقال الله “نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا”. لأنه أيضًا عندما كان يخلق السماء والأرض وكل الأشياء قال له الآب(114) “ليكن جلد.. ولتجتمع المياه.. ولتظهر اليابسة.. لتنبت الأرض عشبًا وبقلًا”. لذلك يجب أيضًا اتهام اليهود لسبب عدم التفاتهم للكتب المقدسة بإخلاص.
5- لأنه يمكن توجيه السؤال إليهم: لمن كان الله يتكلم مستعملًا صيغة الأمر؟ لو أنه كان وقتئذ يأمر ويخاطب الأشياء التي كان يخلقها لكان الكلام لغوًا لأنها لم تكن قد خُلقت بعد، بل كانت على وشك أن تخلق. على أنه لا يمكن لأحد أن يتحدث لما ليس له وجود، أو يوجه أمرًا لما لم يخلق بعد لكي يخلق. لأنه لو كان الله قد أصدر الأمر للأشياء المزمع أن تكون لكان قد قال “كوني أيتها السماء وكوني أيتها الأرض وأطهر أيها العشب وكن أيها الإنسان”. ولكنه في الواقع لم يفعل هكذا، بل أصدر الأمر هكذا “نعمل (لنعمل) الإنسان”، “لينبت العشب”، وهذا دليل على أن الله كان يتكلم عنها لشخصية أخرى موجودة. ويتبع هذا أنه كانت هنالك شخصية أخرى معه تكلم معها عندما خلق كل الأشياء.
6- فمن إذًا يمكن أن يكون هذا إلا كلمته؟ لأنه لمن يمكن أن يقال أن الله تكلم إلا لكلمته؟ أو من كان معه عندما خلق كل الكائنات المخلوقة إلا حكمته التي قالت(115) “لما خلق السماء والأرض كنت هناك أنا معه”. على أنه عند ذكر السماء والأرض فإن هذا يتضمن أيضًا كل مخلوقات السماء والأرض.
7- على أنه إذ كان حاضرًا معه كحكمته وكلمته، ومتطلعًا إلى الآب، صور الكون ورتبه ومنحه نظامًا، ولأنه هو قوة الآب أعطى كل الأشياء قوة الوجود كما يقول المخلص(116) “كل الأشياء التي أرى الآب يعملها هذه أيضًا أعملها كذلك” وقد علم تلاميذه القديسين أن “الكل به وله قد خُلق”.
8- ولأنه المولود الصالح من الآب الصالح، والابن الحقيقي، فهو قوة الآب وحكمته وكلمته، ليس عن طريق المشاركة(117)، ولا كأن هذه الصفات اكتسبها من الخارج، كما هو الحال مع من يشتركون في طبيعته، ويصيرون حكماء به، وينالون منه قوة وتعقلًا، بل انه هو نفس حكمة الآب، ونفس كلمته ونفس قوته. ونفس النور. ونفس الحق. ونفس البر ونفس الفضيلة. وهو يقينًا صورته الظاهرة.وبهاؤه. وشبهه. وبالإجمال هو ثمرة الآب الفائقة الكمال. وهو وحده الابن وصورة الآب غير المتغيرة.
← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(108) (تث 6: 4-5، 13).
(109) (مز 119: 90-91).
(110) (مز 147: 7-9).
(111) (مز 33: 6).
(112) (مز 148: 5).
(113) (تك 1: 26).
(114) (تك 1: 6-11).
(115) (أم 8: 27).
(116) (يو 5: 19، كو 1: 16).
(117) كانت هذه هي آراء الأريوسيين وغيرهم من المبتدعين الكثيرين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/against-the-heathens/bible-word.html
تقصير الرابط:
tak.la/j4y6k7w