الفصل الخامس:-
البدع والهرطقات في عصر بولس الرسول
{ المسيحية كديانة ناشئة أخذت مكانها على مسرح الحياة في العالم القديم وسط كثرة من الديانات المتنوعة والتيارات الفكرية المتباينة والفلسفات المختلفة التي مهدت للمسيحية في بعض النواحي لكنها شكلت صعوبة بالغة أمام الكنيسة المسيحية في نواحي جوهرية فظهرت الانحرافات اللاهوتية والعقيدية والهرطقات والتي أحدثت بلبلة فكرية أقلقت الكنيسة وأتعبتها.
{ فيحذر القديس بولس الرسول المؤمنين في كولوسي قائلًا " فكما قبلتم المسيح يسوع الرب متأصلين ومبنيين فيه وموطدين في الإيمان كما علمتم متفاضلين فيه بالشكر. أنظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس، حسب أركان العالم وليس حسب المسيح" (كو 2: 6-8).
{ هرطقات العصر الرسولي هو صور مشوهة للمعتقدات السلمية... ويمكن حصرها في ثلاث صور أساسية أخذت تتجدد وتعاود الظهور على مر العصور في تاريخ الكنيسة وهذه الصور الثلاث هي:-
← التهوّد - الغنوسية - الوثنية المتهوّدة
{ ويهدف أصحاب هذا الاتجاه إلى ربط أنفسهم بالناموس اليهودي القديم وإدماج المسيحية باليهودية بحيث يصبح الإنجيل هو الناموس القديم محسنًا أو مكملًا. إنهم يعتبرون المسيح مجرد نبي أو موسى الثاني وهم ينكرون طبيعته الإلهية.
{ فالسيد المسيح بتجسده جاء أولًا إلى خاصته من اليهود (يو 11:1) وحينما أرسل رسله في إرساليات تدريبية أرسلهم إلى خراف بيت إسرائيل الضالة (مت 6:10) وقبل صعوده أوصاهم أن يشهدوا له في أورشليم وكل اليهودية قبل أن يشهدوا له في السامرة وأقصى الأرض (أع 8:1) وبذلك فبشرى الخلاص قُدمت لليهود أولًا.
{ ولكن هؤلاء المسيحيون المتهودون في حقيقتهم يهودًا، وفي ظاهرهم مسيحيين بالاسم... وقد مارسوا وأتموا ناموس موسى الأدبي والطقسي واعتبروه ملزمًا لهم وأنه لازم للخلاص. ولم يفهموا المسيحية على أنها ديانة عامة مسكونية جديدة، متحررة من الناموس القديم.
{ ويذكر سف أعمال الرسل أنت الذين آمنوا منهم كانوا جميعًا "غيورين للناموس" (أع 20:21) والأطفال كانوا يختتنون وتراعى طقوس التطهير " حينئذ أخذ بولس الرجال في الغد وتطهر معهم ودخل الهيكل مخبرًا بكمال أيام التطهير إلى أن يُقرب عن كل واحد منهم القربان" (أع 26:21).
{ وقد شارك مسيحيو أورشليم في الصلوات التي كانت تتلى يوميًا في الهيكل "وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة" (أع 46:2) وامتنعوا عن أكل الأطعمة التي اعتبرت نجسة في العهد القديم " فقال بطرس كلًا يارب! لأني لم أكل قط شيئًا نجسًا أو دنسًا (أع 14:10).
{ وهكذا ظهر المسيحيون الأوائل على أنهم يهود غيورون رافقتهم بركة الرب وكأنهم قد شكلوا جماعة خاصة داخل كيان إسرائيل.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
{ قام بعض الأممين المنتصرين وحاولوا الانفصال عن الماضي كلية وقطع أنفسهم عنه ويمكن تسمية هذا النوع من الهرطقة باسم " الهرطقة المتأممة أو " الغنوسية " وهي محاولة فلسفية دينية لا تؤمن بالإيمان الأعمى بل تعتمد على العقل والمعرفة فجعلت العقل فوق الإيمان والفلسفة فوق الدين والفكر الخالص رقيبًا على الوحي ويستطيع أن يرفض منه ما لا يقبله العقل.
{ وإن كانت الغنوسية لم تظهر كهرطقة في الكنيسة تحمل هذا الاسم إلا في القرن الثاني لكن جذورها ومبادئها وتعاليمها وجدت في العصر الرسولي خاصة في رسائل كولوسي وتيموثاوس الأولى وتيطس.
{ وتتلخص الغنوسية في أنها محاولة فليفية لتفسير وجود الشر بالقول بالأثينية أي وجود أصلين للكائنات، الروح العلى والمادة أو الخير والشر... أما خلاص روح الإنسان المحبوسة في المادة " الجسد " فيكون إما بالتزام النسكيات الصارمة والابتعاد عن كل ما هو مادي بقدر الإمكان وإما بالانغماس في كلما هو شهواني زاعمين الانتصار على الحس بالانغماس فيه... أما عقيدتهم في المسيح فهيأنه خيال منكرين ناسوته.
{ وجدت محاولات معاصرة لنشأة الكنيسة المسيحية لإدماج الديانة اليهودية في الفلسفة الوثنية، بخاصة فلسفتي فيثاغورس وأفلاطون وقد قام بهذه المحاولات الفيلسوف اليهودي الاسكندري " فيلو " في القرن الأول الميلادي وبعض جماعات المتعبدين من الثيرابوت والأسينيين وغيرهم. وأخذ هذا الخليط العجيب يظهر في المسيحية بالاسم المسيحي مكونًا إما يهودية مختلطة بالوثنية أو وثنية متهودة.
{ ونلاحظ في الهرطقات الثلاثة إنكار واضح للحق الجوهري في الإنجيل وهو تجسد ابن الله من اجل خلاص العالم ولا تعترف بأي اتحاد حقيقي بين اللاهوت والناسوت في شخص المسيح.
← سيمون الساحر - الأبيونية - النيقولاويون
{ ورد في سفر الأعمال عن سيمون الساحر أنه كان " يستعمل السحر ويدهش شعب السامرة قائلًا أنه شيء عظيم. وكان الجميع يتبعونه من الصغير إلى الكبير قائلين هذا هو قوة الله العظيمة "... ثم لما أتى الرسولان بطرس ويوحنا إلى السامرة ليمنحا الروح القدس للمعمدين ورأى سيمون العجائب التي كانت تجري على أيديهما قدم لهم دراهم قائلًا " أعطياني أنا أيضًا هذا السلطان حتى أي من وضعت عليه يدي يقبل الروح القدس ". فانتهره بطرس قائلًا له: "لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أنك تقتني موهبة الله بدراهم. ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الأمر. لأن قلبك ليس مستقيمًا " أمام الله" (أع 8: 9-21).
{ هذا كل ما جاء عن سيمون في الإنجيل... لكن التاريخ الكنسي والمعلمين الأوائل يذكرون سيمون على أنه رأس الهراطقة أو " منشئ كل بدعة " بحسب تعبير " يوسابيوس المؤرخ ".
{ أول من أمدنا بمعلومات عن هرطقة سيمون هو " يوستينوس " الذي كان هو الآخر سامريًا ويقول أن معظم السامريين عبدوا سيمون كالإله الأول. وربط به امرأة تدعى هيلانة التي ادعى سيمون أن فكرة الأول Ennoia تجسد منها وكانت هيلانة هذه امرأة عاهرة تتجول معه. وقال أيضًا أن سيمون قال بإله ذكر أعلى Subimissima Virtus وبفكر Ennoia منبثق من هذا الإله الأعلى، أنثى موازية له.
{ وهذه خلقت الملائكة الذين خلقوا العالم وحبس هؤلاء الملائكة Ennoia في جسم امرأة وأوقعوا بها حسدًا أنواعًا من الإهانات وأن Ennoia هذه هي هيلانة التي صارت زانية عاهرة في مدينة صور وهي ما عبّر عنها بالخروف الضال وأنه فداها وحررها.
{ هي بدعة نادى بها مجموعة من المسيحيين المتهودين وهذا الاسم لم يظهر إلا في القرن الثاني الميلادي لكنهم كانوا موجودين بمبادئهم منذ عصر الرسل. فلا شك أنهم خلفاء أولئك " الاخوة الكذبة" الذين أشار إليهم بولس في (2 كو 26:11، غل 4:2) والذين اقلقوا سلام الكنيسة وخاصة في أنطاكية وغلاطية وقاوموا قانونية رسوليته وتعقبوه من مدينة إلى أخرى.
{ والاسم " إيبونيون " من العبرانية " إيبونيم " وتعني فقراء أو مساكين وهذه التسمية غما أطلقوها على أنفسهم لينالوا الطوبى التي أعطاها السيد المسيح للمساكين بالروح وغما أطلقها على أنفسهم لينالوا الطوبى التي أعطاها السيد المسيح للمساكين بالروح وإما أطلقها المسيحيون عليهم لأنهم فقراء ومساكين في أفكارهم.
* أما عن أفكارهم ومبادئهم فهم فريقان:-
1- فريق متزمت:-
يحفظ ناموس موسى حرفيًا ويقدس السبت ويعتبر الختان لازم للخلاص كما أنكر لاهوت المسيح وأزليته وميلاده المعجزي من العذراء مريم والاعتقاد في مجيئه الثاني أنه مُلْك ألفي.
2- فريق معتدل:-
يحفظ ناموس العهد القديم لكنه لا يلزم بها الجميع ولا يتعصب ضد من يرفضون حفظه وكان يحتفل بيوم الأحد ولا يعترض على آلام المسيح وموته ولا ينكر ولادة المسيح من العذراء ولكنه يشترك مع الفريق المتزمت في إنكار لاهوت المسيح وأزليته.
3- وهناك فريق ثالث كان للأسينيين والغنوسيين تأثيرات واضحة على أفكارهم واتجاهاتهم.
{ يذكر المؤرخون واللاهوتيون القدماء أن هؤلاء النيقولاويون هم أتباع " نيقولاوس " الدخيل الأنطاكي أحد الشمامسة السبعة (أع 5:6).
{ وقيل أن النيقولاويون أباحوا أكل ما يذبح للأوثان وشجعوا العبادة الوثنية كما اهتموا بإنكارهم أن الله هو الذي خلق العالم، وبنسبتهم عمل الخلق إلى قوى أخرى. كما نُسب إليهم أنهم نادوا بمبدأ الاختلاط بالنساء في غير ارتباط الزوجية وأنهم كانوا يعيشون حياة خليعة مستترة " الأنبا غريغوريوس، مذكرة في اللاهوت المقارن لطلبة الاكليريكية ".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-maximos-samuel/st-paul/heresies.html
تقصير الرابط:
tak.la/5hsf5n8