حقًا الله غير محدود، غير منظور وغير ملموس في طبيعته لكن الله يعلن ذاته، ويُعِّرف الإنسان نفسه، ليس في جوهره لكن خلال عمله، وكلامه، وإعلاناته.
فالإنسان يعرف الله من خلال خليقته، لأن:
+ "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ" (مز 19: 1).
+ "لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ" (رو 1: 20).
فعن طريق التأمل والتفكير والتفاعل مع الطبيعة وبقية المخلوقات، يعرف الإنسان الله في كماله، وجماله، وحكمته، وقدرته، ومحبته للبشر.
والإنسان يعرف الله عن طريق إعلاناته خلال الأنبياء والآباء:
+ "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ،" (عب 1: 1-2).
فالإنسان يعرف كل شيء عن طريق الاستلام ممن قبله، بداية من والديه، فيتعرف على كل شيء وكل أحد وكل المعاني بالتلمذة والتربية. فالمعرفة البشرية لله هي كمعرفة تراكمية، تتكامل فيها الخبرات السابقة من أنبياء العهد القديم ورسل العهد الجديد وحياة القديسين، ومنها نتعرف على الله.
+ "بِالإِيمَانِ نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكًا لِخَلاَصِ بَيْتِهِ، فَبِهِ دَانَ الْعَالَمَ، وَصَارَ وَارِثًا لِلْبِرِّ الَّذِي حَسَبَ الإِيمَانِ" (عب 11: 7).
+ "بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي" (عب 11: 8).
+ "مُوسَى... بِالإِيمَانِ تَرَكَ مِصْرَ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْ غَضَبِ الْمَلِكِ،لأَنَّهُ تَشَدَّدَ، كَأَنَّهُ يَرَى مَنْ لاَ يُرَى" (عب 11: 27).
ومن هنا يأتي الوحي المقدس الذي فيه، "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2بط 1: 21)، ليكون مجالًا حيًا متجددًا لمعرفة الله، ويتشارك معه التقليد المقدس الذي يحفظ لنا التفسير السليم لهذا الوحي ويؤكد معرفة الله بالحقيقة خلال التاريخ.
والإنسان يعرف الله عن طريق ضميره الشخصي، لأن الله يخاطب الإنسان دائمًا، كل إنسان:
+ "هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي" (رؤ3: 20).
+ "إِذْ قِيلَ: «الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي الإِسْخَاطِ»" (عب3: 15).
+ "مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ" (مت11: 15).
ومن أجل إعلان الحقيقة عن الله بشكل أفضل، جاء المسيح إلينا متجسدًا:
+ "اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا" (1يو1: 1-2).
+ "قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: «يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟" (يو14: 8-9).
وهذا التجسد الإلهي الذي حدث في الزمن واختبره آباء القرن الأول، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ما زال ينتقل إلينا بكل قوته خلال تعليم الكنيسة وأسرارها بالروح القدس. فنحن نعرف الله خلال سر المعمودية ونتحد به، ويسكن فينا الله بروحه، في سر الميرون، ونتذوق غفرانه ومراحمه في سر التوبة والاعتراف، ونلتصق به في سر التناول، ونشاركه عمل الكهنوت بسر الكهنوت، ونتقدس به للشفاء من الأمراض الروحية والجسدية في سر مسحة المرضى، ونتمم مشيئته بالإتحاد الزيجي في سر الزواج، فيظل المسيح معنا لنعرفه، "وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ" (مت 28: 20).
ومعرفة الإنسان لله تظل معرفة محدودة لكائن غير محدود: "فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ، لكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ. الآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ، لكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ" (1 كو 13: 12). لأنه لا يستطيع أحد أن يدرك الله تمامًا، أو يعرف الله معرفة كاملة، أو يستوعب الله داخل عقله، لأن الله غير محدود "لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ" (إش 55: 9).
ولكننا ننمو في معرفة الله بالروح القدس:
+ "وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ" (أف 3: 18-19).
إذًا بينما يؤكد الكتاب المقدس استحالة إدراك الله إدراكًا كاملًا، يؤكد أيضًا ضرورة معرفة الله، للخلاص: "الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (1تي 2: 4).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-dawood-lamey/how/knowing-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/p47g9p7