St-Takla.org  >   books  >   fr-botros-elbaramosy  >   great-lent-readings
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب عُمْق قِراءات جُمَع وآحاد الصوم الكبير - إعداد: الراهب القمص بطرس البراموسي

12- أحد المولود أعمى: الأحد السادس من الصوم الكبير: إنارة المعمودية

 

ارتباط قراءات الفصول:

إنارة المعمودية

تدور فصول هذا اليوم جميعها حول موضوع واحد هو "إنارة المعمودية" أي استنارة بصيرة الذين ينالون سر المعمودية، ففي إنجيل العشية يحثهم المخلص على الدخول من الباب الضيق أي على احتمال ضيقات الحياة المقدسة كما أوصى بذلك الرجل الذي سأله قائلا "أقليل هم الذين يخلصون"، وفي إنجيل باكر يحذرهم من الرياء كما حذر تلاميذه والجموع من التشبه برياء الكتبة والفريسيين، ويعدهم في إنجيل القداس بإنارة بصيرتهم المرموز إليها برد البصر للمولود أعمى، وفي إنجيل المساء يتحنن عليهم كما تحنن على أعمى بيت صيدا ورد إليه البصر.

ويوصيهم الرسول في البولس بوجوب التجدد روحيًا على أثر نيل المعمودية كما أوصى بخلع الإنسان العتيق ولبس الإنسان الجديد ؛ ويعدهم يوحنا في الكاثوليكون باستجابة الله لصلواتهم التي يرفعونها عن أنفسهم وعن غيرهم، أما الإبركسيس فيتحدث عن تعزية الله لهم في الضيقات كما أكد بولس لرفاقه في السفينة التي تعرضت لخطر العاصفة أن شعرة واحدة من رءوسهم لا تسقط

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مزمور العشية:

بلسان المعتمدين الذين تعهدوا لدى معموديتهم أن يسيروا بالاستقامة، وهم الذين يوصيهم المخلص في فصل الإنجيل أن يدخلوا من الباب الضيق، بلسانهم يعترف هذا المزمور إلى الله بتجاربه التي حلت بهم لامتحان نقائهم، وهي المقصودة بعبارة " الباب الضيق "، ثم يتضرع إليه أن يثبتهم في حقه إذا تعرضوا لمثلها فيقول "جربت قلبي وتعهدتني ليلًا. ومحصتني بالنار فلم تجد في ظلمًا. ثبت خطواتي في سبلك. فلم تزل قدماي".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إنجيل العشية: (لو 13: 22 – 35)

يتكلم هذا الفصل عن حث المخلص للمعتمدين على الدخول من الباب الضيق أي على احتمال ضيقات الحياة المقدسة لكي يخلصوا، ودليل ذلك رده على الرجل الذي سأله قائلًا أقليل هم الذين يخلصون بقوله له"اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إنجيل باكر: (مت 23: 1 – 39)

يتكلم هذا الفصل عن تحذير المخلص للمعتمدين من الرياء ودليل ذلك قوله لهم عن الكتبة والفريسيين " فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مزمور القداس: (مز40: 1)

بلسان الرجل المولود أعمى الوارد ذكره في فصل الإنجيل، والذي هو كناية عن غير المؤمن الذي لم يتقدم بعد إلى المعمودية، وقال عن نفسه في المزمور "فنيت روحي"، بلسانه يتضرع هذا المزمور إلى الله ألا يحجب وجهه عنه أي أن ينير بصيرته، وهذا كناية عن طلب استنارة المعمودية، وأن يستمع إلى طلبته فيقول " استجب لي يا رب عاجلًا فقد فنيت روحي. لا تحجب وجهك عنى. يا رب استمع صلاتي. أنصت بحقك إلى طلبتي".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إنجيل القداس: (يو 9: 1-41)

يتكلم هذا الفصل عن إنارة المخلص لبصائر المعتمدين، ودليل ذلك قوله للمولود أعمى الذي آمن به بعد أن استرد بصره على يديه " لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون ".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

البولس:(كو3: 5-17)

تجدد المعتمدين: في هذا الفصل يناشد الرسول المعتمدين أن يميتوا أعضائهم التي على الأرض حيث قد خلعوا الإنسان العتيق مع أعماله ولبسوا الجديد الذي يتجدد للمعرفة. ويوصيهم قائلًا "فألبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفًا وتواضعًا.. وعلى جميع هذه ألبسوا المحبة..وكل ما عملتم بقول أو فعل فاعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله والآب به".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الكاثوليكون:(1يو5: 13-21)

استجابة الله لصلواتهم: وهنا يبين الرسول لهم أنه بمقتضى الثقة التي لنا عند الله "إن طلبنا شيئًا حسب مشيئته يسمع لنا"، وأن صلواتنا عن أنفسنا وعن الغير تستجاب وذلك بقوله "إن رأى أحد أخاه يخطئ خطية ليست للموت يطلب فيعطيه حياة للذين يخطئون ليس للموت ".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأبركسيس: (أع27: 27-37)

تعزيتهم في الضيق: أما هذا الفصل فيصف الخطر الذي تعرض له بولس ورفاقه وهم في السفينة حين ثارت عليها العاصفة مدة أربع عشرة ليلة، ثم يذكر أن بولس طلب إليهم وقد مضت عليهم هذه المدة صائمين أن يتناولوا طعامًا، وأنه قال "لأن هذا يكون مفيدًا لنجاتكم لأنه لا تسقط شعرة من رأس واحد منكم"، وقد ابتهج الجميع بهذه التعزية وأكلوا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إنجيل القداس [يوحنا 9: 1 – 41]

1 وفيما هو مجتاز رأى إنسانًا أعمى منذ ولادته
2 فسأله تلاميذه قائلين يا معلم من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى
3 أجاب يسوع لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه
4 ينبغي أن اعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار يأتي ليل حين لا يستطيع احد
أن يعمل
5 ما دمت في العالم فانا نور العالم
6 قال هذا وتفل على الأرض وصنع من التفل طينًا وطلى بالطين عيني الأعمى
7 وقال له اذهب اغتسل في بركة سلوام الذي تفسيره مرسل فمضى واغتسل واتى بصيرًا
8 فالجيران والذين كانوا يرونه قبلًا انه كان أعمى قالوا أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي
9 آخرون قالوا هذا هو وآخرون انه يشبهه وأما هو فقال إني أنا هو
10 فقالوا له كيف انفتحت عيناك
11 أجاب ذاك وقال إنسان يقال له يسوع صنع طينًا وطلى عيني وقال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل فمضيت واغتسلت فأبصرت
12 فقالوا له أين ذاك قال لا أعلم
13 فأتوا إلى الفريسيين بالذي كان قبلًا أعمى
14 وكان سبت حين صنع يسوع الطين وفتح عينيه
15 فسأله الفريسيون أيضًا كيف أبصر فقال لهم وضع طينًا على عيني واغتسلت فأنا أبصر
16 فقال قوم من الفريسيين هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت آخرون قالوا كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات وكان بينهم انشقاق
17 قالوا أيضًا للأعمى ماذا تقول أنت عنه من حيث انه فتح عينيك فقال إنه نبي
18 فلم يصدق اليهود عنه انه كان أعمى فأبصر حتى دعوا أبوي الذي أبصر
19 فسألوهما قائلين أهذا ابنكما الذي تقولان انه ولد أعمى فكيف يبصر الآن
20 أجابهم أبواه وقالا نعلم أن هذا ابننا وانه ولد أعمى
21 وأما كيف يبصر الآن فلا نعلم أو من فتح عينيه فلا نعلم هو كامل السن أسالوه فهو يتكلم عن نفسه
22 قال أبواه هذا لأنهما كانا يخافان من اليهود لأن اليهود كانوا قد تعاهدوا أنه أن اعترف احد بأنه المسيح يخرج من المجمع
23 لذلك قال أبواه انه كامل السن اسألوه
24 فدعوا ثانية الإنسان الذي كان أعمى وقالوا له أعط مجدا لله نحن نعلم
أن هذا الإنسان خاطئ
25 فأجاب ذاك وقال أخاطئ هو لست اعلم إنما أعلم شيئًا واحدًا أني كنت أعمى والآن أُبصر
26 فقالوا له أيضًا ماذا صنع بك كيف فتح عينيك
27 أجابهم قد قلت لكم ولم تسمعوا لماذا تريدون
أن تسمعوا أيضًا ألعلكم انتم تريدون أن تصيروا له تلاميذ
28 فشتموه وقالوا أنت تلميذ ذاك وأما نحن فإننا تلاميذ موسى
29 نحن نعلم
أن موسى كلمه الله وأما هذا فما نعلم من أين هو
30 أجاب الرجل وقال لهم أن في هذا عجبًا أنكم لستم تعلمون من أين هو وقد فتح عيني
31 ونعلم
أن الله لا يسمع للخطاة ولكن أن كان احد يتقي الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع
32 منذ الدهر لم يسمع
أن أحدًا فتح عيني مولود أعمى
33 لو لم يكن هذا من الله لم يقدر
أن يفعل شيئًا
34 أجابوا وقالوا له في الخطايا ولدت أنت بجملتك وأنت تعلمنا فأخرجوه خارجًا
35 فسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجًا فوجده وقال له أتؤمن بابن الله
36 أجاب ذاك وقال من هو يا سيد لأؤمن به
37 فقال له يسوع قد رايته والذي يتكلم معك هو هو
38 فقال أومن يا سيد وسجد له
39 فقال يسوع لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون
40 فسمع هذا الذين كانوا معه من الفريسيين وقالوا له ألعلنا نحن أيضًا عميان
41 قال لهم يسوع لو كنتم عميانًا لما كانت لكم خطية ولكن الآن تقولون إننا نبصر فخطيتكم باقية

إن شفاء المولود أعمى يعلن عن شخص السيد أنه جاء يفتح البصيرة الداخلية، لكي يتعرف المؤمنون على أسرار الله. وفي نفس الوقت يفضح عمى القيادات المرائية المتعجرفة التي لم تستطع أن تكتشف عماها الروحي وخطاياها!

St-Takla.org Image: The man born blind - Jesus healing the blind man from birth - from "The People's Bible" book صورة في موقع الأنبا تكلا: المولود أعمى - السيد المسيح يسوع يشفي الأعمى منذ مولده - من كتاب "إنجيل الشعب"

St-Takla.org Image: The man born blind - Jesus healing the blind man from birth - from "The People's Bible" book

صورة في موقع الأنبا تكلا: المولود أعمى - السيد المسيح يسوع يشفي الأعمى منذ مولده - من كتاب "إنجيل الشعب"

ومع أهمية هذه الآية الفريدة من جهة خلق عيني مولود أعمى إلاَّ أن الإنجيلي لم يذكر لنا اسم الأعمى، ولا أورد تفاصيل كثيرة عنها إنما قدم الحوارات المتبادلة بخصوص هذه الآية، خاصة أحاديث السيد المسيح مع التلاميذ ومع الأعمى نفسه كما مع الفريسيين. فإن ما يشغل ذهن الإنجيلي ليس إبراز ما في الآية من عملٍ معجزي فائق، وإنما في تمتع البشرية بعمل المسيح الإلهي في حياتهم وأفكارهم.

لقد استخدم التراب في خلقة العينين ليؤكد أنه الخالق المخلص، أما طلبته من الأعمى أن يغتسل في بركة سلوام ليؤكد الحاجة إلى مياه المعمودية لننعم باستنارة الروح القدس خلال الميلاد الجديد. لقد طرد اليهود المتمتع بالاستنارة ليجد له موضعًا لدى السيد المسيح، مسيح المطرودين والمرذولين.

إن كان البعض من الشعب قد أدرك عماه وأيضًا كثير من الأمم فإن هذين الفريقين أفضل من الفريسيين الذين مع عماهم ادعوا أنهم مبصرون. بإدعائهم هذا صاروا في غباوة بلا رجاء، أما العشار والزانية فإذ اعترفا بعماهما انفتح أمامهما باب الرجاء ليتمتعا ببصيرة فائقة وينعما بالحياة الأبدية في المسيح يسوع.

 

خلال هذا العمل أمكن للبصيرة أن تتدرج في معرفة شخص ربنا يسوع:

+ إنسان يُدعى يسوع [11].

+ إنه نبي [17].

+ إنسان من عند اللَّه [33].

+ ابن الإنسان السماوي [35].

+ مستحق للسجود والعبادة بكونه الرب [38].

 

وفي هذا الفصل من الإنجيل نجد النقاط التالية:

* شفاء الأعمى

"وفيما هو مجتاز رأى إنسانًا أعمى منذ ولادته". [1]

إن كان السيد المسيح قد اجتاز في وسط القيادات اليهودية واختفى منهم لأنهم حملوا حجارة لكي يرجموه (8: 59)، نراه يجتاز بجوار أعمى مسكين يستعطي، فيتطلع إليه لا كما يتطلع الآخرون إليه، إنما بروح الحب والترفق. إنها صورة حية للسيد المسيح الذي رفضه اليهود المعتزين بالهيكل، ليسير كما في الشوارع يطلب الأمم. إنهم عاجزون عن رؤيته لأنهم بلا نبوات ولا شريعة إلهية ولا رموز؛ إنهم أشبه بالمولود أعمى، مكانه الطريق، فقير يستعطي في حالة بؤس. وكما يقول أيوب البار: "لِمَ يعطي لشقي نور، وحياة لمُريّ النفس" (أي 3: 20).

لم يذكر الإنجيلي أين كان مجتازًا ولا إلى أين يذهب، لكنه إذ كان مجتازًا كحامل للآلام رأى هذا المولود أعمى. وكان فقيرًا يستعطى، في مكانٍ معين، حيث يقدم له بعض المحسنين عطاءً لكي يعيش.

كان معروفًا في المدينة أنه مولود أعمى، ولم يسأله الشخص ولا من هم حوله، ولا حتى تلاميذ السيد من أجل تفتيح عينيه، ربما لأنه لم يتوقع أحد حدوث ذلك.

تطلع إليه ربنا يسوع لكي يجده الأعمى المسكين، وكما جاء في إشعياء: "أصغيت إلى الذين لم يسألوا، وُجدت من الذين لم يطلبونني. قلت هأنذا لأمة لم تُسمى باسمي" (إش 65: 1). بادر بالحب، فأحبنا قبل أن نعرفه، وكما يقول الرسول: "عُرفتم من الله" (غلا 4: 9).

يا معلم، من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى؟" [2]

خرج السيد المسيح من الهيكل (يو 8: 59)، وكان في رفقته تلاميذه الذين لم يتركوه في تجاربه، فتمتعوا بالتعرف عليه، ونالوا خبرات جديدة فائقة. لاحظوا أن عينيه تتطلعان إلى الأعمى المسكين، ولم تكن نظرات عادية، بل نظرات عمل مملوءة حبًا. فتحولت نظراتهم هم أيضًا إلى المولود الأعمى، وعوض السؤال من أجله لشفائه قدموا استفسارًا عن علة ميلاده أعمى.

وهنا يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:

+ إن قلت: من أين جاءوا بهذا السؤال؟ أجبتك: لما شفي السيد المسيح المفلوج قبلًا قال له: "ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضًا لئلا يكون لك أشر" (يو 5: 14). فهؤلاء إذ خطر ببالهم أن ذاك قد أصاب الفالج جسده لأجل خطاياه، إلا أن هذا القول لا ينبغي أن يُقال عن هذا الأعمى، لأن من مولده هو أعمى. فهل أخطأ والداه؟ ولا هذا القول يجوز أن يُقال، لأن الطفل لا يتكبد العقوبة من أجل أبويه.. لقد تحدث التلاميذ هنا لا ليسألوا عن معلومات قدر ما كانوا في حيرة.

لقد اعتقد البعض أن نفس الإنسان قد تكون أخطأت قبل أن تلتحف بالجسد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كما اعتقد العلامة أوريجينوس أن البعض يعانون آلامًا قبل أن يمارسوا خطأ بعد ولادتهم. ولعل البعض اعتمد على المنطق البشري لتبرير العدالة الإلهية، كيف يُولد أناس فقراء وآخرين أغنياء، أو يولد شخص حاد الذكاء وآخر ينقصه الذكاء، أو شخص قوي البنية وآخر مصاب بأمراض كثيرة. هذا وقد اعتمد البعض على تأكيد إمكانية ارتكاب الخطأ قبل الولادة مما قيل عن يعقوب وعيسو وهما في الرحم: "وتزاحم الولدان في بطنها" (تك 25: 22).

وجاء في كتابات الربيين عما يحل بالأبناء بسبب أخطاء الوالدين. قال أحدهم في التزام الرجل ألا يحملق في امرأة: "من يتطلع إلى عقب امرأة سيولد له أطفال معوقين". وقال آخر أن هذا يحدث لمن يعاشر زوجته أثناء الطمث. وقال آخر أن من يمارس العلاقات الزوجية أثناء وجود دم (فترة الطمث) سيكون له أطفال يعانون من مرض الصرع. وقد وردت أقوال مشابهة كثيرة تبرز في اقتناع الربيين بأن أخطاء الوالدين يُعاقبون عليها بتشوهات خلقية في أبنائهم، يعاني منها الأبناء مدى الحياة.

هذا يوضح أن ما قاله التلاميذ لم يكن من وحي خيالهم، بل كان تعليمًا راسخًا في أذهان الكثير من اليهود خلال تعاليم الربيين وكتاباتهم.

"أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه". [3]

عوض إدانة المولود أعمى أو والديه وجَّه السيد المسيح أنظار تلاميذه إلى عناية الله الفائقة وخطته الخفية، فقد سمح بالعمى لكن يهب هذا المولود أعمى البصيرة الروحية، ولكي يشهد للحق الإلهي أمام القيادات اليهودية العنيفة ويمجد الله.

لم يقل السيد المسيح أن هذا الأعمى لم يخطئ، ولا أيضًا أبواه لم يخطئا، فكل البشرية تسقط في الخطية. لكن ما يعاني منه هذا الأعمى ليس بسبب خطية معينة ارتكبها هو أو والداه. ما يليق بالتلاميذ كما بالمؤمنين أن ينشغلوا بأعمال الله وخطته نحو كل إنسان ليتمتع بالبصيرة الداخلية، ويتعرف على أسرار الله، وينال شركة المجد الأبدي.

يد الله عاملة على الدوام وسط الضيقات كما في الأفراح، تحت كل الظروف الله يريد خلاصنا. فالمؤمنون لم ينالوا وعدًا بألا تحل بهم ضيقات أو آلام كغيرهم من سائر البشر، إنما بالعكس يتعرضون لضيقات أكثر. لكن ما يعزيهم هو إدراكهم لخطة الله في كل شيء، وتمتعهم بالنعمة الإلهية التي لهم فيها كل الكفاية. هذا ما وعدنا به الله كما قيل لبولس الرسول: "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل".

لا يعرف المؤمن الشكوى وسط التجارب لأن عيناه مسمرتان على أبوة الله الحانية، وقلبه منفتح على إدراك خطة الله نحوه.

 لا يليق بالمؤمن وقد أدرك أسرار الله الفائقة أن يدين أحدًا أو يحسب ما يحل بالآخرين عقوبة إلهية لخطايا خفية، إذ يستخف بهم حتى وإن كانت خطاياهم ظاهرة. لقد سقط اليهود في ذلك فحسبوا البار، الذي بلا خطية، أنه يتألم ويُصلب عن شر أو تجديف ارتكبه. يقول المرتل: "لأن الذي ضربته أنت هم طردوه، وبوجع الذين جرحتهم يتحدثون".

ويقول إشعياء النبي: "نحن حسبناه مُصابًا مضروبًا من الله ومذلولًا، وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبحُبره شُفينا" (إش 53: 4-5).

"ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني مادام نهار، يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل". [4]

كانت لحظات حاسمة حين تطلع رب المجد يسوع إلى المولود أعمى. إنها ليست لحظات لشفاء عيني المولود أعمى فحسب، وإنما للكشف عن شخص السيد المسيح أنه نور العالم واهب البصيرة الداخلية، ومع هذا لم يستطع أحد أن يكتشف ما وراء هذا العمى. لم يكن ممكنًا حتى تلك اللحظات لتلاميذ السيد المسيح أن يقرأوا ويفهموا كتاب العناية الإلهية، لكنه جاء الوقت فيما بعد لإدراك هذا السرّ الإلهي، وللتعرف علي العمل الإلهي الفائق.

إنه لم يتقدم للعمل لإبراز قدرته على صنع عجائب، وإنما ليمارس أعمال أبيه الذي أرسله. لم يقل أمارس الأعمال التي أمرني بها أبي، وإنما يمارس ذات أعمال أبيه. ويلاحظ هنا الآتي:

أولًا: جاء إلى العالم لمهمة عمل، يحقق إرادة أبيه في طاعة كاملة كابن الإنسان، وهي ذات إرادة الابن. لهذا فمن يطيع، إنما يشارك مسيحنا طبيعة الطاعة.

ثانيًا: يمارس ذات عمل الآب، وهذا ما يؤكده السيد المسيح في إنجيل يوحنا في وحدة العمل الإلهي، كما سنرى في عبارات قادمة واضحة.

ثالثًا: بروح الحب للبشرية والطاعة والوحدة مع الآب يجد مسرة في تحقيق هذا العمل، بل والتزام محبة، إذ يقول: "ينبغي أن أعمل".

رابعًا: يعمل مادام نهار قبل أن يتحرك اليهود بالحقد والكراهية لقتل السيد المسيح. فترة خدمته هي فرص للعمل الظاهر حتى وإن كان الوقت سبتًا. هذه دعوة لنا للتحرك بالعمل، وانتهاز كل ساعات عمرنا لئلا ينتهي نهار عمرنا ولا نحقق رسالتنا. لقد وهبنا الله النهار للعمل (مز 104: 22-23)، لذا يليق بنا ألا نلهو في نهار عمرنا ولا نفسده، بل نجاهد في طاعة لله أبينا حتى متى حل المساء صار لراحتنا.

خامسًا: يدعونا نحن أيضًا أن نعمل به ومعه، وكما يقول الرسول: "العاملان مع الله" (1 كو 3: 9). ففي العمل معه راحة وكرامة ومجد، نشترك معه في العمل مادمنا في الحياة قبل أن يحل الليل.

هكذا إذ يوجه السيد المسيح حديثه إلى غير المؤمنين يحسب حياتهم هنا نهارًا إن قورنت بحياتهم في العالم المقبل. الآن وقت يمكن لهم أن يتمتعوا بنور شمس البرٍّ في أعماقهم بالإيمان الحي والتوبة الصادقة؛ أما في العالم العتيد فتحيط بهم الظلمة، حيث لا مجال للرجوع إلى المخلص وتقديم توبة. أما الرسول بولس فيوجه حديثه إلى المؤمنين حاسبًا حياتهم الماضية ليلًا حيث كانوا يسلكون في أعمال الظلمة، وقد حان وقت الرحيل إلى العالم المقبل حيث يتمتعون بنور المسيح الأبدي، الذي أمامه تحسب الحياة هنا أشبه بليلٍ دامس.

"مادمت في العالم فأنا نور العالم". [5]

يعمل السيد المسيح مادام الوقت نهار، أي مادام يمكننا أن نتمتع بأعماله الخلاصية، لأنه إذ ينتهي النهار ويحل ليل القبر لا يمكن الانتفاع بعد بأعماله، حيث لا مجال لتوبتنا ورجوعنا إليه. في نهار حياتنا يشرق علينا بكونه "نور العالم"، شمس البرّ الذي ينير نفوسنا وأذهاننا وكل أعماقنا.

سبق فأعلن أن عمله هو إشراق نوره على الجالسين في الظلمة (يو 8: 12)، فهو شمس البرّ واهب الاستنارة والشفاء خلال أشعة حبه أو تحت جناحيه. كرأس للكنيسة يحول مؤمنيه إلى "نورٍ للعالًم" ليس لهم إلاَّ أن يحترقوا بنار الحب الإلهي من أجل الآخرين.

"قال هذا وتفل على الأرض، وصنع من التفل طينًا، وطلى بالطين عيني الأعمى". [6]

طريقة شفاء المولود أعمى فريدة، فمن المعروف أن الطين يفسد العين السليمة، فكيف يصنع من التفل طينًا ليطلي به عيني المولود أعمى؟ ولماذا لم ينتظر ليشفيه خفية حتى لا تهيج القيادات الدينية؟ وأيضًا لم ينتظر حتى يعبر السبت ليشفيه؟

أولًا: يؤكد السيد المسيح أنه يتمم عمله بحسب فكره الإلهي وليس حسب رغبتنا ووسائلنا البشرية.

ثانيًا: ما يشغله هو وهب الأعمى بصرًا لعينيه، وبصيرة لقلبه، دون اهتمام بمقاومة القيادات اليهودية له.

ثالثًا: لم ينتظر حتى يعبر السبت، لأن السبت هو يوم الراحة، فتستريح نفس المسيح بالعمل الإلهي واهب الاستنارة والراحة للغير.

رابعًا: يقدم نفسه مثلًا ألا نؤجل عمل الخير إلى الغد، بل ننتهز كل فرصة لنسرع إلى عمل الخير لئلا لا توجد هذه الفرصة في الغد.

خامسًا: صنع من التفل طينًا وطلى عينيه بيديه، ليؤكد أن سرّ القوة في المسيح نفسه، وفي عمل يديه. كل ما يصدر عن المسيح فيه قوة وحياة واستنارة، فإن يده قديرة.

"وقال له: اذهب اغتسل في بركة سلوام الذي تفسيره مرسل، فمضى واغتسل وأتى بصيرًا". [7]

سلوام: تدعى أيضًا شيلوه Siloo, Siloe, Shilooh، وهي عبارة عن ينبوع كان تحت حصون أورشليم نحو الشرق، ما بين المدينة وجدول مياه قدرون. يرى البعض أن سلوام هي بنفسها عين روجل الواردة في (يش 15: 7؛ 18: 6؛ 2 صم 17: 17؛ 1 مل 1: 9). كانت مياه هذا الينبوع تجمع في مخزن عظيم لاستخدام المدينة، وكان يصدر عنه مجرى ماء يغذي بركة بيت صيدا.

كانت هذه البركة تستمد المياه من ينبوع صادر عن جبل صهيون، فكانت مياه الهيكل "نهر سواقيه تفرح مدينة الله مقدس مساكن العلي" (مز 46: 4). إنها مياه حية شافية (حز 47: 9).

"الذي تفسيره مرسل"، إذ الاسم مشتق من العبرية Shalach وتعني "أرسل"، إما لأنهم كانوا يتطلعون إلى هذا الينبوع كعطية مرسلة من قبل الله لأجل استخدام مياهه في المدينة، أو لأن مياهها كانت تُرسل خلال قنوات أو أنابيب إلى جهات متباينة. يرى البعض أن الاسم يشير إلى نبوة يعقوب ليهوذا عن مجيء السيد المسيح من نسله: "حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع الأمم" (تك 49: 10)، فهي رمز للسيد المسيح المُرسل من قبل الآب لإنارة النفوس وشفائها.

كان السيد المسيح يُدعى المُرسل، إذ هو رسول العهد (ملاخي 3: 1)، ويكرر السيد في إنجيل يوحنا أن الآب قد أرسله. هكذا إذ يدعو الأعمى أن يذهب إلى بركة سلوام أو المرسل، إنما يدعو كل نفس تحتاج إلى الاستنارة أن تذهب إليه، إذ هو المُرسل الذي يطهر الإنسان من الخطية، ويشرق بنوره عليه، فيتمتع بالمعرفة السماوية، ولا تعود للظلمة موضع فيه.

 تمتع المولود أعمى بالبصر الذي لم يتمتع به قبلًا، وكأنه قد نال ميلادًا جديدًا يختلف عن مولده السابق. بركة سلوام كانت تشير إلى مياه المعمودية التي تهب مع التطهير وغفران الخطايا استنارة داخلية.

كانت المياه تشير إلى العصر المسياني أو مملكة بيت داود: "لأن هذا الشعب رذل مياه شيلوه الجارية بسكوت.." (إش 8: 6).

عاد الأعمى بصيرًا، يرى ما لا يُرى، مسبحًا بكل كيانه ذاك الذي وهبه الاستنارة. وكما قيل بإشعياء النبي: "صوت مراقبيك يرفعون صوتهم، يترنمون معًا لأنهم يبصرون عينًا لعين عند رجوع الرب إلى صهيون" (إش 82: 8).

+ غسل عينيه في تلك البركة التي تفسيرها "مرسل". إنه اعتمد في المسيح. لذلك إذ عمده بطريقة ما فيها استنارة، وعندما مسحه (بالطين) ربما جعله موعوظًا.

يرى القديس أغسطينوس في صنع الطين بالتفل إشارة إلى أن الكلمة صار جسدًا.

 

بعد هذا دارت حوارات عده نقتصر هنا بذكرها فقط لعدم الإطالة علي القارئ:

أ. حوار بين الجيران والأعمى

ب. حوار بين الفريسيين والأعمى
ج. حوار بين الفريسيين ووالدي الأعمى

د. حوار ثان بين الفريسيين والأعمى

ه. حوار بين المسيح والأعمى

"فسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجًا، فوجده وقال له: أتؤمن بابن الله؟" [35]

واضح أن السيد المسيح كان كمن يبحث عنه ليجده. وجده حين طرده الفريسيون، وحرموه من حقه كعضوٍ في شعب الله. وربما خشي والداه من إيوائه لئلا يكون مصيرهم كمصيره. وجده إله المطرودين والمرذولين وأب الأيتام وقاضي الأرامل، والمهتم بمن ليس لهم من يسأل عنه.

قوله: "أتؤمن بابن الله؟" يعادل القول: "أتؤمن بالمسيا"، لأن هاتين السمتين لا تنفصلان (يو 1: 34، 49؛10: 36؛ مت 16: 16؛ مر 1: 1).

يرى هنا القديس يوحنا ذهبي الفم أن السيد المسيح وقد رأى في الأعمى حبه للحق وشجاعته وهبه الشوق إليه قبل أن يعلن ذاته له. هكذا كل من يطلب الحق في جدية ولا يخشى الباطل يجتذبه الحق إليه بالحب ثم يعلن ذاته له فيقول.

+ الذين يعانون من الأمور المرعبة والشتائم بسبب الحق والاعتراف بالمسيح هؤلاء يكرمون على وجه الخصوص..

لقد أخرجه اليهود خارج الهيكل، ورب الهيكل وجده.

لقد عُزل من الصحبة المهلكة، والتقى بينبوع الخلاص.

أهانه الذين أهانوا المسيح، فكرمه رب الملائكة.

هكذا هي مكافآت الحق.

ونحن أيضًا إن تركنا ممتلكاتنا في هذا العالم نجد ثقة في العالم العتيد.

إن صرنا هنا في ضيق نجد راحة في السماء، وإن شُتمنا من أجل الله نُكرم هنا وهناك.

 "أجاب ذاك وقال: من هو يا سيد لأومن به". [36]

واضح أنه لم يره من قبل، وإن كان قد سبق فسمع صوته عندما أمره بالذهاب إلى بركة سلوام ليغتسل. لقد اكتشف أنه هو الذي شفاه فآمن به.

لم نسمع عن حوارٍ تم بين السيد المسيح والأعمى قبل شفائه، كما حدث مع مفلوج بيت حسدا. يبرر البعض ذلك بأن الأعمى لم يكن بعد قد رأى المسيح، وربما بسبب فقره الشديد وانشغاله بالاستعطاء لم يتحدث معه أحد عن السيد المسيح وأعماله الفائقة. لهذا لم يقل له السيد: "أتريد أن تبرأ؟" كما قال للمفلوج. حينما حُرم الأعمى من الصداقات البشرية وعانى من الشعور بالنقص كما بالشعور بالعزلة، جاءه السيد المسيح يشبع احتياجاته، ويملأ أعماقه بالحب الإلهي.

"فقال له يسوع: قد رأيته، والذي يتكلم معك هو هو". [37]

لا يحتاج أن يذهب الإنسان بعيدًا ليلتقي معه، فإنه قريب جدًا. وكما يقول الرسول بولس: "لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء، أي ليحدر المسيح، أو من يهبط إلى الهاوية، أي ليصعد المسيح من الأموات، لكن ماذا يقول: الكلمة قريبة منك" (رو 10: 6-7).

فتح السيد المسيح عينيه لكي ينظر إليه الأعمى ويراه. إن كان تفتيح العينين قد أبهجا هذا الأعمى، فإن رؤيته لابن الله أعظم جدًا من تمتعه بالعينين الجسديتين. رؤيته لابن الله أبهجت قلبه أكثر من كل أنوار العالم. وها نحن بالإيمان نتمتع بالبصيرة الداخلية، فننعم برؤية السيد المسيح، وندرك سرّه كابن الله الوحيد الجنس. حقًا يستطيع أن يترنم مع المرتل قائلًا: "بنورك يا رب نعاين النور".

"فقال أومن يا سيد وسجد له". [38]

بقوله "أؤمن" عني "أؤمن أنك المسيا"، مقدمًا دليلًا على صدق إيمانه، أنه سقط وسجد أمامه. لم يره من قبل، ووجد مقاومة شديدة ضده من السلطات الدينية، لكنه إذ اختبر بنفسه تفتيح عينيه آمن بلاهوته وسجد له، ممجدًا إياه كمخلصٍ له. لقد انفتحت بصيرته الداخلية، وتعرف على أسرارٍ إلهية لم يكن ممكنًا لأعضاء مجمع السنهدرين أن يدركوها ويؤمنوا بها.

آمن الأعمى واعترف بالسيد المسيح، ولم يكن محتاجًا إلى حوارٍ، إذ تمتع بعمله الإلهي العجيب وبالبصيرة الروحية. ًآمن بقلبه واعترف بلسانه أمام الرب والناس، حتى أمام المقاومين. هكذا صارت القصبة المرضوضة شجرة مغروسة على مجاري الروح مملوءة ثمرًا.

"سجد له"، إذ لم يقدم له تكريمًا كما لإنسان ليعبر عن شكره له، لكنه قدم له سجودًا لائقًا بالعبادة لله. هكذا عبَّر عن إيمانه بالشهادة العلنية دون خوف، والعبادة لله بروح التواضع. لم يروِ لنا الإنجيلي يوحنا لنا شيئًا عن هذا الأعمى بعد هذا السجود، إنما ما هو واضح من قول السيد أنه صار مبصرًا، يتبع النور ويحيا فيه.

سجد الأعمى أمام السيد المسيح، غالبًا في حضرة الفريسيين؛ عندئذ قدم السيد المسيح أمامهم تعليقًا عما تثمره خدمته الإلهية في هذا العالم. ويظن البعض أن هذا الحديث جاء في لقاء آخر مع الفريسيين ليس بعد سجود الأعمى مباشرة.

جاء إلى العالم كمخلصٍ وليس كديانٍ، لكن إذ يرفض الأشرار غير المؤمنين عمله يسقطون تحت الدينونة. خدمته الإلهية أقامت من البشرية فريقين: فريق يعترف بعماه فيؤمن ويقبل النور، وآخر يظن أنه مبصر فيرفض الإيمان ويبقى في ظلمته، وتصير أعمال المسيح دينونة عليهم. هكذا ينقسم العالم إلى مؤمنين وغير مؤمنين، وهذا هو الخط الواضح في أكثر أحاديث السيد المسيح في هذا السفر. صارت أعمال المسيح الخلاصية أو إنجيله حياة لحياة، ويحمل رائحة موت لموت. أشرق على الأمم نور عظيم يهبها حياة وأطلقها من الأسر (إش 61: 1)، وأصيب إسرائيل في كبريائه بالعمى فألقي بنفسه في دائرة الموت.

فليعطنا الرب بصيرة روحيه لنراه بعيون قلبنا ونمشي ورائه مقتفيين أثار رجليه لندخل معه ونتمتع بملكوته الأبدي ونكون معه كل حين، ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد أمين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/great-lent-readings/sunday-6.html

تقصير الرابط:
tak.la/6qjr74g