تدور فصول هذا اليوم جميعها حول موضوع واحد هو "قصاص الإيمان" أي الهلاك الذي يحل بمن لا يؤمنون، فالنبوة الأولى تتكلم عن قيود الله للمؤمنين كما أوصى الشعب الإسرائيلي قديمًا إذا ما دخلوا أرض الموعد أن يهدموا الأصنام، ويذبحوا في موضع خاص، ويمتنعوا عن أكل الدم، والثانية عن إثبات قوة الإيمان لهم كما أثبتها إيليا لأرملة صرفة صيدا بإقامة إبنها من الموت ؛ والثالثة عن تحذيرهم من الآلهة الغريبة وعبادتها التي يسميها الكتاب زنا كما أوصى الحكيم في سفر الأمثال بضرورة الابتعاد عن الزانية. أما تسمية عبادة الآلهة الغريبة زنا فورد في مواضع كثيرة من الكتاب منها وصية الله لبني إسرائيل ألا يزوجوا أولادهم من بنات يعبدون آلهة غريبة حتى لا " يجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهن " (خر 34: 16)، ووصيته لهم أيضا أن يقدموا ذبائحهم عند باب الخيمة ولا يذبحوها "للتيوس التي هم يزنون وراءها" (لا 17: 7)، وكذلك شكواه منهم حينما عبدوا الآلهة الغريبة أيام القضاة وفيها يقول " ولقضائهم لم يسمعوا بل زنوا وراء آلهة أخرى وسجدوا لها" (قض 2: 17)؛ والنبوة الرابعة تتكلم عن مواعيده لهم كما وعدهم على لسان إشعياء بأن يكون معهم فلا يمسهم سوء ؛ والخامسة عن تحذيره لهم من البر الذاتي كما حنق اليهود على أيوب وأصدقائه لاعتقادهم في برهم الذاتي.
ويعدهم المخلص في إنجيل باكر بملكوته إن حفظوا وصاياه كقوله لأحد الكتبة الذي أقر بأن أولى الوصايا هي محبة الله من كل القلب "لست بعيدًا عن ملكوت الله"، ويتوعدهم في إنجيل القداس بالهلاك إن لم يؤمنوا به كما توعد اليهود بقوله إنهم إن لم يؤمنوا به يموتون في خطيتهم.
ويبين لهم الرسول في البولس أن الله يؤدبهم ليمنحهم ثمر البر للسلام؛ ويعزيهم بطرس الرسول في الكاثوليكون مناشدًا من يتألم منهم أن يستودع نفسه للخالق مستمرًا على مباشرة الخير ؛ ويوصى الإبركسيس الرعاة بوجوب افتقادهم دائمًا كما قرر بولس وبرنابا ضرورة ذلك.
5 وقد نسيتم
الوعظ الذي يخاطبكم كبنين يا ابني لا تحتقر تاديب الرب ولا تخر اذا وبخك
6 لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل إبن يقبله
7 إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فاي إبن لا يؤدبه أبوه
8 ولكن إن كنتم بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه فأنتم نغول لا بنون
9 ثم قد كان لنا أباء اجسادنا مؤدبين وكنا نهابهم افلا نخضع بالأولى جدًا لأبي
الأرواح فنحيا
10 لأن اولئك ادبونا أيامًا قليلة حسب استحسانهم واما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك
في قداسته
11 ولكن كل تاديب في الحاضر لا يرى انه للفرح بل للحزن واما أخيرًا فيعطي الذين
يتدربون به ثمر بر للسلام
12 لذلك قوموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة
13 وإصنعوا لأرجلكم مسالك مستقيمة لكي لا يعتسف الأعرج بل بالحري يشفى
14 اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى احد الرب
15 ملاحظين لئلا يخيب احد من نعمة الله لئلا يطلع اصل مرارة ويصنع انزعاجا فيتنجس
به كثيرون
16 لئلا يكون احد زانيًا او مستبيحًا كعيسو الذي لأجل اكلة واحدة باع بكوريته
لما كان "كهنوت المسيح" هو الموضوع الرئيسي لهذه الرسالة، حيث يقدم لنا الرسول السيد المسيح بكونه رئيس الكهنة الأعظم، جالسًا عن يمين الآب في السماء بكونها قدس الأقداس، يشفع فينا بدمه، ليدخل بنا إلى حضن أبيه، فقد ختم حديثه مؤكدًا أن هذه الشفاعة العجيبة لا توهب للمتكاسلين والمتراخين. لهذا بعد أن حدثنا عن الإيمان مقدمًا لنا أمثلة حية لرجال الإيمان، صار يحدثنا حديثًا مباشرًا عن التزامنا الحيّ، الذي بدونه لن ننعم بعمل السيد المسيح الكفاري.
"لِذَلِكَ نَحْنُ أَيْضًا إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هَذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ" [1].
إذ يحيط بنا الضعف فيمثل ثقلًا على النفس، تهاجمنا الخطية من كل جانب، لهذا يليق بنا أن نجاهد بغير انقطاع متطلعين إلى سحابة الشهود المحيطة بنا فنتمثل بهم في شهادتهم للحق. هذه السحابة هي "لنا" ليس فقط كمثالٍ نقتدي به لكنها "لنا" تسندنا بالصلاة لحسابنا.
يشبه الرسول القديسين بالسحابة لأنها مرتفعة إلى فوق، تتحول إلى مطرٍ لتروي الأرض. هكذا المؤمن الحقيقي يحيا في السماويات لكنه لا يتجاهل النفوس الضعيفة الملتصقة بالأرض والتي لها طبيعة التراب، إنما يصلي من أجلها لكي يستخدمه الله كمطر يروي الأرض بالبركات العلوية، فتأتي بثمر روحي كثير.
حينما يتحدث السيد المسيح عن مجيئه الأخير يؤكد أنه سيأتي على السحاب، وكأنه يأتي الرب جالسًا في قديسيه، السحاب الروحي المحيط به والحامل إياه. لنحيا كسحاب يطلب السماويات، دون تجاهل للأرض فنحمل ربنا يسوع فينا ونعلنه من يومٍ إلى يوم حتى يتجلى فينا بالكمال يوم مجيئه الأخير!
لكي تكون لنا شركة مع "السحابة من الشهود" التي لم يستطع الرسول أن يحدد قياسها، قائلًا: "مقدار هذه"، ولكي نصير نحن أنفسنا جزءًا لا يتجزأ من هذه السحابة الإلهية يلزمنا أن "ِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا"، الأمور التي تفسد طبيعتنا وتحرمنا من التمتع بالخلقة الجديدة التي صارت لنا في المعمودية. ففي سفر إشعياء يتحدث النبي عن السيد المسيح القادم من مصر على سحابة خفيفة وسريعة (19: 1 - الترجمة السبعينية)، هذه التي تشير إلى السيدة العذراء عند هروبها إلى مصر حاملة السيد المسيح في حضنها، كما يقول القديس كيرلس الكبير، وفي نفس الوقت تشير إلى كل نفسٍ نقية وورعة تحمل يسوعها في داخلها وتسير به كسحابة سريعة خفيفة، لا يهدم ثقل الخطية طبيعتها ويعوق مسيرتها.
"َلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ. فَتَفَكَّرُوا فِي الَّذِي احْتَمَلَ مِنَ الْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هَذِهِ، لِئَلاَّ تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ" [1-3].
إن كانت شهادة القديسين هي عون لنا في جهادنا، نمتثل بهم وننتفع بصلواتهم، مقاومين كمن في حلبة صراع لنلقي عنا كل ثقل أرضي وخطية محيطة بنا لنرتفع مع السحابة الإلهية إلى فوق، ويكون لنا شرف حمل الرب في داخلنا. فإن آلام السيد المسيح من أجلنا حتى الموت موت الصليب هي ينبوع نعم إلهية تسندنا في هذا الجهاد؛ دعا الرسول السيد المسيح "رئيس الإيمان ومكمله"، فهو قائد المؤمنين في طريق الكمال الوعر، يدخل بهم إلى نفسه، لكي يعبر بهم من مجدٍ إلى مجد، فينعمون بالكمال أمام الآب خلال إتحادهم به.
فآلام الصليب لا تُحتمل، وخزيه مرّ، لكنه في عيني السيد المسيح هو موضوع سرور وفرح، إذ يراه الطريق الذي به يحملنا إلى قيامته، ليجلسنا معه وفيه عن يمين العرش الإلهي. بالمسيح يسوع ربنا نفرح بالألم -بالرغم من مرارته القاسية- إذ نرى طريق الأقداس مفتوحًا أمامنا. احتمل السيد آلامه من أجلنا نحن الخطاة وليس من أجل نفسه، فكم بالحري يليق بنا أن نقبلها من أجل نفوسنا، خاصة وأننا نتقبلها في المسيح المتألم!
"لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ" [4].
لم يقدم لنا الرسول هذه الوصية الخاصة بالجهاد الروحي حتى النهاية إلاَّ بعد أن قدم لنا أمثلة عملية وحية لمؤمنين مجاهدين من آباء بطاركة وأنبياء وقضاه وملوك، وأوضح لنا إمكانية الجهاد، إذ نحن محاطون بسحابة الشهود العاملين معنا، وفوق الكل أوضح عمل السيد المسيح المصلوب في حياتنا. لقد قبل الآلام بسرور مستهينًا بخزي الصليب، الأمر الذي يجعل جهادنا الروحي حتى الموت مقبولًا ومفرحًا.
مادمنا أولاد الله، فإن الله يسمح لنا بالتجارب والضيقات أثناء الجهاد على الأرض، لا للانتقام ولا للدينونة وإنما لمساندتنا. فهو يعيننا لا بلطفه بنا فحسب خلال الترفق، وإنما أيضًا بتأديبنا لأجل نفعنا الروحي. فالضيقة بالنسبة للمؤمن الحقيقي المجاهد قانونيًا هي علامة حية لاهتمام الله به من أجل بنيانه.
"وَقَدْ نَسِيتُمُ الْوَعْظَ الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ كَبَنِينَ: يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ، وَلاَ تَخُزْ إِذَا وَبَّخَكَ. لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ" [4-6].
يقارن الرسول بين التأديب الذي نخضع له من آبائنا في الجسد والتأديب الذي يقع علينا من أبينا السماوي موضحًا النقاط التالية:
أولًا: أن التأديب يُعطي للآباء الجسديين مهابتهم، فالطفل يهاب والده بكونه المُرَبِّي الحازم؛ "ثُمَّ قَدْ كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ، وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلاَ نَخْضَعُ بِالأَوْلَى جِدًّا لأَبِي الأَرْوَاحِ، فَنَحْيَا؟" [9]. هنا يؤكد الرسول عنصرًا هامًا وهو "المخافة الأبوية" فإننا وإن كنا أبناء الله، بذل الله أبونا ابنه الوحيد فدية عنا، وارتفع الابن عن يمينه ليشفع فينا، هذا يبعث فينا الدالة القوية لدى الله، فإن التأديب يهب الابن مخافة نحو أبيه تمتزج بالدالة، حتى لا تتحول الدالة إلى استهتار. لكن شتان بين المخافة التي تنطلق في قلب الابن والمخافة الممتزجة بالرعب في قلب الأجير أو العبد. الابن يخاف أباه لئلا يجرح مشاعره ويسيء إلى أبوته، أما الأجير فيخاف لئلا يُحرم من الأجرة، والعبد يخاف من العقاب.
ثانيًا: آباؤنا الجسديون يؤدبوننا أيامًا قليلة حسب استحسانهم [10]، مشتاقين أن يروننا ناجحين في هذا الزمان الحاضر، نحقق أمنياتهم الزمنية فينا، أما الله فيؤدب لهدف أعظم: لأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته. هذه هي غاية تأديبه لنا، إذ يود أن يرانا شركاء في حياته المجيدة، نحمل سماته فينا، نتشبه به. هذه هي غاية الله من الإنسان، أن يراه كابن يحمل صورة أبيه.
ثالثًا: " كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ" [11]. فالابن يئن تحت ألم التأديب، لكن متى بلغ النضوج أدرك أن التأديب هو سرّ نجاحه وبهجة قلبه الأكيدة. هكذا تأديب الله لنا يقدم لنا في البداية نوعًا من الحزن، لكنه في نفس الوقت يهب ثمر برّ السلام. به ندخل إلى برّ المسيح المجاني فيمتلئ قلبنا سلامًا فائقًا.
أحد العناصر الهامة في الجهاد الروحي هو مساندة الأعضاء بعضها لبعض، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فالحياة مع الله وإن كانت تمثل علاقة شخصية خفية بين الله والمؤمن لكن ليس في فردية منعزلة، إنما هي حياة شركة بين الله وكنيسته الواحدة. كل عضو يسند أخاه في الرب، لكي يتشدد الكل معًا كعروسٍ واحدة. يقول الرسول: "لِذَلِكَ قَّوِمُوا الأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ وَالرُّكَبَ الْمُخَلَّعَةَ" [12]. ويعلق علي ذلك القديس يوحنا ذهبي الفم قائلًا: [ليس شيء يجعل البشر ينهزمون سريعًا في التجارب وينهارون مثل العزلة، فإن العدو لا يقلق في سبيهم وأسرهم كفرادى.]
الآخرون بالنسبة لك كما يشبههم الرسول هم الأيدي والركب، فإنك لا تستطيع أن تقاوم العدو الشرير إبليس إن كانت الأيدي مسترخية والركب مخلعة، فكل مساندة من جانبك لأخيك إنما هي مساندة لك أنت شخصيًا لأنه يمثل يديك وركبك! لهذا لا عجب إن ضعف الرسول بولس مع كل ضعيف، والتهب قلبه محترقًا مع عثرة كل إنسان، ويفرح ويتهلل مع توبة الغير!
تقويم الأيادي المسترخية والركب المخلعة لا يكون بمساندة الآخرين بالكلمات النظرية وإنما بالحياة العملية الداخلية والسلوك الروحي الحيّ، إذ يكمل الرسول قائلًا: "اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ. مُلاَحِظِينَ لِئَلاَّ يَخِيبَ أَحَدٌ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ. لِئَلاَّ يَطْلُعَ أَصْلُ مَرَارَةٍ وَيَصْنَعَ انْزِعَاجًا، فَيَتَنَجَّسَ بِهِ كَثِيرُونَ" [14-15].
هنا يركز الرسول على سمتين هامتين في الجهاد، تسندان النفس وتعينا الآخرين، هما إتباع السلام مع الجميع والتمتع بالحياة المقدسة.
إذ أراد الرسول تأكيد فاعلية وصية العهد الجديد وبركات الملكوت الجديد قارن بين طريق استلام الناموس في العهد القديم على يديّ موسى النبي على جبل سيناء وتقبل الكلمة الإلهي ذاته في العهد الجديد.
أولًا: عندما تسلم موسى الناموس اضطرم الجبل الملموس بالنار بطريقة مادية واضحة وظلام وحدثت زوبعة وهتاف بوق وصوت كلمات، الأمر الذي جعل الشعب يستعفي من السماع لله مباشرة، ولم يكن ممكنًا حتى للحيوانات أن تقترب من الجبل وإلا رُجمت أو رُميت بالسهام دون أن يلمسها أحد! هكذا كانت العلاقة بين الله والإنسان مرعبة وغامضة، أما في العهد الجديد فلا نرى شيئًا من هذا إذ التحم كلمة الله بنا خلال تجسده فلم يعد هناك رعب ولا غموض. هذه الأمور التي ظهرت مع استلام الناموس تكشف عن سماته؛ فالنار تشير إلى عقاب العصاة الرهيب، والضباب والظلام علامة الغموض وعدم الكشف عن الحق في كماله وإنما خلال الظل والرمز.
ثانيًا: لم تقف حالة الرعب عند الشعب وإنما مست موسى النبي نفسه، إذ "قَالَ مُوسَى: أَنَا مُرْتَعِبٌ وَمُرْتَعِدٌ!" [21]. أما الآن فالكلمة قريبة منا، في داخل القلب، إذ دخل "الكلمة الإلهي" في حياتنا، وصار له مسكنًا فينا.
ثالثًا: عند استلام الشريعة الموسوية كان الشعب في البرية عند سفح الجبل، وكأن الناموس قد عجز عن أن يقدم للشعب الحياة السماوية المرتفعة، ويدخل بهم إلى أورشليم العليا، أرض الموعد. أما في العهد الجديد، فدخل بنا كلمة الله إلى السماوات عينها، وجعل منا محفل ملائكة: "بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ: أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، وَكَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ" [22-24].
21 قال لهم يسوع
ايضا انا امضي وستطلبونني وتموتون في خطيتكم حيث امضي انا لا تقدرون انتم ان
تاتوا
22 فقال اليهود العله يقتل نفسه حتى يقول حيث امضي انا لا تقدرون انتم ان تاتوا
23 فقال لهم انتم من اسفل اما انا فمن فوق انتم من هذا العالم اما انا فلست من هذا
العالم
24 فقلت لكم انكم تموتون في خطاياكم لانكم ان لم تؤمنوا اني انا هو تموتون في
خطاياكم
25 فقالوا له من انت فقال لهم يسوع انا من البدء ما اكلمكم ايضا به
26 ان لي اشياء كثيرة اتكلم واحكم بها من نحوكم لكن الذي ارسلني هو حق وانا ما
سمعته منه فهذا اقوله للعالم
27 ولم يفهموا انه كان يقول لهم عن الاب
"قال لهم يسوع أيضًا:أنا امضي وستطلبونني،
وتموتون في خطيتكم، حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا". (21)
يقدم السيد المسيح تحذيرًا لغير المؤمنين، بأن جحودهم يدفعهم إلى الهلاك الأبدي. وكما يقدم السيد كلمات النعمة المشجعة لصغار النفوس، يقدم تحذيرات مرعبة للجاحدين قبل فوات الأوان. وكما قال: "يشبهون أولادًا جالسين في السوق ينادون بعضهم بعضًا ويقولون: زمرنا لكم فلم ترقصوا، نحنا لكم فلم تبكوا" (لو 7: 32). هكذا كثيرًا ما يفتح الرب باب الرجاء بالكلمات الطيبة اللطيفة، كما يستخدم التحذيرات الشديدة ليحفظهم من السقوط أو يقوموا مما سقطوا فيه.
"أنا أمضي": لقد طلبوا منه أن يمضي عنهم، فإنهم لا يطلبونه، ولا يريدون أن يسمعوا كلماته. وها هو يخبرهم أنه سيمضي، وبمضيه عنهم لا يجدون الحياة بل يموتون في خطيتهم. حين يحل بهم الضيق يطلبون عون المسيا المرفوض منهم والذي صلبوه فلا يجدونه حسب هواهم. يرفضونه ليطلبوا مسحاء كذبة لا يقدمون الحياة بل الغضب الإلهي.
"خطيتكم" جاء في اليونانية بالمفرد لا الجمع، إذ يركز على خطية الجحود ورفض السيد المسيح. هذا ويلاحظ أن الإنجيلي يوحنا قد ركز أنظارنا على السيد المسيح كمخلص العالم كرر أكثر من غيره من الإنجيليين فعل "يموت" واسم "خطية". فذكر فعل "يموت" 28 مرة بينما ورد في متى 5 مرات، ومرقس 9 مرات، ولوقا 10 مرات، ولم ترد بهذه الكثرة في أي سفر في العهد الجديد، إنما جاء في الرسالة إلى رومية 23 مرة. أما كلمة "خطية" فوردت 17 مرة في هذا الإنجيل بينما وردت 7 مرات في متى، 6 مرات في مرقس، و11 مرة في لوقا. ومع هذا فإن الإنجيلي يوحنا لم يهدف إلى تركيز أنظارنا على الخطية وما تثمره من موت، وإنما مع خطورة الخطية القاتلة يركز على ساحق الخطية بصليبه لكي نعيش بروح النصرة والغلبة، ونمارس الحياة الجديدة عوض الموت الروحي.
+ "تموتون في خطاياكم" (21). إن أخذت بالمعنى العادي الواضح أن الخطاة سيموتون في خطاياهم، وأما الأبرار ففي برهم. لكن إن أُخذ تعبير "ستموتون" بخصوص الموت لعدو المسيح (1كو 15: 26) حيث أن من يموت يرتكب "خطية تقود إلى الموت" (1 يو 5: 16)، فمن الواضح أن الذين وُجهت إليهم هذه الكلمات لم يكونوا قد ماتوا بعد. ربما تسأل كيف أن الذين لم يؤمنوا وهم أحياء سيموتون في وقتٍ ما. يجيب أحدهم ويقول إنهم إلى ذلك الحين لم يؤمنوا، ولم يخطئوا للموت، والذين لم تأتِ بعد إليهم الكلمة لم يرتكبوا خطية الموت. إنهم أحياء يعانون من المرض في نفوسهم، وهذا المرض ليس للموت (يو 11: 4)..
+ لنهتم ألا يصيبنا "مرض للموت"، فمرضنا يمكن أن يُشفى (بالتوبة)، وهو متميز عن المرض الذي لا يُمكن شفائه (بالإصرار على عدم التوبة).
+ لنقارن عبارة حزقيال: "النفس التي تخطئ تموت" (حز 18: 20) بالقول: "ستموتون في خطاياكم"، لأن الخطية هي موت النفس. لست أظن أن هذا صحيح لكل خطية بل للخطية التي يقول عنها يوحنا أنها للموت (1 يو 5: 16).
إن كانت الخطية مرضًا خطيرَا يصيب الإنسان كله، نفسه وجسده، فقد ملَّكت الموت عليه. غير أنه إذ جاء كلمة الله المتجسد طبيبًا للنفس والجسد ميّز بين نوعين من الخطية أو نوعين من المرض. يوجد مرض ليس للموت (يو 11: 4)، بل لمجد الله، وذلك بالنفس التي تقبل كلمة الله، وتخرج من قبر الفساد، وتتمتع بحل الأربطة والشهادة للقائم من الأموات واهب القيامة. ويوجد مرض للموت مثل الذي يتحدث عنه السيد مع بعض السامعين له قائلًا إنه يطلبونه وسيموتون في خطاياهم، هذين الذين يصرون أن يبقوا في العصيان حتى يوم رقادهم، هؤلاء يرتكبون الخطية التي تقود للموت (1 يو 5: 16).
+ يقول: "أنا أمضي وستطلبونني" (21) ليس عن شوقٍ إلى، بل عن كراهية، لأنه بعد تحركه بعيدًا عن الرؤية البشرية طلبه كل من الذين أبغضوه والذين أحبّوه. الأولون بروح الاضطهاد، والآخرون بالرغبة في اقتنائه.
+ من الخطأ ألا تطلب حياة المسيح بالطريقة التي بحث بها التلاميذ، ومن الخطأ أن تطلب حياة المسيح بالطريقة التي بحث بها اليهود. لآن هؤلاء الناس يطلبونه بقلب منحرف. ماذا أضاف؟ "تطلبونني" -ليس لأنكم تطلبونني للخير- لذلك "تموتون في خطيتكم". هذا يحدث من طلب المسيح بطريقة خاطئة ليموتوا في خطيتهم، خطية الكراهية للمسيح، ذاك الذي وحده يمكن أن يوجد فيه الخلاص. فإنه بينما الذين لهم رجاء في الله لا يردوا الشر بالشر هؤلاء يردون الخير بالشر.
"فقال اليهود: ألعله يقتل نفسه حتى يقول حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا؟" (22)
حين قال قبلًا هذا ظنوا أنه يذهب إلى ولايات يونانية ليكرز بين اليهود الذين في الشتات، أما هنا فأدركوا أنه يتحدث عن موته. لقد حسبوه ليس فقط كواحدٍ منهم، بل أشر منهم لأنه ينتحر يأسًا.
+ "حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا" (22).. فإنه حين يموت أحد في خطيته لا يقدر أن يذهب حيث يذهب يسوع، إذ لا يقدر ميت أن يتبع يسوع. "لأن الأموات لا يسبحونك يا رب، ولا الهابطين في الهاوية، بل نحن الأحياء نحمدك يا رب" (مز 113: 25 - 26).
+وقد ظهر سلطانه في أنه يموت بإرادته الحرة تاركًا الجسم خلفه من العبارة: "أمضي أنا".
+ ربما جاء في التقاليد (اليهودية) عن المسيح أنه يولد في بيت لحم، وأنه يقوم من سبط يهوذا حسب التفاسير السليمة للكلمات النبوية؛ وأيضًا في التقاليد بخصوص موته أنه ينتزع نفسه من الحياة بالوسيلة التي قلناها. ويبدو أن اليهود عرفوا أن الذي يرحل هكذا يذهب إلى موضع لا يمكن أن يذهب إليه حتى الذين يفهمون هذه الأمور. لذلك لم يتحدثوا بطريقة حرفية عندما قالوا: "ألعله يقتل نفسه حتى يقول حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا؟" (22)..
+ على أي الأحوال أظن قد قالوا هذا عن خبث ما قد بلغ إليهم بالتقليد عن موت المسيح. وعوض أن يمجدوا ذاك الذي يرحل من الحياة بهذه الطريقة قالوا: "ألعله يقتل نفسه؟"
"فقال لهم: أنتم من أسفل، أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم، أما أنا فلست من هذا العالم". (23)
فحسب الحكمة البشرية لا يقدر أحد أن يقرر مصير حياته إذا أنهاها بيده، لهذا حسبوه يتكلم عن موته بقيامه بالانتحار. ولعلهم أشاعوا هذا ليشوهوا صورته أمام الشعب، إذ يعتبر الانتحار جريمة يعاقب عليها الناموس، بكونه سفك دم إنسان: "أطلب أنا دمكم لأنفسكم" (تك 9: 5). تبقى صورة أخيتوفل المنتحر (2صم 17: 23) مثلًا خطيرًا للحياة الفاسدة. حقًا لقد قبل شمشون أن يموت بيديه مقابل الآلاف من الوثنيين الذين ماتوا معه، لكن الانتحار في ذهن الشعب هو خطية اليأس التي عقوبتها نار جهنم. وقد أشار إلى ذلك يوسيفوس المؤرخ، حتى قال بأنه يلزم دفن أجساد الأعداء فورًا، أما المنتحرون فتبقى أجسادهم بلا دفن حتى الغروب كنوعٍ من العقوبة. وذكر يوسيفوس أنه في بعض الأمم كانت تقطع الأيدي اليمنى للمنتحرين لأنها تجرأت وفصلت الجسم عن النفس، هكذا تنفصل هي عن الجسد.
هذا هو الفكر اليهودي في عصر السيد المسيح، وكان الانتحار من الخطايا المعارضة تمامًا لأفكار كثير من الفلاسفة اليونانيين الذين يرون في الانتحار عملًا بطوليًا يستحق المديح، حيث ينهي الإنسان الحياة الزمنية بثقلها ليتمتع بحياة مكرمة ممتدة!
يقدم لهم السيد المسيح علة عدم معرفتهم لشخصه وطبيعته، وعدم إدراكهم من أين جاء وإلى أين يذهب، وهو اختلاف طبيعتهم عن طبيعته. كأنه يقول لهم: أنتم قادرون أن تمارسوا القتل حتى لأنفسكم لأنكم من أسفل، وليس لله شيء فيكم. أنتم من أسفل، أرضيون، جسديون، شيطانيون.
هم من الأرض ترابيون، وهو من السماء، الخالق غير المحدود. لهذا فهم في حاجة إلى إدراك لاهوته والإيمان به. "لأنكم إن لم تؤمنوا أنا هو، تموتون في خطاياكم" (24).
"أنتم من أسفل، أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم، أما أنا فلست من هذا العالم" (23).
إذ كيف يمكن أن يكون من العالم ذاك الذي به خُلق العالم؟
كل من هم من العالم جاءوا بعد العالم، لأن العالم سبقهم، ولهذا فالإنسان هو من العالم.
حيث كان المسيح قبل العالم، ولم يكن قبل المسيح شيء ما، لأنه "في البدء كان الكلمة، وكل شيء به كان" (يو 1: 1، 3)، لذلك فهو من ذاك الذي هو فوق.. من الآب نفسه. ليس من هو فوق الله الذي ولد الكلمة مساويًا له، وشريك معه في الأزلية، الابن الوحيد في غير زمنٍ، والذي وضع أساس الزمن.
"فقلت لكم إنكم تموتون في خطاياكم، لأنكم إن لم تؤمنوا إني أنا هو تموتون في خطاياكم". (24)
+ يقول القديس يوحنا ذهبي الفم جاء لهذا السبب: لينزع الخطية عن العالم، وإن كان من المستحيل للبشر أن ينزعوها بطريق آخر سوى بالغسل، فالحاجة إلى أن الذي يؤمن يلزمه ألا يرحل من العالم وبه الإنسان العتيق، مادام الشخص الذي لا يذبح بالإيمان الإنسان العتيق ويدفنه يموت وفيه (الإنسان العتيق) ويذهب إلى الموضع يعاقب عن خطاياه السابقة.
"فقالوا له: من أنت؟ فقال لهم يسوع: أنا من البدء ما أكلمكم أيضًا به". (25)
جاءت إجابته على سؤالهم هكذا: "أنا هو البدء Arche"، كما تكلمت معكم في العهد القديم، لم أتغير. من البدء قيل أن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تك 3: 15). إنه موضوع إيمان الآباء البطاركة (إبراهيم واسحق ويعقوب). إنه هو وسيط العهد، موضوع نبوات الأنبياء. من بدء خدمته أعلن لهم أنه ابن الله، وخبز الحياة. لماذا يكررون السؤال وقد سبق الإجابة عليه مرارًا وتكرارًا، وقد أخبرهم أنه مخلص العالم. لقد سألوه: من أنت يا من تهددنا بهذه الطريقة؟ أي سلطان لك علينا؟"إن لي أشياء كثيرة أتكلم وأحكم بها من نحوكم، لكن الذي أرسلني هو حق، وأنا ما سمعته منه فهذا أقوله للعالم". (26)
يعلن السيد أنه قادر أن يفضحهم لأنه عالم بالخفيات، يعرف كبرياءهم وطمعهم ورياءهم وشرورهم وبغضهم للنور وحسدهم ضد الحق مع جحودهم وعدم إيمانهم وما سيفعلونه به. ما قيل عنكم بالأنبياء هو حق. لكنه ليس الآن وقت للدينونة بل للخلاص.
هنا يعلمنا السيد المسيح أنه ليس كل ما نعرفه، خاصة عن شرور الآخرين، نقوله. إنما نطلب توبة الناس ورجوعهم إلى الحق والتمتع بالشركة مع الله.
"ولم يفهموا أنه كان يقول لهم عن الآب". (27)
إذ أعمى الشيطان بصيرتهم، وظنوه أنه يتحدث عن أب جسداني في الجليل، وليس عن الآب أبيه.
"فقال لهم يسوع: متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون إني أنا هو، ولست أفعل شيئًا من نفسي، بل أتكلم بهذا كما علمني أبي". (28)
إذ يمتلئ شرهم بصلبه، عندئذ يدركون أنهم صلبوا رب المجد، وذلك خلال العلامات التي تحدث أثناء الصلب والقيامة وما بعد قيامته.
كانت ذبيحة المحرقة تُدعى "رفع"، وفي كثير من طقوس التقدمات والذبائح ترفع الذبيحة إلى أعلى، وتُحرك أمام الرب. هكذا رُفع السيد المسيح على الصليب. وفي القداس الإلهي إذ يختار الكاهن الحمل يُدعى هذا الطقس "رفع الحمل". وبالفعل يضعه في لفافة ويرفعه على جبينه وهو يصلي: "مجدًا وإكرامًا، إكرامًا ومجدًا للثالوث القدوس".
يستخدم الكتاب المقدس كلمة "يرفع" لتعني أحيانًا "يمجد" كما استخدمها بطرس الرسول في عظته في يوم العنصرة: "وإذ ارتفع بيمين الله" (أع 2: 33)، والرسول بولس: "لذلك رفعه الله أيضًا" (في 2: 9). وفي العهد القديم قال يوسف: "في ثلاثة أيام أيضًا يرفع فرعون رأسك ويردك إلى مقامك" (تك 40: 13).
وتُستخدم الكلمة أيضًا لتعني الهوان والموت، كما قال يوسف: "في ثلاثة أيام يرفع فرعون رأسك ويعلقك على خشبة" (تك 14: 19).
"والذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الآب وحدي، لأني في كل حين أفعل ما يرضيه". (29)
إن كانوا قد نالوا سلطانًا ليقتلوه فهذا لا يعني أن الآب فارقه. فهو دائمًا معه، لا ينفصلان، وما يفعله الابن إنما يرضي الآب، وهو أن يبذل نفسه من أجل خلاص العالم.
+ يقول القديس أغسطينوس عن "الذي أرسلني هو معي" (29).. هذه المساواة في الوجود "دائمًا"، ليس من بداية معينة وما بعدها، بل بدون بداية وبلا نهاية. لأن الميلاد الإلهي ليس له بداية في زمنٍ حيث أن الزمن نفسه خلقه الابن الوحيد.
"وبينما هو يتكلم بهذا آمن به كثيرون". (30)
بينما تعثر الفريسيون والكتبة في كلماته وتعاليمه آمن كثيرون من الشعب به. فالشمس التي تجفف الطين هي بعينها التي تجعل الشمع يذوب. قدمت كلماته رائحة حياة لحياة، ورائحة موت لموت.
فليعطنا الرب أن نؤمن به إيمان حقيقي لتكون لنا الحياة الأبدية ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد أمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/great-lent-readings/friday-5.html
تقصير الرابط:
tak.la/twzjd6x