ننتقل بعد ذلك إلى صلاة المجمع التي تصلي في القداس الكيرلسي بعد أوشية الملك:
[اباؤنا واخوتنا الذين رقدوا اذا اخذت نفوسهم نيحهم، ذاكرًا أيضًا جميع القديسين الذين ارضوك منذ البدء آباءنا الأطهار رؤساء الاباء والانبياء والرسل والمبشرين والإنجيليين والشهداء والمعترفين، وكل ارواح الصديقين الذين كملوا في الإيمان، وبالأكثر القديسة المملوءة مجدا العذراء كل حين والدة الاله القديسة مريم والقديس يوحنا السابق المعمدان والشهيد والقديس استفانوس اول الشمامسة واول الشهداء.. اننا يا سيدنا لسنا اهلا ان نتشفع في طوباوية اولئك بل هم قيام امام منبر ابنك الوحيد الجنس ليكونوا هم عوضا عنا يتشفعون في مسكنتنا وضعفنا، كن غافرًا لاثامنا لاجل طلباتهم المقدسة ولاجل اسمك المبارك الذي دعي علينا].
* من اهم عقائدنا الأرثوذكسية هي شفاعة القديسين.. فنحن نتمسك بشفاعتهم لاحتياجتنا إليهم ولانهم هم أعضاء الكنيسة الواحدة فهم سبقونا ونحن سوف نلحقهم.. فهم لم ينفصلوا عنا بموتهم بالجسد.
* الشفاعة:- هي طلب المعونة والوساطة وعلى ذلك نستطيع ان نقول:-
توجد ثلاث انواع من الشفاعة هي:
فالسيد المسيح وحدة هو الذي يشفع دائما في البشر لمغفرة خطاياهم باعتباره الكفارة التي نابت عن البشر في دفع ثمن الخطية،وهكذا يقف السيد المسيح وسيطًا وحيدًا بل وفريدًا بين الله والناس وذلك كما قال الكتاب المقدس [ان اخطأ احد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا،ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضًا] (1 يو 2: 1، 2)، [لانه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الانسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لاجل الجميع] (1 تي 2: 5، 6).
فالروح القدس هو المعين والمعزي وأيضًا هو المحامي والمدافع فهو يشفع في صلواتنا بأنات لا ينطق بها هكذا قال معلمنا بولس الرسول [كذلك الروح أيضًا يعين ضعفاتنا لاننا لسنا نعلم ما نصلي لاجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها، لانه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين] (رو 8: 26، 27).
هذه طلب من الملائكة والقديسين ليشفعوا من اجلنا امام الله الضابط الكل وهذا الكلام له المرجعية الكتابية الواضحة:
· معلمنا بولس الرسول يقول [صلوا لاجلنا] (2 تس 3: 1).
· و[مصلين بكل صلاة وطلبة..لاجل جميع القديسين ولاجلي] (اف 6: 18).
· ومعلمنا يعقوب يقول [صلوا بعضكم لاجل بعض] (يع 5: 16).
* فإذا كان القديسون امثال بولس الرسول يطلبون صلواتنا أفلا نطلب نحن صلواتهم عنا؟
وان كنا ونحن في الحياة العادية نطلب الصلاة لاجلنا من البشر الاحياء الذين لا يزالون تحت الآلام مثلنا، أفليس يليق بنا بالأحرى ان نطلبها من القديسين الذين اكملوا جهادهم وانتقلوا إلى الفردوس.
للقديسين والابرار مكانة عظيمة عند الله.. فهذه بعض الأدلة على ذلك:
1. كان الله في العهد القديم احيانا يتسمى باسماء الاباء القديسين ففي سفر الخروج يقول [انا اله ابراهيم واله اسحق واله يعقوب] (خر 3: 6).
2. كان الانبياء والأباء يذكرون اسماء هؤلاء القديسين امام الله حتى يشفق عليهم فمثلا موسى النبي حينما وقف يشفع في الشعب قال [اذكر ابراهيم واسحق واسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك وقلت لهم اكثر نسلكم كنجوم السماء] (خر 3: 6).
3. جاء في قصة خروج شعب بني اسرائيل من ارض مصر [فذكر الله ميثاقه مع ابراهيم واسحق ويعقوب ونظر إلى اسرائيل] (خر3:6).
4. وقد وبخ الله هارون ومريم عندما تكلما على موسى النبي ونزل في عمود السحاب وقال لهما امام موسى [ان كان منكم نبي للرب فبالرؤيا استعلن له، في الحلم اكلمه واما عبدي موسى فليس هكذا بل هو آمين في كل بيتي فما إلى فم وعيانا اتكلم معه لا بالألغاز، وشبه الرب يعاين فلماذا لا تخشيان ان تتكلما على عبدي موسى] (عد12:5 -8).
* وامر الله الناس ان يطلبوا شفاعة القديسين:-
· فقد امر الله ايمالك الملك بان يطلب شفاعة ابراهيم حتى لا يموت (تك20:7).
· وامر الله اصحاب ايوب ان يسترضوا ايوب البار وان يطلبوا صلواته من اجلهم لكي يرحمهم الله (ايوب 42:7،8) [وكان بعد ما تكلم الرب مع ايوب بهذا الكلام ان الرب قال لأليفاز التيمانى قد احتمى غضبى عليك وعلى كلا صاحبيك لانكم لم تقولوا في الصواب كعبدى ايوب،والأن فخذوا لانفسكم سبعة ثيران وسبعة كباش واذهبوا إلى عبدى ايوب واصعدوا محرقة لاجل انفسكم وعبدى ايوب يصلى من اجلكم لاني ارفع وجهه لئلا اصنع معكم حسب حماقتكم لانكم لم تقولوا في الصواب كعبدى ايوب].
· ولهذا قال السيد المسيح لتلاميذه القديسين [الذي يسمع منكم يسمع مني والذي يرذلكم يرذلنى] (لو 10:16) وأيضًا [ان كان احد يخدمنى يكرمه الآب] (يو 12:21).
مما لاشك فيه ان معرفة السماء اكثر كثيرا من معرفة الارض واكبر دليل على ذلك ما قاله معلمنا بولس الرسول [فاننا الآن ننظر في مرآة في لغز لكن حينئذ وجها لوجه، الآن اعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت] (1كو 13: 12) لذلك نقول ان معرفتنا في العالم الآخر (السماء) ستزيد بعد ان نخلع هذا اجسد المادى الذي يقيد الروح.
* مثال على ذلك نجد في قصة الغنى ولعازر التي قالها السيد المسيح ذكر فيها ان ابونا ابراهيم وهو موجود في الفردوس كان يعلم ان لعازر عائش على الارض وهو يتحمل البلايا والغنى الذي كان يعيش معه أيضًا على الارض كان يتنعم وذكر أيضًا اهل هذا الغنى عندما طلب الغنى من ابونا ابراهيم ان يرسل لهم احد لينذرهم عن اعمالهم الشريرة فلا يأتوا لهذا العذاب قال له ابونا ابراهيم عندهم موسى والانبياء في حين ان ابونا ابراهيم انتقل من الارض قبل مجئ موسى النبي بمئات السنين.. (لو 16).
1. نجد أكبر مثل تكرر كثيرا هو طلب فوعون من هارون وموسى ان يصليا عنه لله ليرفع عنه الضربات فصليا من اجله وقبل الله صلواتهما (خر 8: 9،10)
2. وقد تشفع ابراهيم من اجل مدينتى سدوم وعمورة ووقف يخاطب الله في حوارة الطويل الذي قدمه لنا سفر التكوين (تك18) قائلا لله [حاشاك يا رب ان تفعل هذا].
3. وتشفع موسى من اجل مريم اخته حين اصابها البرص عندما تهجمت عليه فصرخ إلى الله قائلًا [اللهم اشفها] (عد12: 13).
4. وحزقيا الملك عندما هدده سنحاريب بعث يطلب صلاة اشعياء النبي قائلًا [ارفع صلاة من اجل البقية الموجودة] (2مل 19:4).
- وأيضًا لما ضايقه نبوخذ نصر طلب من ارميا النبي ان يصلي من اجله وأيضًا من اجل كل الشعب (ار27: 3).
5. والمرأة الشونمية استغاثت بإليشع النبي عندما مات ابنها فصلى عليه اليشع وقام الولد من الموت (2مل 4:30).
6. ومعلمنا بولس الرسول تشفع أيضًا في الرجال الذين كانوا معه في السفينة لكي لا يهلكوا وقبل الرب شفاعته وقال له [ها قد وهبت لك جميع المسافرين معك] (اع 27: 24).
7. وسيمون الساحر لما تجرأ وطلب مواهب الله بالدراهم راغبًا ان يأخذ هذه الموهبة في مقابل اعطاء بطرس بعضا من المال وقال له معلمنا بطرس لتكن فضتك معك للهلاك،رجع يطلب من معلمنا بطرس ان يصلى إلى الرب من اجله لكي يرحمه ويغفر له (اع 8: 24).
نجد مثلًا واضحًا جدا في موسى النبي عندما تضرع عن شعبه تشفع بالآباء الأولين إبراهيم وأسحق ويعقوب فنجده يصلى إلى الله قائلًا [اذكر ابراهيم واسحق ويعقوب عبيدك الذن حلفت لهم بنفسك] (خر 23: 13).
وأيضًا دانيال النبي ورفاقه نجدهم يطلبون شفاعة الآباء الأولين قائلين لله [لا تنقض عنا عهدك ولا تنزع عنا رحمتك من اجل ابراهيم حبيبك واسحق عبدك واسرائيل قديسك] (دا 3: 35).
واشعياء النبي طلب رحمة الله لشعبه متشفعا برؤساء اسباط اسرائيل فصلى قائلًا [ارجع من اجل عبيدك اسباط اسرائيل] (اش61: 17).
الملائكة تعرف احوالنا على الارض ومعرفتهم هذه واضحة جدا في قول السيد المسيح [انه يكون فرح في السماء بخاطى واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتاجون إلى التوبة] (لو15: 10).
ومن هذا نفهم ان اخبار الارض كلها تصل إلى سكان السماء..
* فالملائكة تحمل صلوات الاباء القديسين إلى عرش الله..وهذا ما قاله معلمنا يوحنا الرأى في سفر الرؤيا [وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب واعطى بخورا كثيرا لكي يقدمه مع صلوات القديسين كلهم على مذبح الذهب الذي امام العرش،فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك امام الله] (رؤ8: 3،4).
ومن الامثلة الواضحة أيضًا لشفاعة الملائكة هو ما ذكر في سفر زكريا النبي:-
* في شفاعة ملاك الرب في اورشليم اذ صلى قائلًا [يارب الجنود إلى متى انت لا ترحم اورشليم ومدن يهوذا التي غضبت عليها هذه السبعين سنة] (زك 1: 12).
فان كان ملاك الرب يشفع هكذا في اورشليم حتى دون ان يطلب منه هذا، فكم بالكثر ان طلبنا صلواته..[هذه امثلة سريعة عن الشفاعة وانواعها..وعن اهميتها..]
_____
(1) هذا المقال تم نشره في كتاب "ناظر الإله الإنجيلي مارمرقس الرسول" – أعمال المؤتمر الخامس عشر للحياة الكنسية (19 يوليو – 23 يوليو 2010 م.)، ببيت مارمرقس بأبي تلات، ص. 207.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/liturgy/cyril-liturgy-faith-3.html
تقصير الرابط:
tak.la/bv49yym