(5) إن كلمة الله في محبته للجنس البشرى اجتذبنا كلنا نحو العبادة الحقيقية وأنهض لحياة الفضيلة أولئك الذين يسمعون شرائعه المقدسة بأكثر طاعة. ولكن ليس الجميع لهم نفس الشوق لهذا ولم يسلك كل أحد بنفس الغيرة. بالنسبة للبعض فإنهم يتقربون لله بأكثر جدية معتبرين أن لا شيء أكثر إحترامًا من العبادة لله، فيقدمون أنفسهم مثل رائحة سرور للرب كتقدمة كاملة وذبيحة بدون تجزئة. فتعبير "ذبيحة المحرقة" يكون غالبًا ملائمًا لهم، وهذا هو حقيقة تقديم ذبيحة المحرقة عندما يقدم الإنسان نفسه لله بدون خطية على الإطلاق. لكن لننظر ما تقوله شريعة ذبيحة المحرقة في هذا: "هذه شريعة المحرقة. هي المحرقة تكون على الموقدة فوق المذبح كل الليل حتى الصباح ونار المذبح تتقد عليه" (لا 9:6). ما هي إذن النار الموضوعة على المذبح إلا الحضور المستمر للروح القدس فينا؟ لقد أرانا المخلص ذلك في الكلمات الآتية: "جئت لألقى نارا على الأرض" (لو 49:12). وهكذا فإن الذي يجعل نفسه ذبيحة محرقة ويقدمها كاملة سليمة (بلا عيب) لله، فسوف يحفظ فيها نارًا لا تطفأ أبدًا، وقوة سعيرها المقدسة سوف تزدهر بإستمرار فيه. يقول الكتاب المقدس: "طوال الليل" التي تفهم على أنها الحياة الحاضرة. فلا يتفق أن عقلنا يترك أحيانًا ليبرد ويميل نحو الشر وأحيانا أخرى يشتعل ثانية. فيجب أن يكون ثابتًا ودائمًا "حارين في الروح" (رو 11:12) كما يقول بولس الرسول [فالحرارة الروحية ناتجة عن الأمانة في إتمام الممارسات الروحية وعدم التراخي والإهمال، لذلك يناشدنا الحكيم بولس الرسول ويؤكده هنا القديس كيرلس بأن نكون حارين في الروح غير متكاسلين]. هذا سيكون أكثر وضوحًا لنا بأمثلة أخرى إذا فحصنا المعنى الدقيق للشريعة. لأن الله يقول ثانية لموسى مفسر الأقداس: "وهذا ما تقدمه على المذبح. خروفان حوليان كل يوم دائمًا. الخروف الواحد تقدمه صباحًا. والخروف الثاني تقدمه في العشية. وعشر من دقيق ملتوت بربع الهين من زيت الرض وسكيب ربع الهين من الخمر للخروف الواحد" (خر 29: 38-40). لكن يمكننا بوضوح أن نفهم بذلك أن يكون على نحو صحيح ألا ندع أي وقت يمر دون أن نكرم فيه الله بطريقة ملائمة مثلما يقبل الرائحة الذكية لأعمالنا الصالحة كذبيحة مستمرة. فهو يأمر بأن يقدم خروف واحد كذبيحة في النهار والثاني في المساء وهذا على ما يبدو إشارة إلى "كل الوقت"، مشتملة ما بداخل حدود كل هذه المدة. كما أنه يأمر بأن يخلط الدقيق بالخمر والزيت، وألا يسكب عليها هينًا كاملًا، ولكن ربع الهين، ليعلمنا بذلك أن الذين يقدمون العبادة المستمرة لله أو يقدمون بالأحرى أنفسهم لمشرّع الناموس كذبيحة سرور، سينالون رحمة وسرور ويفوزون في هذه الحياة الحاضرة بجزء من المكافأة (لأنه يأمر بأن يصب الربع من الهين)، ولكن في الدهر الآتي فإن النعمة الكاملة ستحل عليهم، كما يقول النبي: "فرح أبدى على رؤوسهم. ابتهاج وفرح يدركانهم. ويهرب الحزن والتنهد" (إش 10:35). إذن عندما تأمر الشريعة بوضوح بأن لا نترك الميول الشريرة التي تجعل العقل يميل للخطية، ألا سنكون عرضة لأن نعانى كل أشكال العقاب لو أهملنا ما أمرت به الشريعة؟ لو فحصت ضعف الطبيعة البشرية ستجد مشقة في تحويل التوتر إلى سلوك مهذب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. (لأنه ربما تقول أنك غير قادر على تحمل المشقات المستمرة التي هي مثل السنديان) وسوف تصرح بأن تحقيق الخطة سيكون أيضا صعبًا وصارمًا لإستمراريتها. الشريعة سوف تضع حدًا لحجتك بأن تريك الطريق الأدنى الملائم للحياة، الذي هو أقل قسوة من الذي ذكرته، ولكن أكثر رفعة ورقيًا من الطريق الآخر. ما هو إذن منهج الحياة هذا؟ سوف أعطيك صورة واضحة عن منهج الحياة الذي أقصده بذكر مثال آخر من الكتاب المقدس. فعندما ظهر الله لبني إسرائيل في النار والظلام والعاصفة (راجع تث 11:4)، وسن لهم الشريعة لممارسة العبادة، فإن موسى بحكمته وجد أنه من الضروري أن يسرع أيضا بمثل واضح ليظهر لبني إسرائيل نموذج السلوك الذي يرضى واضع الناموس، كما يناسب حالتهم وإعتقادهم، إذ أنهم لم يحتملوا تعليمًا أكثر كمالًا، لذلك يقول: "فكتب موسى جميع أقوال الرب. وبكر في الصباح وبني مذبحًا في أسفل الجبل وإثنى عشر عمودًا لأسباط إسرائيل الإثنى عشر. وأرسل فتيان بني إسرائيل فأصعدوا محرقات وذبحوا ذبائح سلامة للرب من الثيران. فأخذ موسى نصف الدم ووضعه في الطسوس. ونصف الدم رشه على المذبح" (خر24:4- 6).
لكن فلننظر ثانية لكل جزء من هذه الفقرة من الكتاب المقدس ونحللها بعناية لنرى ماذا يظهر لنا منها لنفعنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/cyril-paschal-messages/second-5.html
تقصير الرابط:
tak.la/5h9qgmb