(3) عندما يقول موسى: "إحفظ شهر الحصاد الجديد واصنع فصح الرب إلهك" (تث 1:16)، فكيف لا نكون مضطرين الآن لأن نعلن زمن هذا العيد الذي هو وشيك الوقوع، لأن قسوة الشتاء قد مضت، والطقس الرديء والعتامة قد إنقضت، والمطر وهبوب الرياح العاصفة لن تهاجمنا بعد، ويعود فصل الربيع بالأثمار الجديدة، ويتحرر الزارع من التراخي والخوف، والكل يقول للزارعين إنه وقت الذهاب إلى الحقل، لأن الأراضي الخضراء تنتج ثمار وفيرة، والنباتات في القفر والحدائق تكون نشطة ومحملة ببراعم جديدة تتدفق بقوة وحيوية بطبيعتها كما لو أنها تولد من الرحم، السهول خضراء تذكرنا بمحبة الله للبشر، لأنه لهذا السبب يقول: "المنبت عشبا للبهائم وخضرة لخدمة الإنسان" (مز 14:104). وهنا يوضح القديس كيرلس ما جاء به من أيات بقولة: إننا لم نقتبس هذه الكلمات ببساطة، ولا نظن أننا إقتبسناها بدون سبب، ولكن لنظهر فائدة الوصية. فالشريعة لم تأمرنا بحفظ شهر الحصاد بلا سبب، ولكنها في الحقيقة أوجبت على الطبيعة البشرية أن تنافس نشاط حبوب الحقول، هكذا يقال، لترى أنها مزهرة في نمو جديد للدين الحقيقي. فلنحوّل إذن لأنفسنا معنى كل هذه الأحداث، كى تعطى منفعة لنفوسنا، فاحصين بعناية لكي يكون حديثنا متصلًا بالموضوع المسمى شهر الحصاد الجديد بأنه يرمز لزمن مجىء مخلصنا يسوع المسيح.
فالشيطان الآن، الذي هو مصدر كل أذى، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. والذي ينقضّ على نفوس الجنس البشرى مثل فصل الشتاء ويهطل علينا رغبات معاكسة مثل وابل المطر الثقيل، قد هلك. وقوة الأرواح الشريرة قد أُقصيتْ، وسحابة الخطية الكريهة قد تبددت بفعل النعمة. ومثلما ينتشر علينا ضوء الفجر، فقد أعطيت لنا الثمار الأولى للروح، وتهب على أنفسنا كلنا كالريح الغربي الذي يهب على أي زهرة، مثلما يقول بولس الرسول: "لأننا رائحة المسيح الذكية لله" (2كو 15:2).[من هو الإنسان ذو الرائحة الذكية؟ الذي يحفظ الوصية ويعمل بها، أم من يستهين بلطف الله وإمهاله كما قال الحكيم بولس، فنحن أمانا طريقين إما أن نسلك في الوصايا بأمانة وحرص فتنبعث منا رائحة المسيح الذكية، وإما أن نتهاون ونرمي بها عرض الحائط فتنبعث منا رائحة الخطية الكريهة] لقد تحررنا من الطباع القديمة في حياتنا الماضية مثل سقوط ورق النبات، وتجددت حياتنا في طريق آخر من الحياة حيث تزهر من جديد وتنبت ثانية. وفي هذا قال القديس بولس الرسول: "إذن إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدًا" (2 كو 17:5). فإذا أراد أحد أن يرى من الكتب المقدسة أيضا أن كلماتي لم تبعد عن الحقيقة، فليستمع إلى قول العريس للعروس عن الشهر الحقيقي الجديد قائلًا: "قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالى، لأن الشتاء قد مضى والمطر مر وزال، الزهور ظهرت في الأرض، بلغ أوان القضب" (نش10:2-12). لأنه مثلما تقطع الفأس الفروع غير النافعة للكرمة، لكنها تسمح ببقاء التي تبدو أنها ضرورية لحمل الثمار لتبقى علي الكرمة، هكذا ربنا بحكمته المطلقة يفحص فكر كل إنسان، وربما يقول أحد، إنه يبعد تلك الأعضاء التي بدون فائدة للنمو في الدين الحقيقي مع تلك الأعضاء التي ذبلت، هكذا يقال، ولكنه يسمح بحفظ وبقاء الفكر العاقل ليثمر. هكذا في حديثنا عن الخلاص فإننا ننبذ آلام الجسد ونحمل نعمة الروح الخالصة لتسكن فينا، ونتغير لنعيش حياة أفضل متذكرين كلمات بولس الرسول: "إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضًا للخطية لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية. فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضا معه" (رو 6-8:6). [ويوضح هنا القديس كيرلس مستشهدًا بكلام القديس بولس الرسول أن من يريد أن يقوم مع المسيح لابد له أن يُميت الإنسان العتيق المائل إلي السقوط والتمرغ في حمأة الخطية]، لأننا سوف نحيا معه بصدق ونقاء لو رفضنا الرغبات الدنسة التي تأتى من الجسد، وكما يقول أحد القديسين: "مبغضين حتى الثوب الدنس من الجسد" (يهوذا 23)، مادام هناك طهارة وضبط للنفس مقدمة لله، وحياة الفضيلة كذبيحة للمسيح الذي مات عنا. وهكذا يقول المرنم: "يا جميع الذين حوله. ليقدموا هدية للمهوب" (مز 11:76). ولكن ما هي طبيعة عطيتنا لله، وبأي طريقة ستُقدَم وكيف ستُقبَل، يلزم إذن أن نبحث ونتعلم ذلك من الكتاب المقدس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/cyril-paschal-messages/second-3.html
تقصير الرابط:
tak.la/fv32jw9