St-Takla.org  >   books  >   fr-botros-elbaramosy  >   ebooks  >   cyril-paschal-messages
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب قراءة في الرسائل الفصحية الأولى والثانية للقديس كيرلس الكبير - الراهب القمص بطرس البراموسي

8- الفقرة السادسة من الرسالة الفصحية الأولي

 

اليهود الأكثر طياشة في كل الجنس البشرى، الذين بسبب آثامهم تفوقوا على آبائهم في عدم التقوى، اعتقدوا في فعل ما هو مضحك ومخزى، لو أنهم كانوا قد نالوا الإنتصار على اقتراف الإثم. فقد افترضوا أنهم سيُظهرون حالة أفضل من أسلافهم، ولكنهم تورطوا في نفس الآثام وبدرجة أسوأ. وهذا قد تسبب في سخط الله، سيد الكل ونقمته، إذ قال: "فمن اليوم الذي خرج فيه آباؤكم من أرض مصر إلى هذا اليوم أرسلت إليكم كل عبيدى الأنبياء مبكرًا كل يوم ومُرسلًا. فلم يسمعوا لى ولم يميلوا أذنهم بل صَلَّبوا رقابهم. أساءوا أكثر من آبائهم" (إر25:7-26). أنتم يا من أظهرتم بتجاديفكم أنكم أبناء الذين أنجبوكم، وشابهتموهم في الأفكار، وبذلك أكدتم أنكم أولادهم. أنتم يا من تفوقتم على الذين أنجبوكم، في عدم التقوى، بتعديكم من جديد على الناموس، ومتهمين إياهم (أي أسلافهم) بالضعف، أنتم الذين وُهِبَ لكم وحدكم الإنتصار في الحروب حيث كان من الأفضل أن تعانوا الهزيمة. أنتم يا من انتزعتم نصرًا أكثر حزنًا، حيث لا يُدخل السرور.

فالله حاكم الكل (ضابط الكل) يدينك عندما يقول: "صَلَّبوا رقابهم" (إر26:7)[ فالإنسان الصلب الرقبة هو المعاند والرافض لعمل الله والسادد لأذنية لسماع كلام الله ولذلك يوبخهم إرمياء النبي بذلك ويستخدمها لنفس الهدف القديس كيرلس في هذه الفقرة من الرسالة]. علاوة على ذلك فإنه يدعو النبي ليندب عليهم قائلًا: "جزى شعرك واطرحيه وارفعى على الهضاب مرثاة لأن الرب قد رفض ورذل جبل رجزه. لأن بنى يهوذا قد عملوا الشر في عينى يقول الرب" (إر29:7-30). بعد ذلك يشرح طريق جحودهم فيقول: "وضعوا مكرهاتهم في البيت الذي دُعى باسمى لينجسوه. وبنوا مرتفعات توفة..." (إر30:7-31). لقد وصلوا إلى درجة من التجاهل ورفضوا المحسن (إليهم) نفسه ورأوا أن عبادة الأوثان أكثر نفعًا؛ وهكذا اخترعوا أسماء لآلهتهم وقدموا لها الضحايا. آخرون (منهم) كرسوا أفكارهم للشهوات الجامحة معتمدين على جهادهم الخاص واستولوا على البساتين الأكثر ترفًا في الجبال مقدمين ذبائحهم للشياطين، وكما أتصور أنهم ناجوا الحوريات بحسب الشعراء اليونانيين، "حورية الغابات" (Ἀμαδρύαδα) و"حورية الجبال" (Ὀρείαδα). وفي إدمانهم لشهواتهم القبيحة فقد تباهوا بهذه ألأشياء التي سوف تتلاشى، والتي سببت لمعطى الناموس حزنًا ليس بقليل. لذلك يقول إرميا النبي: "هل رأيت ما فعلت العاصية إسرائيل، انطلقت إلى كل جبل عال، وإلى كل شجرة خضراء وزنت هناك. فقلت بعدما فعلت كل هذه ارجعى إلىَّ فلم ترجع" (إر6:3-7). بالنسبة لأولئك الذين لا يُسرّون بالخلاص، فإنهم يكرهون الطرق النافعة ولا يستطيعون الهروب من وقت الفرح إلاّ برفضه كلية؛ وحيث إنهم لا يملكون معرفة السرور المتعقل، لذلك يسعون دائمًا إلى الأسوأ. إن موقف اليهود المتصلب والمعاند يشهد على الأقوال، حيث إنهم لم يكونوا متيقظين لكي لا يتورطوا في الآثام، واحتقروا إحسان الرب. لأنه عندما كان يمكنهم الندم ويكونون محفوظين، فإنهم يزدرون بكل ما هو صالح لهم ولا يُقدِّرون عظمة محبة الله للبشر؛ لذلك سوف لا يُحفظون ولا يستحقون أي رحمة.

وهكذا هم يتجاوزون حدود كل غطرسة، فعندما كانت لهم فرصة الهروب من العقاب بالتخلى عن الخطية، جلبوا العقاب على أنفسهم مضيفين بذلك خطايا جسيمة لتلك التي اُقترفت؟ فالناس الذين يميلون لذلك سيُعاقبون أكثر بدلًا من أن يتحرروا من نتائج الشرور. لذلك ستمتنع الرحمة عن هؤلاء الأشخاص.

St-Takla.org Image: 2COR 6 - 5 In watchings in fastings - St. Paul the Apostle صورة في موقع الأنبا تكلا: في أسهار، في أصوام (2 كورنثوس 6: 5) - بولس الرسول القديس

St-Takla.org Image: 2COR 6 - 5 In watchings, in fastings - St. Paul the Apostle.

صورة في موقع الأنبا تكلا: في أسهار، في أصوام (2 كورنثوس 6: 5) - بولس الرسول القديس.

هذا القول ليس منى، ولكن رب كل البشرية هو الذي تكلم بهذا عندما صرف النبي الذي كان يصلى متشفعًا لهم قائلًا: "وأنت فلا تُصل لأجل هذا الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلوة ولا تلح على لأنى لا أسمعك. أما ترى ماذا يعملون في مدن يهوذا وفي شوارع أورشليم؟ الأبناء يلتقطون حطبًا والآباء يوقدون النار والنساء يعجن العجين ليصنعن كعكًا لملكة السموات ولسكب سكائب لآلهة أخرى لكي يغيظونى" (إر16:7-18). الأبناء يجمعون حطبًا والآباء يوقدون النار والنساء يعجن لدرجة أن لا شيء سيكون بريئًا من الخطية. إنهم يعملون بجهد لأجل خطاياهم وسوف يسمعون بعدل: "لأنك أنت رفضت المعرفة أرفضك أنا حتى لا تكهن لى. ولأنك نسيت شريعة إلهك أنسى أنا أيضًا بنيك" (هو6:4). [وهنا يوضح الأنباء ويسير علي خطاهم القديس كيرلس خطورة معصية وصايا الله والسير في الإتجاة المضاد، أي إتجاه الخطية والشهوات الأرضية الغير نافعة].

إن طريقة العقاب تتلاءم دائمًا مع جسامة الخطايا، لذلك يجب على المذنبين أن يتحملوا عقابًا مساويًا لخطاياهم. فأى معاناة أعظم وأقسى يمكن أن توجه لأولئك الذين سقطوا في الخطية، من أن يمنعوا من خدمة (الكهنوت) المقدسة ويفقدوا الحق في التمتع بامتياز ذكر الله لهم، الذي من خلاله كانت لهم حياة كريمة ولم يشعروا بأى عوز أو احتياج بل كانت لهم كل بهجة. هذا حدث لشعب إسرائيل. فقد احتقروا محبة الله للجنس البشرى وعارضوا واجب حفظ شريعة الله، ولكنهم بأكثر غضب تمسكوا بكسلهم وانحرفوا إلى شهوات غير طبيعية، وكانوا غير راغبين في القيام بمهام غير مهامهم، حسب ما كان يريد معطى الناموس. فكانت رغباتهم الخاصة هي ناموسهم ولم يسترشدوا إلاّ برأيهم الخاص. لقد حزن الرجال القديسون بحق على هؤلاء بسبب أفكارهم وتصورات قلبهم قائلين: "اسمعوا هذا القول الذي أنا أنادى به عليكم مرثاة يا بيت إسرائيل. سقطت عذراء إسرائيل لا تعود تقوم" (عا1:5-2)؛ وأيضًا: "ادعوا النادبات فيأتين وارسلوا إلى الحكيمات فيقبلن ويسرعن ويرفعن علينا مرثاة لأن قطيع الرب سُحق" (إر17:9- 18). ولكن النبي إرميا رآهم كما لو كانوا قد ابتُلوا، واقترب عقابهم وأظهر لهم حزنه عليهم قائلًا: "قربت نهايتنا. كملت أيامنا لأن نهايتنا قد أتت. صار طاردونا أخف من نسور السماء" (مراثى 18:4-19). [فالحزن والويل والخوف من كل هذه الآيات يوضح مدي بشاعة الخطية وما تُحدثه من خوف داخل الإنسان بسبب كثرة هذه التحذيرات بل قل الإيفاقات التي يتعامل بها الله معنا كمحب للبشر] فمنذ أن استولى هذا الرعب الكبير على كل شيء وعلى كل المسكونة التي هُزمت من الشيطان، لذلك كما يقول النبي: "وسعت الهاوية نفسها وفغرت فاها بلا حد" (إش14:5). بالنسبة لليونانيين فإنهم بسبب غباءهم العظيم، يسقطون في الشرك (الإيمان بتعدد الآلهة) " وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات" (رو23:1؛ عد15:4-19؛ مز20:106؛ إر11:2)، فكما لو كانوا يسرعون في رحلتهم مسابقين الريح، كذلك فإنهم كانوا يسرعون إلى هاوية الموت الداخلية.

من جهة أخرى فإن اليهود يزدرون بالوصية المعطاة لهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فقد اخطأوا لدرجة من الحماقة حيث فكروا، بحسب زعمهم، وبشئ مخجل في إظهار حياتهم الممتازة وأسرعوا ليسيروا في نفس طريق اليونانيين. ولكن عندما ساد الليل والظلمة على الأرض والبحر، فإن الله سيد الكل، لم يشأ أن يرى هلاك خليقته على الأرض، أعنى الإنسان، بل على العكس، فلأجل أنه رأى أن الطبيعة البشرية قد أُصيبت بمرض عُضال، فقد أرسل كلمته الذي يستطيع وحده أن يحطم مملكة الشيطان ويحررنا من الشرور التي أمسكتنا في قبضتها

فقد أخذ شبهنا وصار إنسانًا مثلنا (لكنه اخلى نفسه اخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس). (فى7:2)، ووًلد من العذراء القديسة مريم، ولم يفقد ما كان له ولكن أضاف إليه ما لم يكن له، وتمم خلاصنا، وكما يقول بولس: "هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب8:13) [وهذه الآية توضح أزلية السيد المسيح وتثبت كينونة الدائمة مع الآب، فهو الإله الأذلي الأبدي]، فلم يخضع لأي تغيير أو تبديل في ألوهيته بصيرورته إنسانًا، بل ظل كما كان وسيظل دائمًا. بمجيئه إلى العالم جعل الشيطان موضع هزء وسخرية عند الذين آمنوا بالمسيح، ذلك الشيطان الذي كان يصرخ طويلًا: "فأصابت يدى ثروة الشعوب كعش وكما يجمع بيض مهجور جمعت أنا كل الأرض ولم يكن مرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفصف" (إش14:10). فقد حطم المسيح الخطية التي سيطرت علينا، بواسطة الإغتسال بالمعمودية والتي صارت ميلادًا جديدًا وأظهرت نقاوة العالم. لقد أرشدنا إلى طريق الخلاص، مبددًا غشاوة الجهل وضبابه ومظهرًا لنا معرفة الإيمان بالله في كل لمعانها. لقد صار لنا بنفسه رفيقًا شريكًا لوطن الملائكة في السماء. لقد وحَّدَ بنفسه الأشياء التي على الأرض بالتى في السماء، وأظهر أن طبيعة الإنسان تشارك حياة الأرواح التي تُوجد فعلًا هناك (أي الملائكة في السماء)، تلك الطبيعة التي إنفصلت عن الله طويلًا بالخطية وكانت باستمرار مثل عبد، لكن الآن إرتبطت به بالإيمان والتقوى. اليهود في شقائهم كانوا معاندين للإعتراف به كمخلص ورب، بل قاوموه وهو الذي جاء بينهم لمنفعة البشرية كلها، أي ليخلصنا من الهلاك الأبدى.

وعوضًا عن ذلك عَبّروا عن انكارهم للجميل عن الإحسانات (التي صنعها معهم)وأسلموه للموت وللصليب. وعندما رأوه معلقًا على الخشبة، فإنهم جحدوه ثانية وسبوه بالكلمات: "لو كنت ابن الله انزل من على الصليب فنؤمن بك" (مت27: 40).

وعندما تحمل المخلص الموت عنا كلنا ونزل إلى الجحيم، سلب ممالك الشيطان قائلًا: "حتى سبى الجبار يسلب وغنيمة العاتى تفلت" (إش25:49)، كما يقول النبي مقيمًا هيكله الخاص (جسده) في اليوم الثالث " كباكوة الراقدين" (1كو20:15)، محررًا طبيعتنا من قيود الموت، ومعلّمًا إيانا أن نقول بانتصار: "أين غلبتك يا موت؟ أين شوكتك يا هاوية" (هو14:13؛ 1كو55:15، انظر 2تى10:1؛ عب14:2).[فلم يعد أي سلطان للموت علي الإنسان الضعيف المُخطئ في حق الله بموت الإبن الوحيد علي الصليب، لذلك تصرخ البشرية صراخ الغلبة والنصرة علي الموت والهاوية كما ذُكر] لقد جعل السماء تنفتح على طبيعتنا وأُصعد بعد اكتمال العمل المحدد لتجسده، وقدم ذاته للآب كباكورة للطبيعة البشرية وأعطانا الروح كعلامة للرجاء الآتى، قائلًا: "اقبلوا الروح القدس" (يو20: 22)

هذه هي علامات ظهور مخلصنا، لذلك نبشر به أنه هو المحسن والمخلص. فحيث إنه يكون صحيحًا أن الأبناء يثبتون شرعيتهم بأعمالهم؛ وحسنًا يردون للسيد المكافأة، دعنا نستمع لكلمات بولس: "لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله" (2كو1:7). ولهذا دعنا نحتفل للرب بعيد نقى. وبداية الأربعين تكون في الخامس عشر من شهر أمشير، مع أسبوع الفصح الخلاصى الذي يبدأ في العشرين من برمهات منهيين الصوم في الخامس والعشرين من نفس الشهر، وكعادتنا سنحتفل بالعيد فجر يوم الرب (أي يوم الأحد) في السادس والعشرين من نفس الشهر، ومضيفين بعد ذلك الأسابيع السبعة للخمسين المقدسة. لذلك سوف نرث ملكوت السموات في المسيح مع القديسين إلى الأبد. آمين


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/cyril-paschal-messages/first-6.html

تقصير الرابط:
tak.la/p44xzfp