"أنتم أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به" (يو 15: 3)
لقد قَدَّمَ الرب جسده ودمه الكريمين لتلاميذه بعد أن انتهى لتوه من تعاليمه وأقواله، تلك التي اعتبرها الرب كعملية تطهير أساسيه للذهن والقلب. وهذا هو المفهوم الروحي للتطهير الداخلي؛ أي القلب والذهن: "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو 12: 13). ومن هذا فإن الاتحاد بين الله وشعبه يكمل أولًا بكلمته، ثم بجسده ودمه. وهكذا فَعَلَ موسى منذ القديم عندما قرأ كتاب العهد على الشعب، ثم رَشَّ الشعب بالدم. ويتكلم القديس أثناسيوس الرسولي عن هذا فيقول "نحن نتغذى بكلمات الحق ونشترك في تعاليمه الحية، حتى تستطيع بعد ذلك أن نتقبل أفراح السماء. لأنه كما دعا تلاميذه إلى العلية، هكذا يدعونا "الكلمة" معهم إلى الوليمة السمائية غير الفاسدة" (مقوله 18).
كان القداس قبل النيقاوي (قبل انعقاد مجمع نيقية) ينقسم إلى قسمين متميزين: هما الاجتماع والشركة.
أما الاجتماع هو القسم الأول، وكان نوع من استمرار خدمة المجمع اليهودي في أيام السيد المسيح. وقد كان غالبًا قراءات من العهد القديم ومن كتابات الرسل والأناجيل والمزامير ثم عظه. وكان هذا الجزء مباحًا حضوره لكل مَنْ أراد؛ سواء كان يهوديًا أو وثنيًا أو أي فضولي. وبالتالي كان أيضًا يحضره الموعوظين الذين كانوا يستعدون لقبولهم أعضاء في الكنيسة بتعميدهم.
وهذا الحضور من الجميع سببه أنه من واجب الكنيسة بلا شك أن تُبَشِّر بالإنجيل للعالم كله، وأن تشهد للحق الذي فيه.
أما الشركة والصلاة فهو أمر آخر لا يحضره إلا المُعَمَّدين، أبناء المسيح، الذين كانوا يشتركون في الصلاة الجماعية التي تبدأ بصلاة شكر ثم سر الأفخارستيا.
ولذلك كان غير المسيحي يَتَحَتَّم عليه أن يخرج من الكنيسة بعد العظة، أما الموعوظون الذين قَبِلوا الإيمان ولم يُعَمَّدوا بعد، فقد كانوا ينالون البركة من الأسقف وينصرفون بهدوء، وذلك عند إعلان الشماس "ليخرج الموعوظين.. لينصرف الموعوظين"، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وبعد خروجهم كان الشماس يُعْلِن مرة أخرى "الأبواب.. الأبواب"؛ وكانت هذه علامة لزميلهم حارس الأبواب "مساعد الشماس" أن يغلق الأبواب ويمنع أي دخول.
أما هذا الجزء من القداس، والذي يُسَمّى "قداس الكلمة"؛ والذي يُطْلَق عليه الآن "قداس الموعوظين"؛ فقد كان يحتوى على أجزاء من القراءة من الرسائل والأناجيل، وكذلك جزء من العهد القديم. وذلك ما يذكره يوستينس الشهيد (100-165 م).
وكانت مدة القراءة وكميتها بحسب ما يسمح الوقت، وكانت العظة تَنْصَبّ على موضوع القراءات، ثم يُكْمَل القداس برفع الصلوات وتقديم القرابين والقداس والتناول.
أما العلامة كليمندس الأسكندرى (150-215)، فَقَدَّمَ لنا ملامح قداس الكلمة في زمانه، بأنها تنحصر في قراءة الكتب الإلهية والنداء بالاستماع إلى الإنجيل المقدس، ثم خدمه الوعظ والتي يعقبها تقديم الصعيدة المقدسة على المذبح.
أما العلامة أوريجانوس (185-254 م.) ففي شرح موضوع خدمه الليتورجية يوضح أن "ليتورجيا الموعوظين" تسبق "ليتورجيا المؤمنين"، وأن القراءات تشمل فصولًا من العهد القديم والعهد الجديد، يتبعها عرض دراسي مُفَصَّل، ثم عظة على موضوع القراءات.
ثم يتبع العظة مجموعة صلوات ينهض فيها كل الشعب وقوفًا. ومما ذكره القديس يوستينس الشهيد والعلامة كليمندس الإسكندري والعلامة أوريجانوس نستطيع أن نحدد أن ترتيب أجزاء القداس الإلهي. وهي كما نعرفها اليوم، مع ملاحظة أن تقديم الحمل أو تقديم القرابين يكون بعد قداس الموعوظين (قداس الكلمة).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-boles-milad/readings/history.html
تقصير الرابط:
tak.la/ag3qw8x