السؤال الثامن عشر
لماذا خلق الله الخليقة؟
الإجابة:
الله خَيِّر وصالح... فلذلك ليس من المعقول أن يكون وراء خلق الله للإنسان غرض آخر غير الخير والصلاح، لأن من الصالح يخرج صلاح، ومن الشرير شرور، وذلك كقول الكتاب المقدس: "هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً" (مت7: 17).
ولكن لكي نجيب على هذا السؤال علينا أن نسأل أنفسنا هل أوجد الله الخليقة من أجل نفسه أم من أجل الإنسان؟!
الله في طبيعته ليس محتاجًا للإنسان لأنه كامل، أي ليس فيه نقص يحتاج أن يكمله بمعونة من أحد.. ومثال ذلك يحتاج لك طفلك الرضيع كأب تحميه، ويحتاج لأمه لترعاه وحياته تتوقف عليكما، ولكن حياتك أنت كإنسان في كمال الرجولة لا تتوقف على طفلك، فأنت وأمه كنتما موجودين قبل ولادته، وبفرض أنكما لم تتزوجا كان يمكنكما أن تعيشا ككثيرين بلا زواج، والله أيضًا ليس في حاجة لأحد لأنه كائن بذاته كقول الكتاب: "أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" (رؤ1: 8).
خلق الله الإنسان ليحيا إلى الأبد.. خلقه على صورته ومثاله في البر والقداسة والحكمة، وضعه في فردوس النعيم متمتعًا بالكثير من النعم، فعاش ينعم بحب ورعاية الله له، لم ينقصه شيء بل عاش كملك له سلطان على نفسه وعلى باقي المخلوقات التي خلقها الله لأجله... لقد زوّده الله بالعقل الراجح الحكيم، عاش حرًا لا يقهره شيء... وهكذا أراد الله للإنسان السعادة وتحققت السعادة للإنسان في فردوس النعيم؛ لأن الله أشبع الإنسان بخيره كقول المرنم: "الَّذِي يُشْبعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُك" (مز 103: 5).
تبدل حال الإنسان إلى التعاسة والشقاء بالسقوط في الخطية، والبعد عن الله مصدر الخير والصلاح، ومن هذا الوقت ابتدأ هذا السؤال يتبادر إلى الذهن: لماذا خلقني الله؟ ولكن لماذا لا يرد هذا السؤال على ذهن أحد القديسين الذين يحيون بفرح وسلام الروح القدس؟ بالطبع لأن هذا السؤال ينم عن شعور البعض بالتعاسة في أوقات الضعف والبعد عن الله.
عانى الإنسان الشقاء بسبب الخطية وعصيانه، لكن الله لم يتركه للتعاسة والشقاء -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- بل دبر له الفداء والخلاص، وحل بروحه القدوس في المؤمنين المتكلين عليه، ليسكب تعزياته فيهم، وليتمم خلاصه لهم، واعدًا إياهم بأن يحيوا معه في ملكوته... إذًا الهدف من خلقة الإنسان هي سعادته سواء قبل السقوط في الفردوس، أو بعده حينما صلب لأجله وفداه ثم حل فيه بروحه القدوس، أو في الأبدية عندما سيعطيه الله ملكوت السماوات والحياة الأبدية.
الاقتراب من الله يهب للإنسان بركات الروح القدس؛ فيمتلئ محبة وفرحًا وسلامًا ورجاءً في الحياة الأبدية السعيدة التي تنتظره؛ حينئذ يشعر الإنسان بالامتنان لله والشكر له لأنه خلقه، ولذلك يسبّحه ويعترف بحمده. وعندئذ لن يكون هناك مجال لهذا السؤال، وهل يستطيع أحد أن يقول لإنسان خيّر لماذا تعطي الفقراء؟ أم الأولى أن يشكره، أم هل يستطيع أحد أن يقول لموسيقار يعزف ألحانًا شجية لماذا تعزف؟ أم يشكره، وهل يستطيع أحد أن يقول لطبيب لماذا...؟ أم يشكره وهل... وهل... وهل... أم يشكره. إنه الخير الذي لا يمكن أن يقال لصانعه لماذا فعلت هذا، ولكن من المنطقي أن نعترف بفضل الله على خيره وصلاحه في خلقه لبني البشر كقول المرنم في المزمور: "لأَنَّكَ أَنْتَ اقْتَنَيْتَ كُلْيَتَيَّ. نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذلِكَ يَقِينًا" (مز139: 13-14).
أما من يرفض وجود الله في حياته؛ حينئذ سيكون قد أحب التعاسة واختارها لنفسه، ورفض السعادة والأبدية التي خلقه الله لأجلها.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/question-1/18.html
تقصير الرابط:
tak.la/f3d8zbs