"وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ" (تك3: 16).
عاتب الله أمنا حواء بسبب أكلها من شجرة معرفة الخير والشر، وحدد لها معالم وحدود علاقتها بزوجها فيما بعد، وذلك حتى يحيوا في سلام، لقد أعلمها الله أنه يجب أن يكون اشتياقها لزوجها، وأنها يجب أن تخضع له، وهو يسود عليها، ولكن ما معنى سيادة الزوج على زوجته... هل هو تحكم الزوج في كل أمور زوجته وقهرها وتعنيفها؟
فيما يلي نتأمل في معنى قول الرب لأمنا حواء عن اشتياقها لزوجها وسيادته عليها...
خضوع الإنسان بصفة عامة لإنسان آخر هو صفة عامة من الصفات التي تميز هذه الحياة، ذلك لأن الإنسان لا يمكن أن يدعي الكمال أو يدعي عدم حاجته لأحد. إننا كبشر ينقصنا أمور كثيرة، ونحتاج لمن يأخذ بأيدينا، ويقودنا في طريق الكمال. إن الله هو الرأس، الذي يقود خليقته، والتي يجب أن تطيعه في خضوع. لقد علمنا الوحي الإلهي ضرورة خضوع الأطفال لآبائهم، والرجال لسادتهم، والنساء لرجالهن، والجميع للمسيح الرأس، بقوله: "وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ" (1كو11: 3).
لم تلجأ أمنا حواء لزوجها وشريكها في الحياة آدم، والذي خرجت من جنبه، لتطلب إرشادًا فيما عرضته عليها الحية، أو لتناقشه، وتسأله عن وصية الله له. لم تراه حواء كرأس لها يجب استشارته. لقد تصرفت حواء كما لو كانت وحدها في الجنة، وعندما أكلت من ثمرة الشجرة أعطت آدم زوجها، ليشاركها خطأها بالأكل معها، وهذا نوع من التسلط وعدم الخضوع. لقد رأف الله بحواء، وأعطاها اشتياق قلبي لرجلها، وذلك حتى تشعر باحتياجها لرجلها، فتخضع له، كقول الكتاب: "أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ" (كو3: 18).
عندما ينتفخ الإنسان في ذاته، تصير ذاته إلهًا يتعبد، ويخضع لها. إن محبة الذات وطلب مجدها يعني اهتمام الإنسان بنفسه، وخضوعه لشهواتها، ورغباتها، وتفضيلها على الكل، ولهذا يفضل الأشرار ذواتهم على الله، كقول الكتاب: "مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلًا وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا، نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ ِللهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ، بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ" (رو1: 29- 31).
لقد أسس الله الزواج على مبدأ الوحدانية أو اتحاد طرفي الزواج، ليرتبطا ببعضهما في جسد الزيجة الواحد، ذلك لأن حواء أخرجها الله من جنب زوجها، لتتحد به مرة أخرى بالزواج، كقول الكتاب: "فَقَالَ آدَمُ: هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ. لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا" (تك2: 23- 24).
لقد تكبر، وتعظم أبوينا الأولين، وانتفخ كل منهما في ذاته طالبًا التسلط على الآخر، وهكذا لم يعودا يشعرا بالوحدانية، وخير دليل على ذلك تبرير أبونا آدم لذاته أمام الله، عندما سأله عن سبب خطأه، وإلقائه مسئولية خطأه على أمنا حواء، كقوله: "فَقَالَ آدَمُ: الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ" (تك3: 12). ومن وقتها وحتى الآن حينما تشح المحبة الإلهية في قلب أي زوجين تنتفخ ذاتهما فيهما، ويدب بينهما الخلاف والانقسام، ويحاول كل طرف فرض هيمنته على الآخر.
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
يشهد المتخصصون في علم الاجتماع والمهتمون بالأسرة أن محبة الذات والكبرياء، وما ينتج عنهما من تسلط الزوج وقهره لزوجته (باعتبارها الجانب الأضعف)، أو العكس _في بعض الأحيان_ هما أساس المشاكل الأسرية والانقسامات، وما ينتج عن ذلك من انحرافات سلوكية للأبناء. لقد عانت المرأة كثيرًا من تسلط الزوج القاسي الأناني المحب لذاته، لأن من يستعبد لذاته وكبريائه لا يعرف أن يحب زوجته. لقد أرجع الرب يسوع سماح موسى النبي لليهود بطلاق نسائهم إلى قسوة قلوبهم الناتجة عن حب الذات والأنانية، قائلًا: "قَالَ لَهُمْ: إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا" (مت19: 8).
من المستحيل أن يتسلط عضو على عضو آخر في الجسد الواحد؛ فالرأس لا يمكن أن تتسلط على باقي الجسد، ولا العين على الرجل، ولا اليد على الفم. إنّ أعضاء الجسد المتعددة تتعاون، وتهتم مع بعضها لتحقيق مصلحة واحدة وهدف واحد، ودون ذلك لا يقوم الجسد، كقول معلمنا بولس الرسول: "لِكَيْ لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِي الْجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ" (1كو12: 25). إن كل طرف في الكيان الزوجي ضروري للآخر، أي ضروري لوجود واستمرار الأسرة، كقول الكتاب: "بَلْ بِالأَوْلَى أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ" (1كو12: 22).
تطالب الكنيسة الأزواج بحب نسائهم، كما أحب المسيح الرب الكنيسة، وأسلم نفسه لأجلها، وتطالب النساء بتقدير أزواجهن والخضوع لهم، كما تخضع الكنيسة لمسيحها، كقول الكتاب: "وَلكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا" (أف5: 24- 25).
تخضع الكنيسة للمسيح عريسها الذي أرضاها بحبه، وبذله نفسه عنها. لقد حمل الرب تعييرات شعبه، ولم يشأ أن يصنع مرضاته، كقول الكتاب: "فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ، لأَجْلِ الْبُنْيَانِ. لأَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ، بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ" (رو15: 2- 3).
إن الحب سر عظيم يجعل النفس تبذل ذاتها في سهولة ويسر، وهو مؤثر جدًا في حياة من نقدم له الحب، حتى ولو لم يقابل الحب بالحب، لأنه لا بُد أن يؤثر فيه، ولو بعد حين، لأن المحبة قوية كالموت ومؤثرة، كقول الكتاب: "نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا" (1يو4: 19).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/dominate.html
تقصير الرابط:
tak.la/vpnrp6q