"وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" (تك3: 15).
اختلست أمنا حواء ثمرة شجرة معرفة الخير والشر، التي حرّمَ الله أكلها. لقد أرادت أن تصير في عظمة، وتقتني المعرفة الكاملة مثل الله. ولكنها سقطت، وانحدرت في خزي وعار بدلًا من اقتناء الرفعة والعظمة، إن الله لم يترك أمنا حواء فيما جلبته لنفسها ولزوجها آدم من شر عظيم، بل شرح لها طريق العظمة والرفعة الحقيقية. لقد أعلمها الله طريق الخلاص من الهلاك، وذلك بولادة البنين وتربيتهم، ولكن ما هي علاقة ولادة البنين بالعظمة والرفعة والخلاص؟ هذا ما سنوضحه من خلال التأمل التالي:
اشتهت أمنا حواء الثمرة المحرمة، ولكن الله وضع في قلبها وقلب بناتها شوق وحنين عجيب لثمرة أخرى أثمن وأعظم. لقد وضع الله في قلبها غريزة الأمومة.
لقد امتلأت أسفار الكتاب المقدس بسير حياة الكثير من الأمهات، اللاتي ترجين أن يعطيهن الله نسلًا: أمثال سارة زوجة إبراهيم، وراحيل زوجة يعقوب، التي قالت لزوجها: "غَارَتْ رَاحِيلُ مِنْ أُخْتِهَا، وَقَالَتْ لِيَعْقُوبَ: هَبْ لِي بَنِينَ، وَإِلاَّ فَأَنَا أَمُوتُ! فَحَمِيَ غَضَبُ يَعْقُوبَ عَلَى رَاحِيلَ وَقَالَ: أَلَعَلِّي مَكَانَ اللهِ الَّذِي مَنَعَ عَنْكِ ثَمْرَةَ الْبَطْنِ؟" (تك30: 1- 2). وقد اعتبر الآباء والأمهات إنجاب البنين بركة من الله وثمرة منه، كقول الكتاب: "هُوَذَا الْبَنُونَ مِيرَاثٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، ثَمَرَةُ الْبَطْنِ أُجْرَةٌ" (مز127: 3).
أهمية وعظمة النسل المبارك الذي وعد الله به حواء هو أنه سيسحق رأس الحية، أي أنه هو المخلص. إن الرب يسوع المسيح المخلص هو المقصود بالنسل المبارك، الذي سيسحق رأس الحية، والذي فدانا على الصليب، وسحق الشيطان العدو الشرير تحت قدميه، كقول الكتاب: "إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ" (كو2: 15). لقد ظلت الكثيرات من أمهات العهد القديم في انتظار إن يولد منهن هذا الابن المخلص.
قد يظن البعض أن حواء وباقي بناتها فقط مطالبين بتقديم ثمرة بطنها لله، وأنهن وحدهن اللواتي يتألمن في سبيل هذه الثمرة، ولكن الحقيقة أن كل نفس مطالبة كحواء بتقديم ثمارًا جيدة تفرح قلب الله الذي ينتظر من البشر: رجالًا ونساءً، متزوجين وغير متزوجين، أن نقدم له ثمارًا مباركة تُفرح قلبه، كقول الرب يسوع: "وَأَيْضًا أَنَا أَكُونُ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ. وَأَيْضًا: هَا أَنَا وَالأَوْلاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمِ اللهُ" (عب2: 13).
قول الله لأمنا حواء بالتعب أثناء حملها، وولادتها لأبنائها هو دعوة للتعب والجهاد في تربية أبنائها، وهل من المنطقي أن تكف حواء بعد ولادتها الابن أو الابنة عن البذل، بعدما تحملت الكثير من التعب أثناء فترة حملها وولادتها؟! إن تعب حواء لأجل تنشئة أبنائها شهادة دامغة، لا غنى عنها، على ما وهبها الله لها بالطبيعة من حنان ورقة عظيمة، وأيضًا على استحقاقها مراحم الله، لأجل جهادها وصبرها.
لقد ضربت حواء الثانية والدة الإله العذراء القديسة الأم الحنونة أعظم مثال في احتمال الأتعاب والآلام لأجل ابنها الرب يسوع، كما تنبأ سمعان الشيخ، بقوله لها: "وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ" (لو2: 35).
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
تشترك كل الأمهات في أوجاع الحبل بأبنائهن وآلام ولادتهن، ولكن التعب في التربية والتنشئة يختلف مقداره من أم إلى أخرى. إن الأم التي تجاهد، وتحتمل، لكي تقدم للوجود ابنًا عظيمًا يحسب لها تعبها سبب خلاص، كقول الكتاب: "وَلكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ" (1تي2: 15).
تدرك الأمهات والآباء قبل إنجابهم لأبنائهم مقدار ما سيتعرضون له من أتعاب في تربية وتنشئة أبنائهم، لكنهم مع ذلك يطلبون لله ضارعين، ليرزقهم بالنسل الصالح، غير مكترثين بالمعاناة لأجل أبنائهم. لقد شاء الله أن يبذل الأمهات والآباء من أجل أبنائهم. إن أتعاب الحبل وولادة البنين تهون على الأمهات بعد ولادة بنيهم، وتتحول إلى فرحة لا حدود لها، كقول الرب: "اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ، وَلكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ، لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ" (يو16: 21). وهكذا أيضًا تهون الأتعاب، التي يعانيها الآباء، بعد نجاح بنيهم.
لقد كشف الكتاب عن فرح الآباء وسعادتهم بنجاح أبنائهم. وقد ترجى يعقوب أب الآباء أن يموت في سبيل رؤية ابنه يوسف الذي أخبر بسمو وعظمة مركزه في أرض مصر، كقوله: "فَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: أَمُوتُ الآنَ بَعْدَ مَا رَأَيْتُ وَجْهَكَ أَنَّكَ حَيٌّ بَعْدُ" (تك46: 30). وشهد سفر الأمثال بهذه الحقيقة أيضًا، بقوله: "يَا ابْنِي، إِنْ كَانَ قَلْبُكَ حَكِيمًا يَفْرَحُ قَلْبِي أَنَا أَيْضًا" (أم 23: 15).
إن رقة وعظمة حنان الأم يضرب به الأمثال، ولهذا شبه الله حنانه بحنان الأم، التي ترفق برضيعها، ولكن حنان الله بالطبع يفوق حنان الأم، كقوله: "هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ" (إش49: 15)، وشبه أيضًا معلمنا بولس الرسول نفسه في رعايته لأهل تسالونيكي بالمرضعة المترفقة برضيعها، قائلًا: "بَلْ كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا تُرَبِّي الْمُرْضِعَةُ أَوْلاَدَهَا" (1تس2: 7).
تستحق الأم التي تعبت في تنشئة أبنائها مكافأة السماء، لأجل ما قدمته بحسب وعد الله، القائل: "لأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُمْ وَتَعَبَ الْمَحَبَّةِ الَّتِي أَظْهَرْتُمُوهَا نَحْوَ اسْمِهِ، إِذْ قَدْ خَدَمْتُمُ الْقِدِّيسِينَ وَتَخْدِمُونَهُمْ" (عب 6: 10). وأيضًا تستحق كرامة عظيمة من أبنائها، بحسب وعد الله أيضًا، القائل: "أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ" (أفس6: 2).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/belly.html
تقصير الرابط:
tak.la/khkt6fh