إِنَّكَ قَدْ طَرَدْتَنِي الْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، وَمِنْ وَجْهِكَ أَخْتَفِي وَأَكُونُ تَائِهًا وَهَارِبًا فِي الأَرْضِ، فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي، فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: لِذلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ. وَجَعَلَ الرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً لِكَيْ لاَ يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ" (تك4: 14- 15).
دخل الخوف والرعب قلب قايين بعد قتله أخيه هابيل، وصار يتوقع الموت انتقامًا منه لسفك دم هابيل أخيه. لقد كشف قايين عما في قلبه من خوف وقلق واضطراب شديد، ولكن الله طمأنه من خلال إعطائه علامة لخلاصه.
ما هي هذه العلامة التي أُعطيت لقايين؟ ولماذا أعطاه الله هذه العلامة؟ وهل هذه العلامة ظاهرة، لكي يراها الحيوان أو الإنسان فلا يقتله؟ أم هي علامة خاصة به فقط؟
في التأمل القادم نناقش هذه التساؤلات.
هي دليل أو شهادة لتأكيد عقيدة ما، أو أمرًا إلهيًا. لقد وبخ معلمنا القديس بولس الرسول أهل كورنثوس، لأنهم لم يعترفوا به كرسول لربنا يسوع المسيح، بعد أن تأكدت علامات رسوليته أمام أعينهم، قائلًا: "إِنَّ عَلاَمَاتِ الرَّسُولِ صُنِعَتْ بَيْنَكُمْ فِي كُلِّ صَبْرٍ، بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ" (2كو12: 12).
تعددت العلامات التي أعطاها الله للبشر، والتي سجلها الوحي الإلهي، ويمكننا أن نصنف هذه العلامات لصنفين كما يلي:
أعطى الله البشر بعض العلامات المرئية الظاهرة التي نذكر منها ما يلي:
1. قوس القزح الذي يظهر في السماء حتى يطمئن الإنسان لعدم غرق الأرض بالطوفان مرة أخرى، كقوله: "وَضَعْتُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ فَتَكُونُ عَلاَمَةَ مِيثَاق بَيْنِي وَبَيْنَ الأَرْضِ" (تك9: 13).
2. عصا موسى التي شهدت لصدق إرساليته، كقوله: "فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: "مَا هذِهِ فِي يَدِكَ؟" فَقَالَ: "عَصًا". فَقَالَ: "اطْرَحْهَا إِلَى الأَرْضِ". فَطَرَحَهَا إِلَى الأَرْضِ فَصَارَتْ حَيَّةً، فَهَرَبَ مُوسَى مِنْهَا. ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: "مُدَّ يَدَكَ وَأَمْسِكْ بِذَنَبِهَا". فَمَدَّ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ، فَصَارَتْ عَصًا فِي يَدِهِ" (خر4: 2- 4).
هذا النوع من العلامات هو عطية أو نعمة معينة يهبها الله للإنسان، ولكنها مشروطة بوصايا أو أفعال محددة، فمتى تَمَمَّ الإنسان هذه الوصايا، كما أراد الله، ينال رضا الله عليه، ويهبه الله ما وعد به، ويصير تتميمه لوصية الله علامة على نوال الوعد الإلهي.
1. أعطى الله شعبه في القديم علامة حفظ السبت، التي تؤكد رعاية الله شعبه، وتقديسه لهم كشعب خاص به، كقول الكتاب: "وَأَنْتَ تُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: سُبُوتِي تَحْفَظُونَهَا، لأَنَّهُ عَلاَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فِي أَجْيَالِكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يُقَدِّسُكُمْ" (خر31: 13).
2. اُعتبرَ الختان علامة عهد ورعاية من الله لكل من يتممه، كقول الكتاب: "فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ، فَيَكُونُ عَلاَمَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ" (تك 17: 11).
3. ذبح خروف الفصح، ورش دمه على أبواب منازل العبرانيين في أرض مصر صار علامة على نجاة أبكارهم من الهلاك، كقول الكتاب: "وَيَكُونُ لَكُمُ الدَّمُ عَلاَمَةً عَلَى الْبُيُوتِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ، فَلاَ يَكُونُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَةٌ لِلْهَلاَكِ حِينَ أَضْرِبُ أَرْضَ مِصْرَ" (خر12: 13).
4. حفظ بني إسرائيل يوم السبت لعبادة الله وخدمته صار لهم علامة على تقديسهم، وضمهم لله كشعب مقدس لله، كقول الكتاب: "وَأَنْتَ تُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: سُبُوتِي تَحْفَظُونَهَا، لأَنَّهُ عَلاَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فِي أَجْيَالِكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يُقَدِّسُكُمْ" (خر31: 13).
5. عمل قسطنطين الملك علامة على شكل صليب، ووضعها على رؤوس أسلحته؛ فصارت سببًا لنصرته على أعدائه، كما وعده الله.
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
إيمان الإنسان أمر ضروري، حتى تصير له هذه العلامات شاهدًا ودليلًا مؤكدًا على فوزه بمواعيد الله؛ فعلي سبيل المثال، إن لم يوجد إيمان ما كان بنو إسرائيل ذبحوا خروف الفصح، وما كانوا رشوا دمه على أبوابهم، وبالتالي كان لا بُد أن يهلك أبكارهم مع من هلكَ، وهكذا لا قيمة لأي علامة بدون الإيمان. إن الخضوع وطاعة الله يعبر عن الإيمان، الذي يجعل الإنسان مَرضيًا عند الله، كقوله: "وَلكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ..." (عب 11: 6)، أما صُنع إرادة الله ووصاياه، والتمسك بحبه فهي شهادة أكيدة وعلامة وبينة للمؤمن تشهد لخلاصه، وتعطيه رجاء في الخلاص، كقول معلمنا بولس الرسول لأهل تسالونيكي: "حَتَّى إِنَّنَا نَحْنُ أَنْفُسَنَا نَفْتَخِرُ بِكُمْ فِي كَنَائِسِ اللهِ، مِنْ أَجْلِ صَبْرِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ فِي جَمِيعِ اضْطِهَادَاتِكُمْ وَالضِّيقَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا، بَيِّنَةً عَلَى قَضَاءِ اللهِ الْعَادِلِ، أَنَّكُمْ تُؤَهَّلُونَ لِمَلَكُوتِ اللهِ الَّذِي لأَجْلِهِ تَتَأَلَّمُونَ أَيْضًا" (2تس: 1: 4- 5).
العلامات التي يعطيها الله هي للجميع، لكن الجاحدين، الذين يقاومون إرادة الله أمثال قايين يهملون علامات خلاصهم ونجاتهم، أما من يقبل مشورة الله لخلاصه؛ فيهتم به الله، ويعطيه، ويزيده نعم إلهية، كقول الكتاب: "فَإِنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى وَيُزَادُ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ" (مت13: 12).
فيما يلي نذكر ما يؤكد أن هذه العلامات تعطى لأجل خلاص الناس، الذين يقبلونها:
1. علامة الختان علامة مستورة عن أعين الناظرين ولكنها معلنة لمن قبلها (من شعب الله) في لحم غرلته.
2. علامة قوس القزح علامة طبيعية يعرف مغزاها من أعطيت لهم فقط من شعب الله، لأنهم يؤمنون بالله، ويتمسكون بأقواله، ولا يدرك معناها غيرهم من الناس.
3. علامة الدم على القائمتين والعتبة العليا لا تخص الملاك المهلك، لأن الملاك ليس في حاجة لها، ولكنها علامة يدرك معناها شعب الله المؤمنين المحتاجين للخلاص، الذين صدقوا كلامه، وآمنوا به.
إن العلامة التي أعطاها الله لقايين هي علامة خاصة بقايين فقط، ولا تخص أي كائن آخر، ومن يفترض أنها تخص غيره عليه أن يفسر لنا كيف يدرك الحيوان مثلًا معنى تلك العلامة، فلا يفترس قايين بسبب تلك العلامة! أليس من الأسهل أن يأمر الله القدير فيمتنع أي كائن من التعدي على قايين؟ وكيف يتمشى هذا مع عدم نفي الله لاحتمال مقتل قايين في قوله: "لِذلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ".
يعطي الله هذه العلامات لكي يتمسك بها الإنسان، لأن من يتمسك بها يزداد في الإيمان، الذي قيل عنه: "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ" (أف2: 8).
من يتأمل وعود الله الصادقة، ويؤمن بالله وبقدرته على تحقيقها، ويسعى في طاعة وصايا الله تصير طاعته وخضوعه لله شهادة وعلامة أكيدة على نواله الخلاص.
إن الله لا يبخل أبدًا على البشر بعلامات وتعزيات تشجعهم في طريق سعيهم وطاعتهم. لقد أعطانا الله صليبه المحيي علامة حبه لنا، حتى ننجو، وننال الخلاص إذا تمسكنا به، كقول الكتاب: "أَعْطَيْتَ خَائِفِيكَ رَايَةً تُرْفَعُ لأَجْلِ الْحَقِّ. سِلاَهْ. لِكَيْ يَنْجُوَ أَحِبَّاؤُكَ. خَلِّصْ بِيَمِينِكَ وَاسْتَجِبْ لِي!" (مز60: 4- 5).
لا أحد يمكنه أن يجزم ما هي العلامة التي أعطاها الله لقايين. فقد تكون علامة مادية ظاهرة في جسده، أو قد تكون علامة في الطبيعة المحيطة به، أو قد يكون الله قد أوصاه بتنفيذ وصية معينة كلما أحس بالخوف فيتأكد أن الله لن يتركه كما نطلب نحن من أطفالنا رشم علامة الصليب، ليتخلصوا من خوفهم. إن الاحتمال الأخير هو الأقرب للصواب، لأنه وسيلة تُعين قايين على الإيمان بقدرة الله على خلاصه، الذي يحتاجه. لقد أعطى الله لقايين علامة لخلاصه ونجاته لكي يشجعه على الالتجاء إليه، والاتكال عليه، كما شجعه سابقًا، بقوله له: "إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ؟ وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ، وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا" (تك4: 7). لقد أعطاه هذه العلامة لتكون له سبب إيمان ورباط وتمسك بالله.
ولكن هل تمسك قايين بعلامة خلاصه؟ للأسف يخبرنا الكتاب المقدس أن قايين اتكل على قوته؛ فقد بنى لنفسه مدينة في نود شرق عدن حيث عاش في ضلال هناك، وذلك بدلًا من التمسك بالإيمان بالله المخلص القدير، من خلال العلامة التي أعطاها له الله، لكي لا يهلك، كقول الكتاب: "وَعَرَفَ قَايِينُ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَنُوكَ. وَكَانَ يَبْنِي مَدِينَةً، فَدَعَا اسْمَ الْمَدِينَةِ كَاسْمِ ابْنِهِ حَنُوكَ" (تك4: 17).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/death.html
تقصير الرابط:
tak.la/ar72k2q