يوليطة الشهيدة (تذكار شهادتها: 6 مسرى)
وهذه شريفة أخرى شابة وغنية. ورغم أن العالم بمغرياته الكثيرة يمكن أن يضل الأغنياء ممن هم في سن الشباب، لكنها فضلت الغنى الأعظم الذي للمسيح. لقد كان ممكنًا لهذه الشريفة يوليطة أن تساير تيار الوثنية الجارف والسهل وتحتفظ بكامل ثروتها وتتزوج مثل باقي البنات وتتمتع بملذات هذا العالم الحاضر. لكنها وجدت أن سعادة السماء والملكوت باقية وأبدية.
كانت يوليطة من أسرة غنية بالشام. وقد ولدت في أيام العصور الأولى للاضطهاد في مدينة قيصرية الكبادوك بلدة العظيم في الشهداء جورجيوس وموطن العالِم أوريجانوس ومقر كرسي الأسقفية لكل من القديسين يوسابيوس وباسيليوس. وكان أبواها مسيحيين. ولا شك أنهما ربياها في مخافة الله ولقناها تعاليم الإنجيل المقدس وهذباها بالآداب المسيحية وكانا لها القدوة والمثال في الفضائل والأخلاق. ولذا، فقد عاشت يوليطة منذ نعومة أظفارها في جو روحي لازمها حتى سن الشباب.
ومات أبواها وهي بعد شابة. وورثت عنهما أموالًا كثيرة وثروة عظيمة. وربما فكرت يوليطة التقية أن تستثمر هذه الثروة في خدمة المحتاجين وإعالتهم. غير أن أحد الأشرار من غير المؤمنين عز عليه أن تبقى كل هذه الأموال في حوزتها وتحت يدها تستثمرها كما تشاء. فاغتصب منها أموالًا بطرق ظالمة ملتوية. واستعان هذا الشرير بشهود زور استأجرهم بالرشوة ليطعنوا في أحقيتها لهذه الثروة. وأقام قضية عليها ليثبت حقه في أموالها ولكي يستصدر حكمًا لصالحه.
ولم يكن صعبًا على يوليطة أن تدافع عن نفسها. بل أنها بالفعل كانت تملك المستندات التي تؤكد أنها وحدها صاحبة كل هذه الأموال وأنها ورثتها عن أبويها الغنيين. وإزاء ما واجهته من ظلم وما كان ينتظرها من حكم أقامت الحجة على كذب هذا الشرير واغتصابه وخداعه. ولما تبين للرجل فشل محاولته وقوة حجة يوليطة ضده لم يجد مفرًا إلا أن يشي بها ضد والي قيصرية بأنها مسيحية وترفض التبخير والسجود للأوثان ولذا فهي تستحق الموت. وكانت هذه هي الطريقة لكي يتخلص منها وينفرد بثروتها وأموالها.
ولما علمت يوليطة بذهابه إلى الوالي لهذا الغرض الشرير لم تحزن لذلك. لكنها تهللت بقرب تخلصها من هذا الجسد وانطلاقها إلى المجد. وحدثت نفسها قائلة أن الأمور الحاضرة لا تستحق أن يتمسك بها المسيحي الحقيقي وأن مقتنيات هذا العالم مهما عظمت لا تساوي شيئًا إذا ما قورنت بأمجاد السماء والحياة الأبدية. وكانت يوليطة تعتقد أن أباها السماوي قد سر بأن يعطيها الملكوت الذي هو أبقى وأفضل وأعظم من كل خزائن العالم. وقالت إنني اقتنيت الأمور المقبلة فلن يستطيع أحد أن ينزعها من يدي.
وأحضروا يوليطة أمام الوالي لمحاكمتها، فلم تلن أمامه ولم تذعن لتهديداته ووعيده. لكنها وقفت شجاعة شامخة كالطود راسخة في إيمانها. واعترفت علنًا بمخلصها المسيح. ورأت يوليطة أتون نار أشعلوه لها فلم تخف بل شعرت باطمئنان أن ساعة استشهادها قد حانت. وطرحها الوالي في النار فأسلمت روحها الطاهرة بيد الرب. والعجيب أن النار لم تأكل جسدها بل بقى الجسد في النار لم يحترق. وبدلًا من أن تحتفظ يوليطة بمقتنياتها الأرضية الفانية نالت في السماء ميراثًا لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل. وقد صارت يوليطة بعد ذلك ذكرى عطرة وأنشودة خالدة يتغنى بها المؤمنون في كل جيل. وقد تحدث عنها القديس باسيليوس ممتدحًا طهرها وتضحيتها وثباتها على الإيمان المستقيم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
بركة صلاتها وشفاعتها تكون مع جميعنا آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-abdel-massih-z/corner-pillars/julitta.html
تقصير الرابط:
tak.la/n8w63w4