وكما كانت مريم المجدلية عند أقدام المصلوب حيث أكمل السيد خلاص البشر كحمل الله الحامل خطية العالم كله، كذلك كانت الأولى عند القبر، باكرًا جدًا، أي Early، وبينما كانت خيوط الفجر تنتشر فوق ربوع أورشليم، كانت هي تسير تجاه القبر خارج أسوار المدينة متفكرة من يدحرج لها الحجر.
أتت المجدلية في الفجر بعد أن تركت الظلام (ظلام السبعة شياطين)، أتت لتعاين النور، فكانت في محبتها آخر من ترك القبر وأول من رجع إليه، وهكذا تبدو الأولى بين التقيات، وكانت أول القائمين من أكفان موت الخطية المنطلقين بكل قوة إلى مجد الحياة العلوية وبهجة معاينة القيامة.
أتت في أول الأسبوع عند الفجر إلى القبر، في خاتمة سبوت العهد القديم في بداية العهد الجديد عهد القيامة، فلم تجد جسد الرب يسوع، وفيما هي مُحتارة وقف بها الملاكان: لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟! ليس هو ههنا لكنه قام (لو 24: 1).
جاءت في أول الأسبوع باكرًا والظلام باق، حرست حراسات الليل حتى نالت أول شعاع النور، فلم يهدأ لها بال ولم يغمض لها جفن، باتت تنتظر الفجر (منذ الليل روحي تبكر إليك يا إلهي)، أسرعت أكثر من الباقيات، وكانت أول من وطأت باب أورشليم، وكلها أمل أن تطيب جسد من أحبها وشفاها، فسمعته يناديها باسمها ورأته حيًا أمامها.
فلم يتراءى أحد عند القبر باكرًا جدًا والظلام باق إلا مريم المجدلية القديسة العجيبة، التي سعت يقودها الحب، تطلب تكريم من تحبه فوجدته ووجدها، لذلك كانت أول من أظهر لها المسيح قيامته، فالذين يأتون إليه مبكرين يجدونه (الذي يحبني.. أحبه وأظهر له ذاتي) (يو 14: 21)، كانت تطالب القبر أن يجيبها عن أين يكون الجسد، وتستعطفه ببكائها إذ أن ضعف طبيعتها ومشاعرها الساخنة سمرتها في الموضع.
ركضت نحو النعمة تفتش عن الإله غير المدرك، لتجعل عنده حضورها وإقامتها، جاءت بعد أن هجرت الظلام ليتحقق رجاؤها فيه، تلك التي كانت قبلًا مسكن للشياطين، أتت لتفتش وتنظر القبر فتأخذ الحياة من الموت، بعد أن رأت دمائه تسيل ثمنًا لخلاصها.
ذهبت مبكرة وهي تقاوم الأحزان الشرسة والمخاوف المظلمة وسط الهروب والنكران فأظهر لها مجده كما أضاء بمجد حول الرعاة الساهرين ليلة ميلاده، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. .. لم تكن تستطيع النوم في هذه الليلة، لم تستطع النوم لان السيد في القبر، فكانت مكافأتها أن تكون أول الكل.
انحنت إلى القبر لان حبها كان هو الأعظم، في سعيها في تبكيرها في مشاعرها، تبحث عن الطريق الجديد والحياة الجديدة، بكل عواطفها بالتمام.. (قلت إنما الظلمة تغشاني، فالليل يضئ من حولي كالظلمة هكذا النور) (مز 139: 11).
طلبت من تحبه نفسها، طلبته فلما وجدته أمسكته ولم ترخه.. فطوبى للذي نسى حديث العالم بحديثه معك، لان منك تكتمل كل حاجاته، أنت هو أكله وشربه، أنت هو بيته ومسكن راحته، إليك يدخل في كل وقت ليستتر، أنت هو شمسه ونهاره.
فالمسيح بالنسبة لها الألفا والأوميجا، البداية والنهاية يملأ فكرها بالدرجة التي جعلتها لا تذكر اسمه (إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه).
تتكلم عن وضعه وأخذه وحمله (حملته، وضعته، آخذه)، لقد انحصر تفكيرها فيمن تحبه، لذلك تتكلم عنه مستخدمه ضمير الغائب، لأنه هو وهو وحده الحي في كل لحظة.. وكم يتضمن كلامها حب حزين تلميذه أمينة جريئة المحبة، جاءت بعد أيام المعاناة في المحاكمة والصلب، غير هيابة ولا عابئة بإرهاق الجسد، تنتحب كالندى الغزير، تترجى وتسأل.. فجلست في المكانة الأولى مع الذين نالوا الوعد، ممدوحة ومطوية لأنها رأت وسمعت وبشرت بقيامة الرب، كشاهد أول بقيامته إذ أن حواء كانت أول من سقط وأول من عاين القيامة وأخبر التلاميذ.
لم يعقها الظلام ولم يححب عنها نور القيامة، بل قامت والظلام باق لتركض وراء يسوع، تسعى إليه فوجدته يسعى إليها، بكت على بعده عنها، فأخذته داخلها ونادت بالقيامة التي بدونها تكون كرازتنا باطلة.
واشتياق المجدلية هذا يمثل خبرة روحية وتدريب تقوى، يجدر بنا أن نعيشه.. إنها دعوة لنا لنفتش عنه أين هو، فنذهب إليه وعنده نصنع منزلًا، إنه فينا رجاء المجد، إنه معنا وفي داخلنا، علينا أن نسعى إليه مبكرين مواظبين، علينا أن نأخذه ونحمله في داخلنا، كلمة مذبوحة على المذبح جسده ودمه الكريمين، وكلمة مكتوبة في الكتاب المقدس رسالته إلى الخليقة، فيسكن فينا بغنى ويستريح داخلنا، فهذا هو أسمى وأقوى عمل في حياتنا بالاتحاد به ليكون هو الكل في الكل.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/st-magdalene/resurrection.html
تقصير الرابط:
tak.la/cxsxv3f