2- الخريستولوجي:
أ- علاقة الآب بالابن
ب- الانجماع الكلي في المسيح
جـ - آدم والمسيح
هـ - الصليب والخلاص
(السوتيريولوجي)
عن علاقة الآب بالابن يقول ايريناؤس بوضوح:
"إذا سألنا أحد كيف ولد الابن من الآب؟" نجيبه بأن أحدًا لا يفهم ذلك الميلاد أو الدعوة أو أيًّا كان الاسم الذي يمكن أن نصف به ميلاده، الذي هو في الحقيقة لا يوصف على الإطلاق.. لكن فقط (نعرف) أن الآب هو الذي يلد والابن هو الذي ولد". (1)
ونجد في ايريناؤس أول محاولة لفهم العلاقة بين الآب والابن بطريقة منهجية نظرية: "الأب عرف بالابن الذي هو في الآب والذي الآب فيه". (2)
"لا يستطيع أحد أن يعرف الآب إلا إذا أعلنه له كلمة الله الذي هو الابن، كما لا يمكن لأي إنسان أن يعرف الابن إلا بحسب مسرة الآب الصالحة حيث أن الابن يفعل مسرة الآب الصالحة".
والابن من خلال الخليقة يعلن الآب كخالق:
"من خلال العالم، يعلنه كرب صنع العالم
ومن خلال صنعة يديه، يعلنه كفنان مبدع
ومن خلال الابن، يعلنه كآب ولده منذ الأزل"
وكما دافع قديسنا أسقف ليون عن أن الآب هو خالق العالم عند الغنوصيين، كذلك علم بأن هناك مسيح واحد، رغم أننا نلقبه بأسماء عديدة، لذلك المسيح هو نفسه ابن الله، وهو نفسه اللوغوس الكلمة، وهو نفسه يسوع المسيح الإله المتجسد، هو نفسه مخلصنا وربنا.
إن محور خريستولوحيا ايريناؤس بل وكل لاهوته هو الانجماع الكلي في المسيح “Recapitulation” وقد استقى هذا الفكر من رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس حيث يوضح أن غاية الله النهائية من الخليقة كلها التي سيحققها في ملء الأزمنة هي "أن يجمع كل شيء في المسيح" {أف 1: 7}، ويقول ايريناؤس: "في ملء الزمان صار (الكلمة) إنسانًا منظورًا وملموسًا لكي يجمع كل شيء في نفسه ويحتوي كل شيء ويبيد الموت ويظهر الحياة ويعيد الوحدة بين الله والإنسان". (3)
وهذه الكلمة اليونانية التي استخدمها القديس بولس الرسول ثم القديس ايريناؤس تتركب من البدائة اليونانية.
Ανα معناها "من جديد".
Κεθαλαι معناها "قطب، أساس، رئيس".
Όω معناها "يضع".
فهي تتضمن معنى "جمع الأطراف في رأس واحد" أو "تلخيص وتركيز الأشياء المتعددة في مجمل واحد" أو "تكميل الأشياء الناقصة".
وما يقصده ايريناؤس من الانجماع الكلي هو انجماع الكل في المسيح، إذ أن الله يصلح الخطة الإلهية الأولى لخلاص الإنسان والتي أفسدها سقوط آدم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ويجمع الله عمله كله منذ البدء، ويجدده ويستعيده ليراه ويعرفه في ابنه المتجسد الذي صار لنا بهذه الطريقة آدم ثان، ولأن الجنس البشري كله قد سقط بسقوط آدم، لذا كان لا بُد أن يصير الله إنسانًا لكي يجدد الجنس البشري".
"الأمور التي فَنَت كان لها جسد ودم، لأن الرب أخذ ترابًا من الأرض وصنع الإنسان، ومن أجله تم كل تدبير مجيء الرب، لذا صار (الرب) جسدًا ودمًا، جامعًا ثانية في نفسه، ليس عملًا أخر بل نفس عمل يدي الآب الأصلي طالبًا ما قد هلك". (4)
لكن بانجماع الإنسان الأول هذا، ليس فقط آدم شخصيًا بل الجنس البشري كله أستعيد وتجدد:
"عندما تجسد وتأنس، جمع في نفسه تاريخ الإنسان الطويل جامعا ومعطيا لنا الخلاص كي ننال ثانية في المسيح يسوع ما ففقدناه في آدم، أي صورة وشبه الله". (5)
فما يقصده ايريناؤس من "الانجماع الكلي" هو انجماع الخليقة مع الخالق نفسه في المسيح الذي يحقق في نفسه ملء الوجود الكلي للخالق والخليقة معًا:
"فان المسيح كما قلنا قد وحد الإنسان مع الله... فقد كان لائقًا أن الوسيط بين الله والناس بحق قرابته الخاصة مع كل منهما يعيد الألفة والتوافق بينهما ويقدم الإنسان إلى الله ويظهر الله للإنسان.... فإنه من أجل ذلك قد جاء مجتازا في جميع الأعمار لكي يعيد للجميع الشركة مع الله". (6)
فغاية التجسد النهائية هي إعادة الشركة بين الله والبشرية وهذا هو ما لم يفهمه الهراطقة:
"إن البعض لا يقبلون عطية التبني ويحتقرون الميلاد البتولي الذي به تجسد كلمة الله، وهم بذلك يحرمون الإنسان من الارتقاء نحو الله، ويصيرون غير شاكرين لكلمة الله الذي تجسد من أجلهم، فانه لهذه الغاية صار ابن الله ابنًا للإنسان: لكي يتحد الإنسان بالكلمة ويقبل التبني فيصير بذلك ابنًا لله". (7)
وهكذا جدد المسيح كل شيء بهذا الانجماع الكلي فيه:
"ما الذي أعطاه الرب عند مجيئه؟ أعلم أنه أعطى كل الجدة newness بأن أعطى نفسه، هو الذي قيلت عنه النبوات، لأن هذا قد أعلن قبلًا، أن جدة ستأتي وتعطي حياة للإنسان". (8)
ذلك أن أفعال المسيح الخلاصية التي أتاها من أجل خلاصنا إنما تبلغ إلينا من خلال هذه الحقيقة الإلهية، أي تجميع البشرية كلها في جسد المسيح، لأنه يحوي في ذاته الكل ومنه ينبع الكل ويتجدد.
يشرح ايريناؤس تلك المقابلة البديعة بين آدم والمسيح، على اعتبار أن الخليقة هي خليقته الخاصة، التي استجمعها ثانية في نفسه، فيقول أبو التقليد الكنسي:
"استجمع ثانية في نفسه كل تاريخ الإنسان، مُجملًا الخلاص ومقدمًا إياه لنا، حتى ننال ثانية في المسيح يسوع ما فقدناه في آدم (أي صورة الله ومثاله)، فالله جمع في نفسه خليقته القديمة، أي الإنسان، لكي يبيد الخطية، ويهلك الموت، ويحيي الإنسان "لذلك فإن كل أعمال الله حق" {تث 32: 4}".
ويعبر القديس ايريناؤس بلفظ رائع أن آدم لم يفلت من تحت يدي الله، إذ حتى بعد السقوط كانت يدا الله تمسكان به، ومن خلال العهد القديم "كان الكلمة حاضرًا مع البشرية إلى اليوم الذي اتحد فيه هو نفسه بخليقته وصار جسدًا".
ويشرح القديس ايريناؤس كيف ألغى عصيان آدم بمقتضى الطاعة الكاملة لآدم الثاني، حتى ينال الكثيرون الخلاص والتبرير بطاعته، فيقول:
"وهكذا صار الكلمة جسدًا، حتى تبطل الخطية تمامًا بواسطة هذا الجسد نفسه الذي سبق أن ملكت فيه الخطية، لذلك أخذ الرب لتجسده نفس الشكل الأول حتى يشترك في المعركة عن سلفائه ويغلب في آدم ما صرنا نحن مغلوبين منه في آدم".
وفي مجال المشابهة بين آدم والمسيح نجد القديس ايريناؤس يتكلم عن الاقتداء بالمسيح، عندما يوهب الإنسان مشابهة الله ومثاله، فيقول:
"حينما صار الكلمة إنسانًا وشابه الإنسان، جعل الإنسان يشابهه، وبصيرورة الإنسان على شبه الابن صار عزيزا في عيني الآب". (9)
ويبين لنا ايريناؤس الليونى أن تعاليم السيد المسيح ومثال المسيح لا يمكن أن ينفصلا عن عمل الصليب، لأنه فقط بتجميع المسيح في نفسه كل مرحلة من عمر الإنسان أكمل المسيح الخلاص، بل هناك على خشبة الصليب (شجرة الطاعة) أباد المسيح الموت الذي سببته خشبة العصيان (10).
والوعد للمرأة الأولى بأنها ستسحق رأس الحية، يشرح المعركة بين المسيح والشيطان والتي حدثت على الصليب، وإن كان الشيطان قد غلب في المعركة ظاهريًا وإلى حين، لكن المسيح انتصر بعد ذلك إلى الأبد، وكان لا بُد أن رئيس البشرية نفسه يصير إنسانًا لكي يستجمع في نفسه الحرب الدائرة بيننا وبين عدو جنسنا وليدخل المعركة مع قاهر آدم فيقهره، مقدمًا الانتصار على الموت إلى الذين كانوا في آدم أسرى الموت والشيطان. (11)
فنسل المرأة هو المسيح الغالب الذي سحق رأس الحية وأباد آخر عدو الذي هو الموت وأطلق سراح آدم لأن خلاص المسيح هو إبادة الموت. (12)
فالمسيح بواسطة آلامه أباد الموت والخطية، والفساد والجهل، وألبس المؤمنين عدم الفساد، ويقول القديس ايريناؤس:
"المسيح حارب وغلب، لأنه إنسان خاض المعركة عن الآباء، وبطاعته ألغى العصيان تمامًا، لأنه ربط القوي وحرَّر الضعيف، وبإبادته للخطية ألبس خليقته الخلاص". (13)
ويضيف القديس ايريناؤس أن: "نزول المسيح إلى عالم الأموات (الجحيم) كان فيه أيضًا تحرير آباء العهد القديم". (14)
ويسوق القديس ايريناؤس دليلًا على العلاقة بين الخلاص من الموت والخلاص من الخطية، ذلك هو معجزة شفاء المفلوج (مت 9: 2-9)، فهذه المعجزة تعني أن ابن الله الوحيد قد أتى من عند الله لخلاص الإنسان، والله وهب غفران الخطية في ابنه، ولأن المرض كان أحد نتائج الخطية فقد أصبح من اللائق أن الذي أتى بالخلاص Σωτηρία (سوتيريا) يصير هو الآتي بالصحة والشفاء من الموت أيضًا.
وفي مواجهة الغنوصيين يصر ايريناؤس يصر على أن الذي أتى بالخلاص من الخطية هو الذي أتى بالخلاص من المرض، هو المسيح نفسه، لذلك حينما غفر المسيح الخطية (في معجزة المفلوج)، ففي الوقت نفسه شفى المرض، وبالتالي أبرأ من الموت، وهكذا أعلن عن نفسه من يكون، لأنه لا يستطيع أحد أن يغفر الخطايا إلا الله وحده، فخلاص الشفاء وخلاص المغرة، الذي أتى به المسيح كشف عن أنه هو كلمة نفسه، وأنه بالرغم من أنه صار إنسانًا وتألم من أجل البشر (كإنسان)، لكنه هو الله الذي صنع رحمة بالإنسان وغفر له خطيئته (كإله).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/st-erinaos/christology.html
تقصير الرابط:
tak.la/7fdw9z3