بعد نياحة الأنبا أنطونيوس كوكب البرية، تولى القديس أموناس رئاسة الجماعة الرهبانية في بسبير Pispir، ويُعتقد أنه هو عينه أموناس الذي ذكره روفينوس المؤرخ كأحد تلاميذ الأنبا أنطونيوس، ويمكننا أن نستشف القليل من المعلومات عنه من الأقوال المنسوبة إليه في كتاب "أقوال الآباء Apphthegmata Patrum"، فمنه نعرف أنه قضى أربعة عشر عامًا في الإسقيط، إذ يقول:
"لقد قضيت 14 عامًا في الإسقيط متضرعًا إلى الله ليلًا ونهارًا كي يعطيني نصرة على الغضب".
ومن هذا الكتاب عينه نعرف إنه زار الأنبا أنطونيوس في مغارته بعد أن اقتيد إليها بطريقة معجزية، فنقرأ فيه:
"كان الأنبا أموناس ذاهبًا في أحد الأيام لزيارة الأنبا أنطونيوس، وضل طريقه، فجلس وغفا لوقت ضئيل، وعندما استيقظ، صلى إلى الله قائلًا: "أتضرع إليك أيها الرب إلهي، لا تدع خليقتك تهلك" وفي الحال ظهرت يد من السماء وبينت له الطريق حتى وصل إلى مغراة الأنبا أنطونيوس الذي تنبأ له بنمو روحي عال، فقد ورد في "أقوال الآباء":
"تنبأ الأنبا أنطونيوس بأن الأنبا أموناس سوف يتقدم في مخافة الله، فقد قاده خارج قلايته وأراه حجرًا وقال له: "اضرب هذا الحجر" ففعل هكذا، ثم سأله أنطونيوس: "هل قال الحجر أي شيء؟" فأجاب: "لا" عندئذ قال أنطونيوس: "أنت أيضًا ستستطيع أن تفعل هذا" وهذا ما حدث فعلًا، إذ تقدم أموناس حتى صار صلاحه عظيمًا جدًا، ولم يكن يعرف الشر".
وتمثل رسائل القديس أموناس المترجمة هنا، مصدرًا ثمينًا لمعرفة تاريخ الرهبانية الأولى في برية الإسقيط، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. إذ تكشف عن نسك أصيل وعميق خال من كل فلسفة أو نظرية.
وفى هذه الرسائل، يتحدث أموناس عن العديد من الموضوعات الهامة، وأفكاره فيها نافعة لنا في زماننا الحاضر تمامًا كما كانت نافعة لأولاده منذ ستة عشر قرنًا، وفي العديد من رسائله (2 ,3 ,7 , 8) يؤكد على ضرورة طلب العطايا الروحية ويردد "اطلبوا دومًا النهار والليل"، "اطلبوا الروح القدس بكل قدرتكم" لكن يجب أن نطلب بدون شك أو تردد بل بملء الإيمان لكى يهب الله قوة إلهية δυναμισ Θεικη وتعزية وحلاوة تتمثل في فرح وحرارة روحية، ويجب أن يهتم الإنسان بهذه العطايا الروحية على الدوام ويحرسها، وإذا ذهبت عن الإنسان حرارته الأولى علية أن يجد في طلبها وسوف تعود.
وشرط نوال هذه العطايا الروحية هو أن يكون الطلب والسؤال من كل القلب، فيكون القلب منشغلًا تمامًا بالله نفسه، من أجل الله نفسه، وليس لأجل أي هدف أو شيء آخر، ويجب أن يكون جسد الإنسان حيًا وليس ميتًا، كما يشرح أموناس (رسالة رقم 1)، مستخدمًا كلمة "الجسد" بمفهوم إيجابي جدًا، إذ يشير إلى الإنسان ككل.
وفى رسائله أرقام 9، 10، 13، يحذر أموناس هؤلاء الذين ينالون العطايا الروحية من أنهم سيواجهون حروبًا لا محالة، يشنها الشيطان عليهم لأنه يريد أن يحرمهم من البركات الجديدة التي نالوها، وعلاج هذه الحروب هو الشكر لله والصبر في كل الأمور، لكن يجب أن نعرف أن التقدم في الحياة الروحية مستحيل بدون هذه التجارب، وبعد اجتياز هذه التجارب، يتمتع الإنسان بموهبة التمييز، ويجب أن يتضرع الإنسان ويصلى لأجل نوال هذه الموهبة (رسالة رقم 4).
والتمييز بين إرادة الله وبين خداع الشياطين هو موضوع الرسالة الحادية عشر، وهي تتحدث أساسًا عن ضرورة طاعة المرشد الروحي، لأنه قادر على تمييز ومعرفة المصدر الحقيقي للدافع وراء أي عمل، أفضل مما يستطيع الإنسان نفسه أن يعرف.
ومن الرسائل أرقام 6، 8، 12، يتضح لنا أن هؤلاء الذين أعطوا مواهب روحية يخرجون في زمن مناسب للخدمة بطريقة أو بأخرى، لأن العالم في احتياج شديد لمن لهم المواهب الروحية من هذا النوع، وأهم أعمالهم هي الصلاة لأجل الآخرين (رسالة رقم 8)، وفي الرسالة رقم 12 يشرح أموناس أن فاعلية صلواتهم والإنسان المُثلى متى خرج من العالم، ازداد نموًا في الصلاة، ويصير له دور هام في المجتمع حتى وإن كان هذا الدور خفيًا.
وصلتنا هذه الرسائل باللغات اليونانية والسريانية والغريغورية والعربية والأرمنية والأثيوبية، ورغم أن هذه الرسائل كُتبت في الغالب بالغة اليونانية، إلا أن النسخة السريانية (أقدم مخطوطة لها ترقى إلى عام 534 م) تقدم بوضوح تاريخًا أقدم للنص من ذلك الذي يقدمه النص اليوناني، ولذلك كانت النسخة السريانية هي المصدر الذي نُقلت عنه الرسائل إلى اللغة الإنجليزية.
وقد ترجمنا هذه الرسائل إلى العربية من الترجمة الإنجليزية التي قام بها ديرواس تشيتي Derwas J. Chitty وراجعها وقدم لها العالم سباستيان بروك Sebastian Brock أستاذ اللغة السريانية بجامعة اوكسفورد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/st-amonas/letters.html
تقصير الرابط:
tak.la/fz23xyb