66- ماذا يحدث إذا زادت الخيالية عند الشخص الانطوائي؟

يقول الدكتور عادل صادق: 

هي شخصية من صنع الله.. صاحبها ليس مريضًا.. ولكنه إنسان غريب.. غير المتخصص يقول عنه إنه إنسان غير طبيعي.. تصدر عنه أفعال وأقوال قد نستنكرها وتثير حيرتنا وتعوق الاتصال بيننا وبينه.. مَنْ يعاشره أو يعرفه عن قرب يستطيع أن يكتشف بسهولة تلك الأشياء الغريبة في سلوكه وتفكيره.. حتى كلامه يبدو غير طبيعي في كثير من الأحيان.. أعراض قريبة الشبه بأعراض مرض الفصام ولكنها ليست شديدة بالقدر الذي نراه في مرض الفصام.. ولهذا فهو ليس مريضًا ولكنه صاحب شخصية غاية في الغرابة..

تفكيره غريب.. إيمان مطلق بأشياء خرافية كاتصال الإنسان بالجن وتسخيره لخدمته وتأثيره عليه، والحاسة السادسة والاتصال الروحي بالموتى وقدرة الآخرين على الإحساس به والاتصال بمشاعره، هذا بالإضافة إلى تفاؤله وتشاؤمه إلى أقصى حد من أشياء غريبة ولجوئه المستمر إلى من يدعون القدرة على معرفة الغيب وقراءة الحظ والطالع وخضوعه لهم ووقوعه تحت تأثيرهم، وتكاد حياته لا تثير إلا بتوجيهاتهم ونصائحهم.. وتشغله هذه الأشياء وتحتل مركز تفكيره وتتحكم فيه وهو دائم الحديث عنها.. هذه الأشياء تسيطر على أسلوب حياته وعلاقاته بالآخرين..

..

 وحساسيته المفرطة تجاه الآخرين تجعله يشعر دائمًا أنه مراقب بعيونهم، أنه محط أحاديثهم وتعليقاتهم ونقدهم.. إنهم يسخرون منه.. ولكن الأمر لا يصل إلى حد الاعتقاد الخاطئ المرضى بأنه مضطهد ومهدد بالقتل أو الإيذاء..

St-Takla.org Image: Waiting comic, contemplation on the roof, details, used with permission - by Mina Anton صورة في موقع الأنبا تكلا: كارتون قصة قصيرة: انتظار، التأمل على السطوح، تفاصيل، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون

 إدراكه أيضًا قد يضطرب فيحدث له ما نسميه بخداع الحواس. فلحبل قد يراه على أنه ثعبان يتحرك أو يشك أن أحدًا يتابعه إذا رأى ظلًا يتحرك من بعيد.. كما قد تداهمه أحاسيس أكثر غرابة فيشعر بأن هناك قوة غريبة أو أن هناك شخصًا موجودًا معه في المكان الذي يجلس فيه، فيقول مثلًا أنه يشعر يقينًا في هذه اللحظة أن أمه المتوفاة موجودة معه في نفس الحجرة..

 وثمة أحاسيس أخرى كإحساسه بالاندهاش والاستغراب للواقع والأشياء المحيطة به والمألوفة لديه.. يشعر كأنه في حلم، وأن هذه الأشياء المحيطة غريبة عليه.. وحالة الاندهاش أو الاستغراب قد تصيب إحساسه بذاته فيندهش لنفسه أو يشعر بالغرابة.

 وإذا تكلم فإن حديثه يبدو غريبًا ولا يصل إلى هدفه بسهولة ويدور ويلف حول النقطة التي يتحدث فيها دون أن ينتهي منها.. وقد تشعر في لحظة وأنت تستمع إليه أنك لا تفهم ما يقول.. فهناك غموض ولف ودوران وعدم وضوح الفكرة أو المعنى وإطالة لا داعي لها.. ولكن الأمر لا يصل إلى حد عدم الترابط والذي لا نراه إلا في مريض الفصام..

 تشعر بحاجز سميك يفصل بينك وبينه.. هو إنسان ليس لديه القدرة على أن يرتبط عاطفيًا بصديق أو زميل أو جار.. وحتى مع شريكة حياته يكون هناك هوة بينهما أو جدار يباعد كلًا منهما.. عن الآخر.. لا أصدقاء ولا مقربين ولا علاقات اجتماعية ولكنه يعيش في عزلة بعيدًا عن الناس..

 وهذا الإنسان لديه إحساس مفرط للنقد مما يجعله شديد القلق والتوتر في مواجهة المواقف التي قد يتعرض فيها للتوجيه أو النقد أو المحاسبة.. وهو مُعَرَّض أكثر من غيره لحالات من الاكتئاب والقلق.. فسمات شخصيته التي تتسم بالتفكير الغريب والجنوح للخيال أكثر من الواقع والعزلة الاجتماعية تخلق له مشاكل في علاقاته بالآخرين وتزيد إحساسه بالضغط الواقع عليه..

 قد يحكم عليه البعض بأنه مريض لشدة غرابته ولكنه ليس بمريض، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.. وسبحان الله الذي خلق الناس بطبائع وخلائق ومشاعر وأفكار مختلفة.. وبعضها من شدة غرابته يقف قريبًا من حد المرض..