إن كف أو كبت خبرات الماضي صفة ساندة لدى الانفعالين وهم ينسون التفاصيل والذكريات. بعكس مرضى الوسواس أو الشخصية القهرية الذين يذكرون كل شيء بدقة فائقة.
إذا سألت امرأة ذات الشخصية الانفعالية عن شخص ما توفى تقول لك "ياه كان ضخم جدًا" وكأن كل ما تذكره عنه هو مظهره أو شكله الخارجي أو (الانطباع) الذي أخذته عنه مثل (كان رائع) فإذا أعدت السؤال (رائع في أي شيء) تقول: (بس هو كان رائع).
إن سبب الاضطراب الانفعالي شبه الهستيري Histerioni للشخصية يعود للطفولة، فإن أحس الطفل في انتظاره لِمَن يأتي لينقذه من الوحدة أن هذا الشخص لن يأتي، فإنه يكون مهددًا بالشعور بالعدم أو الفناء. ويظل متعلقًا بالحياة طالما كان متعلقًا بالأشخاص وكأنهم مصدر حياته! وهذا الحرمان من الاستقلالية لا يحدث لمن لم يصبهم هذا الإهمال في الصغر، ولعل هذا يفسر ما يحدث في حالة الهستيريا من رغبة في الموت أو الامتناع عن الطعام، وبهذا الانتحار المعنوي يستغيث أصحاب الشخصية المضطربة بالناس لكي يهتموا به ويقبلوه ويلاحظوا وجوده.
وقد يلجأ المريض إلى الخيال (فالأمير شارل) سوف يأتي وكل شيء سيكون على ما يرام ولكن هذا الخيال التعويضي والحلم بالشهرة والجاذبية ينشىء من خوف الانفصال الذي يؤذى هذه الشخصية ويؤلمها حتى النخاع. فالألم الذي شعر به الطفل المهمل وتم كفه أو كبته في اللاشعور يظل كما هو يطل برأسه بعد 20 أو 40 أو60 سنة ويعود الشخص إلى محاولة جذب الأنظار والانفعالية الزائدة أو الانتحار أو الهستيريا. ولهذا فإن هذه الشخصية كلما تحتمل الانتظار لوقت طويل أو الإحباط فهو وقت ميت يذكرها بعدم أهميتها وعدم اهتمام الناس بها ويقودها للغضب والتقلب المزاجي والانفجارات أو إلى المظهرية والإثارة والاستعراض.
ويقع المريض في صراع الذات فيظن أنه هو كما يبدو أو كما يمثل جذابًا مرموقًا مطلوبًا مؤثرًا فإن كان المجتمع يجحد الجمال أو الفهلوة أو (الرَّوشَنة) أو السلطة أو القوة فهذه الشخصية تتلون بما يظهرها غير ما تبطن ويظل داخلها فارغًا يحتاج كما احتاجت السامرية إلى قطرة من ماء الحياة لتشرب وأما علاقاتها السطحية (وحبها - الأناني) فلا يشبعها لأنها لا تعرف الحب الحقيقي المشبع (حب - العطاء).
تميل الشخصية الانفعالية إلى النظرة المثالية لبعض الأشخاص قد تصل إلى الإعجاب الزائد أو التأليه دون النظر إلى عيوبه أو نقائصه، ولا يشترط أن يكون هذا حبًا رومانسيًا. والعجيب أن بعض الناس الآخرين يشعر نحوهم صاحب الشخصية الانفعالية بالنفور أو الخوف أو الاستفزاز دون أسباب كافية أو تفاصيل معينة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكأن عند هذه الشخصية هناك البطل- والشرير ولا يوجد أحد في المنتصف. فهذا إما (شخص رائع أعبده، أو لا أرتاح له- شيء إلهي).
إن عالم الانفعاليون هو عالم غنى بالعاطفة مشحون بالأحاسيس مثير وحار دائمًا. إن ما يلاحظونه فيما حولهم من أحداث وأشياء وعلاقات هي الانفعالات وليس المعلومات أو التفاصيل، أنهم.. ولا يدققون النظر في الحقائق حتى يبدو عالمهم خياليًا بعيد عن الواقع والحقيقة.
وحين يصف الانفعالي موقفًا فإنه يبالغ في ذلك بطريقة غير مقنعة أو معقولة، فمثلًا إذا اشتكى خطيب من تجاهل أو إهمال أو خطأ خطيبته فإن تعبيرات وجهه ويديه وألفاظه وتنهداته حين يصف (العذاب) الذي يذوقه منها، ثم قد ينقلب الموقف بعد يومين فيشرح مقدار الهيام معها وفي كل المواقف هو يبالغ بطريقة مسرحية بتعبيرات أكثر من اللازم وهم في ذلك لا يشعرون أنهم يمثلون أو يبالغون. فإن قلت لهم أن في ذلك مبالغة يتعجبون. في الواقع إن الانفعاليون يصدقون خيالتهم ويصدقون الصورة الأسطورية التي يرسمونها لأنفسهم بطريقة رومانسية وكأنهم أبطال مثل السندريلا Cinderella أو دنجوان Don Juan أو الشجيع فيحكون مرة عن نجاحهم وتجمهر الناس حولهم ومرة عن مخاوفهم المرعبة أو مرة أخرى عن موقف محبط وأزمة بلا حل ومرة عن موقف مضحك للغاية وهذه الأشياء حقيقية بالنسبة لهم وليست تقلبات مزاجية.
وهم يقولون كيف وأنا فتاة رقيقة أجرح الناس هكذا لا ينبغي أن نفهم هذا أن الانفعاليون يعانون من شخصية مزدوجة ولكن سطحية انفعالاتهم تجعلهم متقلبون بين الحب والكره والكرم الزائد والبخل.. إلخ.، فهم لا يسيرون على وتيرة واحدة لفترة طويلة فسرعان ما تختفي المشاعر وتنسى وكأنها لم تكن أو أنها وليدة لحظة وليست مشاعر تراكمية بل وقتية تثار بسرعة وتختفي بسرعة.
ويعانى الانفعاليون من التعميم، فالتخمين بأن شيء ربما يكون هكذا ينقلب بأن يكون عقدة راسخة (أكيد أنه هكذا) وانطباع أولى بأن شخص ما حقود يتحول بسرعة إلى أحكام وثورات ضده. إن كل فكرة تطرأ على ذهنهم تتحول إلى انفعال يسود الحالة النفسية وإن كنا لا نشعر إن هكذا الانفعال يؤثر على كل كيان الشخص أو أنه موقف دائم بل ردود أفعال.. وانطباعات متسرعة وسطحية.
ومن المؤسف إن حب الانفعاليون وحب الشخصيات شبه الهستيرية من هذا النوع المؤقت من الانفعالات التي لا تدوم فكما أن ليس لهم آراء ثابتة وقناعة عميقة فليس لديهم مشاعر ثابتة أو حب يدوم.
إن الانفعاليون لا يفكرون في التبعات بجدية كافية.
تقول أحدهم: أنى كنت أشك في أن زوجي قد يخونني وكانت هناك أدلة ولكن لم أكن أتوقع أن هذا يحدث إني لا أصدق رغم تأكدي. إن حيرتهم وعدم تلامسهم مع الواقع يجعلهم كأنهم في (تمثيلية الحياة) وليس في الحياة المادية نفسها. ولأنهم لا يصدقون ما يحدث بل يفاجأون بالواقع فنحن ننظر إليهم على أنهم بسطاء أو أبرياء أو غير ناضجين أو بهم سذاجة وفي الواقع يدركون الحقيقة ولكنهم لا يصدقونها حتى تحدث لأن مشاعرهم تحملهم بعيدًا عن الواقع ولعلهم يستمتعون بهذا (التبلد الظريف) والغير مبالي بالواقع (عايش مع نفسه).
وتتعجب من سطحية الانفعالات عند هؤلاء الناس فتجده شديد الغضب ولكنه لا يستمر فيه، ولا يتذكره، ولا يخزنه، أنه لا يبالى حتى بالمشاعر التي يمر بها، كلها عابرة حتى كأنها فيلم يحكى أمام عينيه.
فهذه الخطيبة تقابل خطيبها أسبوعيًا وتسير الفسحة أو الجلسة في البداية بطريقة جميلة ثم عند لحظة الوداع تبدأ المشاكل فتنقلب لأتفه الأسباب وتتركه في غضب وبسرعة ويبدأ للقاء الثاني باعتذار الخطيب وهي تقبل ذلك ولكن اللقاء ينتهي بنفس ما انتهى به اللقاء الأول بسبب تقلبات المزاج.
لدرجة أن العلماء يعتقدون أن هذه الأمزجة المتقلبة تهبط عليهم أو تزروهم كالضيف المؤقت أو تمر من خلالهم ولكنها ليست هي موقفهم الحقيقي من الحياة أو الأشخاص منهم منفصلون بكيانهم عن مشاعرهم وبعد أن تمر نوبات الانفعال قد يندمون عليها بل يقولون حرفيًا:
(دا كان من وراء قلبي)
(كأني كنت مش أنا)
وهم بهذا يحاولون أن يجدوا الأعذار لسطحياتهم ولكنهم يعون تمامًا أنهم مندفعون متدفقون بحيوية زائدة وهم لا يعانون من غياب الوعي لفترات صغيرة وقت الانفصال فهذا ليس صحيحًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonious-kamal-halim/difficult-characters/emotional-reality.html
تقصير الرابط:
tak.la/h485dtb