هم من الشخصيات المهمة في المجتمع اليهودي وموجودين في كل مكان، في اليهودية والجليل ووسط الشتات اليهودي. الكاتب متكلم بإسم الناس وله إحترامه وسط الناس، ويحرك الجموع كمن له سلطة. يختارونه بوضع يد الربيين فيصير رابى أو رابون. وكانت بداية هؤلاء الكتبة في بابل. رابى تعني سيدى العظيم. يعتبر كلامه أمثال. مملوء معرفة ولا يهرب منه معنى، معلم للناموس وله إحترامه وتقديره في المجتمع. ويعامل الكتبة كنبلاء روحيين وسط شعب جاهل لا يعرفون الناموس وهم قضاة في الأمور الكنسية. ومع أنهم يظهرون دائما مع الفريسيين لكنهم ليسوا بالضرورة فريسيين. فالفريسيين لهم صفة دينية أما الكتبة فهم لهم مركزهم ووظيفتهم المرموقة. ولذلك نجد في العهد الجديد أن السيد المسيح يوجه كلامه قائلًا "أيها الكتبة والفريسيون المراءون.." فيميز الكتبة عن الفريسيين. وصار لهم اسم الحاخام (من حكماء). وقيل أن لهم درجة وإحترام في العالم الآخر، ولهم تمييز هناك كما لهم هذا الوضع الخاص على الأرض. وكان على كل الناس أن يقدموا لهم الإحترام. وقالوا إن الملائكة تفرح بكلماتهم والله نفسه يقدرهم. بل قالوا أنه يجب إحترام كلامهم حتى لو قالوا على شيء أنه في اليمين بينما هو في اليسار.
ومؤسسة بهذه القوة والنفوذ لا تنشأ بين يوم وليلة. ولكنها بدأت من أيام عزرا ونحميا. ولكن التاريخ لم يحفظ لنا تفاصيل بدايتها. فنعرف من (عز7: 6- 12) أن عزرا الكاتب أنه وضع في قلبه أن يطلب شريعة الرب، ويعمل بها ويعلمها للشعب. وكان هذا عمل من تبعه فسجلوا دراساتهم في كتب المشناة والهالاكاه والهجادة. وفيهم بحوث في التوراة وما يجب ملاحظته وما هو التعليم الشفهى للناس.
وعزرا لم يكمل عمله ولما عاد نحميا في وصوله الثاني لأرض فلسطين وجد هناك تشويش كبير. ووجد أهمية أن تكون هناك مؤسسة لها صلاحيات دائمة لمراقبة الأمور الدينية. وأطلق عليها "المجمع الكبير" وتكون من قادة الأمة ورؤساء الكهنة والشيوخ والقضاة. وكان الكتبة من هؤلاء الشيوخ والقضاة. وكان لهم نفوذ عظيم. وهم أحاطوا التوراة والتراث بهالة عظيمة كسور لا يُقترب منه. ومع الوقت إنفرط عقد هذا المجمع الكبير، ونسمع عن رئيس الكهنة سمعان البار أنه هو من البقية الباقية من هذا المجمع. وبعد حبريته جاءت أزمنة تجارب شديدة وتركت الدراسات المقدسة والأحكام لأفراد منفردين. وسجل التاريخ اسم أنتيجونوس من سوشو. وهنا ولأول مرة نقابل إسما يونانيا وسط السلطات الربية، مع إشارات غامضة لتلاميذه.
وما بين سمعان البار وأنتيجونوس أتت الفترة المؤلمة من إضطهاد أنطيوخس إبيفانيوس لليهود. وكان قول سمعان البار أن دوام ثبات الأمة اليهودية يرجع إلى إتباع التوراة والعبادة وعدم الإشتراك في صبغ المجتمع بالحياة اليونانية. ونتيجة الإضطهادات نشأت أفكار وسط الشعب أنه لمن غير المفيد عبادة الله. ورد أنتيجونوس "لا تكونوا من النوع الذي يعبد الله لأجل المكافأة، ولتكن خشية الله أمام أعينكم".
وجاء بعد سمعان البار وأنتيجونوس من كان لهم أسماء الثنائيات الخمس وكان آخرهم هليل وشماى. وهؤلاء كانوا في فترة هيرودس وأيام المسيح [ثنائيات مثلا كرئيس ونائب رئيس للسنهدريم]. وكانت تعاليمهم تشير بإحترام لتعاليم الكتبة الربيين. وملاحظ أنه في فترة الإضطرابات التي بدأت بإضطهاد أنطيوخس إبيفانيوس إختفى المجمع الكبير ونفوذ الكتبة. وجاء دور الشيوخ ووظيفتهم الحفاظ على الدين.
وبدأت فترة جديدة مع وصول المكابيين للحكم، فعادوا للنفوذ والقوة بتشجيع الحسيديين (أي الأتقياء وهؤلاء كانوا كحزب قومى في البلاد وقف في وجه صبغ الأمة اليهودية بالصبغة اليونانية). ولكن في مقابل هؤلاء ظهر معهم الليبراليين أي المتحررين بالنسبة للإيمان. وهؤلاء الليبراليين أبعدوا المكابيين عن هؤلاء القوميين الحسيديين فعادوا للإختفاء عن المشهد. وإندمج المتشددين منهم مع المتشددين من الفريسيين. ومع ظهور الشدائد في البلاد ظهر حزب القوميين مرة أخرى. وبدلا من الحسيديين ظهر حزبان هما الفريسيين والصدوقيين. والصدوقيين ظهروا كرد فعل للفريسيين المتشددين، كحزب معتدل متعاطف مع الميول الأخيرة للمكابيين. وقال يوسيفوس أن هؤلاء الحزبين بدأ ظهورهم من أيام يوناثان المكابى (160 - 143 ق.م.). ويوناثان صار رئيس كهنة بموافقة السلطة اليونانية بجانب كونه حاكم علمانى.
أما المكابيين في حكمهم فقد جعلوا لأنفسهم كينونة ورياسة وسكوا عملة بإسمهم وجعلوا لهم حكومة أرستقراطية (يوسيفوس). وإستمر هذا الحال إلى أن وصل للفرقة الكاملة بين المكابيين والفريسيين أيام يوحنا هركانوس الرابع بين المكابيين. ونشأ هذا الخلاف برغبة الفريسيين في أن يترك المكابيين رئاسة الكهنوت ويتفرغوا للحكم. وإنتهى هذا النزاع بإضطهاد الفريسيين ونزع أي سلطة منهم. ومن الملاحظ أنه في هذه الفترة صار للتقليد اليهودي أهمية، وصار للربيين المشاهير فقط الأمور الكنسية الدينية والتقاليد. وصارت الرياسة التي كانت في زمان المكابيين الأوائل تسمى "كرسى قضاء أو محكمة الأسمونيين" الآن تحولت للسنهدريم. لذلك ينسب أصل تلك المؤسسة لزمان يوحنا هركانوس. وقوة هذا السنهدريم كانت تختلف من وقت إلى آخر. ففى وقت نجد له قوة مطلقة كما في زمان حكم الملكة الكسندرا المؤيدة للفريسيين. وفي أحيان أخرى لا يكون لهم سوى التدخل في الأمور الدينية. ولكن في أيام المسيح كان للسنهدريم قوته الكاملة. إلا أن السلطات الرومانية حرمت السنهدريم من النظر في القضايا الكبيرة التي يكون العقاب فيها بالإعدام، نظرا لشك الرومان في حيادية وعدل أحكام السنهدريم. وكان ذلك قبل خراب الهيكل بـ 40 سنة. لذلك لم يستطع السنهدريم أن يحكم على المسيح بالقتل وذهبوا لبيلاطس ليصدر هو الحكم.
هذه التقاليد للأسف كانت ضد شريعة الملكوت الجديدة. ولكن كانت بالنسبة لليهود هي الرباط الذي يربط الكل. ومفروض بشدة على الكل ليس فقط كمساو للناموس بل ربما أكثر منه. وإعتبروا أن التقليد له أصل إلهي مثل الكتاب المقدس فهو يفسر كلمات الكتاب وله السلطة على ذلك وهو يكمل الكتاب. ويعطى تطبيقات لأشياء غير موجود شرحها. ووضعوا سورا حول تقاليد الأباء لا يمكن الإقتراب منه. ويتم تسليمه من القديم للحديث. وهو لا يمكن تغييره، بل يتميز المعلم اليهودي بأنه لا يحيد عما تسلمه. ولا يستطيع السنهدريم أن ينسخ منه شيئا.
وهذه الشرائع من التقليد كان لها اسم هالاخاة بمعنى كيف سار الأباء، وعلى الأبناء إتباع نفس الطريق. وهى إما وصايا الكتاب مباشرة أو مشتقة منه، ويضاف لها عادات صار لها صفة الشرعية. وهذه التقاليد تدخل في كل شيء، وتضع قوانين لكل فرض محتمل أو حتى غير محتمل حتى في تفاصيل حياة العائلات الخاصة كقيود حديدية ونير لا يمكن الفكاك منه، وفي الحقيقة لا يحتمل.
ونسج اليهود أساطير خيالية حول تقاليدهم وأنها من أيام سام وإبراهيم ويعقوب. وأن إبراهيم إلتزم بها وهكذا من جاء بعده. ونسبوا لموسى تقسيم فرق الكهنوت إلى 8 وجاء بعده داود وقسمها إلى 24 فرقة. وقالوا إن آدم خُلِق مختونًا وأنه حفظ كل الشرائع الربية. وأن الله أعطى موسى التوراة على الجبل ومعها التلمود والمشناة والهاجادة، وهذا ما عرضه الشيوخ وأظهروه بعد ذلك. وقالوا أن موسى أراد أن يكتب كل هذا ولكن الله منعه لأن الله كان يعلم أن اليهود سيتعرضوا للخضوع لشعوب أخرى، فتأخذ هذه الشعوب هذه الكتابات المقدسة. وبقيت هذه الكتابات المقدسة مخفية حتى تظل ميزة لليهود عن الأمم وفاصل بين اليهود والأمم. وزاد الربيين فقالوا أن ما تسلمه موسى من التقاليد شفويا ولم يكتبه هو في درجة أسمى مما كتب. وفسروا الآية "قال الرب لموسى اكتب لنفسك هذه الكلمات.لانني بحسب هذه الكلمات قطعت عهدا معك ومع اسرائيل" (خر34: 27) على أن عهد الله مع موسى والشعب كان على ما تسلمه موسى شفويًّا وليس المكتوب. ولأن موسى خاف من أن ينسى الناس ما تسلمه شفويًّا ولم يكتبه فيتم تحريفه كان يردد المشناة على أسماع هرون وأبناءه والشيوخ، وهم يرددونه لبعضهم البعض. وقالوا أن هرون سمعها 4 مرات وأن أبنائه سمعوها 3 مرات والشيوخ مرتين والشعب مرة. ولكن مع الترديد سمعها الشعب 4 مرات. وموسى قبل موته كان يجمع إليه الجميع ليتأكد أنه ليس هناك من نسى شيئا مما سمعه. وهم جمعوا إلى التوراة نفسها ما قالوا أن موسى إستلمه شفويا ولم يكتبه، وجمعوا له أيضًا تعاليم شيوخهم فيما يسمى المشناة أو الناموس الثاني. وفصل اليهود بين التوراة (خمسة أسفار موسى) وبين بقية أسفار الكتاب بما فيها الأنبياء، وجمعوا معها كل التقاليد الشفوية وأطلقوا عليها الكابالاة والمعنى ما تم إستلامه.
ولقد تأخر زمنيًّا كتابة هذه الكتب المسماة الهالاخاة حتى زمن الإمبراطور هادريان (132 - 135 ب.م.) بسبب الصراع بين الفريسيين والصدوقيين. ولكن النسخة المعتمدة لهذه المجموعة هي من عمل يهودا القديس الذي مات في نهاية القرن الثاني، وهذه المجموعة هي ما يعرف بالمشناة.
1) البركات وتشمل أوقات الصلاة وطرق الصلاة. والعشور والبكور والسنوات السبتية.
2) ما يختص بالسبت والأعياد.
3) خاص بالخطبة والزواج والطلاق والناذرين أنفسهم.
4) القوانين الجنائية والشرائع الخاصة بعابدى الأوثان.
5) خاص بالذبائح والتقدمات وكل ما هو مخصص لله كأبكار البهائم ونظام الخدمة الصباحية والمسائية ونظام الهيكل.
6) التطهيرات أي ما هو نجس وما هو طاهر من البشر والبهائم والجماد.
حتى الآن لم نتكلم سوى عن المشناة. ولكن المشناة لا تمثل سوى جزء بسيط من التقاليد. وأضيف لها مع الوقت كل المناقشات والشروحات والإضافات على ما ذكر في المشناة من تطبيقات أو من خلال المناقشات في المعاهد الدينية، وجمعت بواسطة السلطات الربية فيما يسمى التلمود (وهو كتابين). وهى جامعة لما يشبه محاضر جلسات الربيين وإستطراد لبعض القوانين والحكايات والأساطير وأقوال غريبة بل وخرافات. بل وأقوال فاحشة. وأقدم التلمودين ينتمى للقرن الرابع الميلادى ويحتوى على ناتج المعاهد الفلسطينية ويسمى التلمود الأورشليمى أو تلمود أورشليم. والتلمود الثاني أتى بعده بحوالى 100 سنة وهو ناتج عن الدراسة البابلية لذلك يسمى تلمود بابل. وكلا التلمودين مكتوب بالأرامية. وقطعا لا توجد مقارنة بين العهد الجديد وهذا التلمود. بل ولا نجد في أحدهم أي جذور أو أصل للآخر. وعموما كل التقاليد تدقيق في الشكليات الخارجية دون الدخول للداخل وهو الأهم بل هو نبع كل التصرفات.
وقوانين موسى هي قوانين ثابتة، لكن على اليهودي أن يطبقها بحسب التقاليد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ونرى الفرق في تعاليم المسيح مع التقاليد اليهودية من (مت15: 11 ، 18). فتعاليم المسيح تعالج الداخل بينما التقاليد اليهودية تهتم بطاعة خارجية وهذا هو البر. ولأن الربيين لا يتكلموا في اللاهوتيات فهم تناولوا كل ما يخص الله والملائكة والشياطين والإنسان ومصيره بنوع من التخيل، وخلطوا هذا بما فيه إسرائيل وماضيها ومستقبلها المجيد. وبجانب ما هو نقى في كتاباتهم ستجد كم هائل من المتناقضات والكثير من الخرافات التافهة. والكثير من الأساطير والتخيلات التي تمجد الوطن. بل وتصوروا أن هناك ما يشبه السنهدريم السماوى، وهذا السنهدريم السماوى يحتاج لمساعدة الربيين الذين على الأرض. وإختلط في تعاليمهم الأقوال المعجزية بالتعاليم المضحكة بل وفي جنوح. ونسبوا للربيين الكبار أعمالا معجزية لتمجيدهم وكأمثلة على ذلك:-
1) هم بكلمة أو بنظرة قادرين أن يقتلوا وأن يعيدوا للحياة.
2) ذهب أحدهم ليلقى نظرة على قبر الرابى شيجا (chija) فوجد القبر قد إختفى بصورة إعجازية لأنه لا يستحق أن ينظر إلى قبره المقدس جدًا أمام عيون البشر العادية.
3) قال هذا الرابى أنه لأجله لن يُنسى الناموس في إسرائيل.
4) بصلاة هذا الرابى شيجا حدثت عواصف وهطلت أمطار وتزلزلت الأرض.
5) لو تجمع الأباء كلهم لجعلوا المسيا يظهر قبل وقته المحدد.
6) عند إلقاء القبض على الرابى ألعازر جعل هذا الرابى وجه هذا الرسول الذي أتى للقبض عليه ينظر للخلف ثم أعاده صحيحا. وبصلاته جعل حائط ينفجر ليهرب من تهم كانت ملفقة ضده.
7) إعتاد الرابى يشوع أن يقبل الحجر الذي كان يجلس عليه الرابى أليعازر ليعلم. وقال أن هذا الحجر كجبل سيناء ومن كان يجلس عليه كتابوت العهد.
8) وهم أضافوا للتقاليد صفة الوحي وأن لها سلطة. وقالوا إن من يقرأ التوراة فقط بدون التقاليد فليس له أي ميزة. بل ليس هذا فقط ، بل على كل واحد أن يدرس كل التقاليد ولا يكتفى بأحدها، فمن درس المدراش ولم يدرس الهالاخا فهو كرجل قوى جدًا ولكنه بلا يدين، ومن درس الهالاخا ولم يعرف شيئا عن المدراش فهو كرجل ضعيف جدًا لكنه له يدين.
لذلك نقول أن التعاليم المسيحية في عمقها وروحانيتها هي على النقيض تمامًا مع تقاليد الربيين، وهذا يفسر قول المسيح أنه يستحيل وضع الخمر الجديدة في زقاق قديم وإلا إنفجر.
وكان أنه تحت ضغط هذه التقاليد وهؤلاء الكتبة فرغت إسرائيل من الروحانيات بل ومن ناموس التوراة وحل مكانها تعاليم الربيين. وشابه اليهود الوثنيين في ضياع كلمة الله الحقيقية وصار لكل طريقه. وصار العالم في ظلمة وإنتظر العالم شروق شمس البر.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jesus-the-messiah/scribes.html
تقصير الرابط:
tak.la/nb67kaj