(يو11: 1 - 54)
زيارة الرب لبيت عنيا كانت ليقيم لعازر، وهذه الزيارة تقسم الفترة ما بين عيد التجديد في أورشليم، وبين دخول الرب إلى أورشليم للمرة الأخيرة في الفصح ليصلب. وكانت إقامة لعازر هي المعجزة الكبرى التي قام بها المسيح ورأينا فيها لاهوته مع ناسوته. وهى السبب المباشر الذي من أجله إتخذ السنهدريم قراره بأن يموت المسيح، وبدأ التخطيط لذلك.
مرض لعازر وأرسلت الأختين مريم ومرثا ليخبرا المسيح الذي كان في بيرية، ويبدو أن العائلة كانت تعلم أين يقيم المسيح في بيرية أو أين مركز خدمته. وتأخر المسيح ولم يجسر تلاميذه أن يسألوه لماذا، إذ هم يعرفون محبة الرب لهذه العائلة. وبعد يومين أخبرهم أنه سيذهب وخافوا أن يقتله اليهود. كانت إجابة المسيح "ساعات النهار إثنتى عشرة ساعة، من يسير في النهار لا يمكن أن يتعثر، أما لو مشى في الليل يتعثر" والمعنى لقد حدد الله لنا عملا وعمرا ننهى فيه العمل وبعد ذلك تنتهى حياتنا على الأرض، ونور النهار هنا مقصود به المدة التي يضئ فيها الرب للإنسان طريقه ليعمل ويتمم عمله. ولا يمكن أن نموت قبل أن يسمح الله عندما ننهى عملنا. وحينما ينتهى نور النهار الذي حدده الله للإنسان ليتمم عمله يتعثر هذا الإنسان أي يحدث له حادثا فيموت، فالتعثر هنا يعنى الموت. فلماذا الخوف، لأنه ليس لأحد سلطان على الحياة إلا الله. ولم يقل السيد "سنذهب إلى بيت عنيا" بل قال "نذهب لليهودية" فلماذا؟ جغرافيا بيت عنيا في اليهودية، ولكن الرب له قصد آخر - فإقامة لعازر كانت جزء من خطة الصليب، فإقامة لعازر كانت سببا مباشرا لإتخاذ سنهدريم اليهودية قرارا بموت المسيح. إذًا إقامة لعازر كانت عملا موجها للرئاسات الدينية في اليهودية.
لعازر له 4 أيام في القبر = فالعادة اليهودية أن يتم دفن الميت يوم موته. وفي إقامة ابن أرملة نايين ذكرنا بعض عادات وشرائع الدفن عند اليهود ونضيف عليها هنا البعض الآخر: في الجليل يتقدم النائحين الذين يتم إستئجارهم النعش أما في اليهودية يسيرون خلف النعش، وهؤلاء يرددون كلمات تذكر فضائل الميت مع أصوات العويل وأناشيد حزن. وتقال خطب في ندب الميت ويفترضوا أن الميت يسمع ما يقال ويلاحظ علامات التأثر على الحاضرين. ومن قصة لعازر نفهم أنه لم يتم دفنه في المقابر العامة في الأرض، وفيها يوضع الميت ويغطون الحفرة بالتراب، لكن لمن له المقدرة كان يقتنى مكانا محفورا في الصخر أو كهف يدفن فيه الميت. وكان المدفن من حجرتين، الداخلية منهم لدفن الميت. ومقابر العامة تكون مرتفعة عن الأرض لأنه لا يليق أن يقف إنسانا فوق جسد ميت، وبين الميت والآخر مسافة 45 سم. وتدهن المقابر باللون الأبيض ليتم تمييزها. وتزرع الورود في المكان. وهناك أماكن معزولة لدفن المجرمين وهكذا المنتحرين، ولا يقام لهم جنازات ولا ندب ولا أي مظهر من مظاهر التكريم. ومن أسماء المدفن عند اليهود بيت الهدوء - منزل الحجر - الخان أو الفندق حيث يبيت المسافر - بيت الراحة - مضجع - وادى الكثرة - دار الآخرة. وكان الدفن يتم قديما بغير كفن. ولو مات طفل بعد أيام قليلة ولم يختن يختنونه قبل الدفن. وكانوا يدفنون الأطفال بغير ندب. وكانت مظاهر الحزن والندب والعويل تستمر 30 يومًا وأشدهم الثلاثة أيام الأولى، ويليهم 7 أيام تقل فيهم شدة هذه المظاهر. ولا تقام مظاهر الحزن في يوم السبت فهو يوم راحة.
وكان للعازر مدفنه الخاص في كهف وغالبا يكون المدفن الخاص في حديقة. ومع أنه كان في صداقة مع المسيح لم يخرجوه من المجمع ولم يعتبروه مرتد. فالمرتد كانوا لا يندبونه بل يلبسون ملابس بيضاء إبتهاجا بموته. وهكذا دُفن المسيح في قبر خاص. وكانوا يطيبون الجسد بعطور كثيرة مثل المر والصبار والزوفا، وبعض زيوت الورود وماء الورد. ثم يلبسون الميت ملابسه ويلفونه بقماش من المفضل أن يكون من الأغلفة التي كانوا يغلفون بها التوراة. فكانوا يحفظون التوراة في أغطية قماشية. ويوجد قبة فوق المقبرة وداخل المقبرة أماكن لعدة متوفين بجانب بعضهم. وكانوا يجمعون العظام بعد مدة ويلبسونها ملابس ويجمعونها معًا.
وكانت بيت عنيا تبعد حوالى 3 كيلومترات من أورشليم. وإجتمع الأصدقاء للتعزية. وكانت العادة أن الرجال ينفصلوا عن النساء. وفي الذهاب والرجوع من المقابر تكون السيدات وحدهن. ولذلك وجدنا المريمات وحدهن في الذهاب لقبر الرب. وكان طبيعيا أن يظلوا يذهبون للقبر يندبون الميت ثلاثة أيام. ولذلك كان عاديًّا أن مريم حينما عرفت بوجود الرب خرجت مسرعة وحدها لتقابله فظنوها ذاهبة للقبر تبكى أخوها.
والعجيب أن بعد هذه المعجزة العجيبة نجد البعض يتوجه إلى الفريسيين ليخبرهم. وينقسم الرؤساء لفريقين أحدهما الصدوقيون ومنهم رؤساء الكهنة قيافا وحنانيا، وهؤلاء لا يصدقون أن هناك قيامة أموات، والفريق الذي يصدق القيامة كالفريسيين قالوا عن طريق الشياطين أو هي حيل وخداع شياطين. ولكن إتفق الجميع على ضرورة التخلص منه لئلا يتبعه الجميع. ولو تبعه الجميع سيتزعمهم ضد الرومان، فيأتى الرومان ويدمرون البلد والهيكل وتختفى إسرائيل كأمة في حربها مع روما. وهنا يذكر قيافا قول يهودي مأثور "أن يموت إنسان خير من أن تهلك الأمة". وكانت هذه آخر نبوة قيلت في إسرائيل، فبموت رئيس الكهنة الحقيقى ماتت النبوة في إسرائيل وإنتهى الكهنوت من إسرائيل. وغالبا فقد أرسل نيقوديموس خطة السنهدريم للرب يسوع ونيتهم في قتله، فإنسحب الرب إلى إفرايم حتى يحين موعد دخوله أورشليم النهائى في الفصح. إفرايم = غير محدد مكانها ولكنها تقع غالبا على حدود الجليل،
فإنزعج يسوع أيضًا في نفسه = القيامة من الأموات ليست عطية أو هبة يعطيها المسيح، لكنها حياة خارجة منه فهو القيامة والحياة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهذا القول إنزعج نتأمل فيه ولا نستطيع فهمه تمامًا ولكن ربما يمكننا القول أنه يظهر جانبين في المسيح لطبيعته الإلهية الإنسانية. فالحياة تنبع من طبيعته الإلهية، أما الجسدية الضعيفة هي التي تجوع وتعطش وتبكى أمام هذا الموقف. فلا ندرى تمامًا ما حدث لها في هذه اللحظة التي عبَّر عنها القديس يوحنا بقوله إنزعج. ونلاحظ أن كلمة بكى هنا هي كلمة غير كلمة بكى يسوع على أورشليم. هنا نزلت الدموع من عينيه، أما في بكائه على أورشليم فكانت دموعه تنفجر مع تنهداته بشدة حينما رأى أمامه مشهد أورشليم وما سيحدث لها. ونلاحظ أن صلاة يسوع أمام الجموع كانت لسبب أن يظهر أن العمل إلهي وأنه مرسل من الله وليس من نفسه ولا من الشيطان.
اليوم الرابع = كان اليهود يؤمنون بأن فساد الميت يبدأ في اليوم الرابع حينما تسقط قطرة مرارة من سيف الملاك على الجسد فيبدأ يبلى، ويتغير شكل الوجه، وتبدأ الروح في مغادرتها النهائية للجسد التي كانت ترتاح فيه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jesus-the-messiah/lazarus.html
تقصير الرابط:
tak.la/7y2ny92