حكم هيرودس الأدومى كل أرض اليهودية. وإمتلأت أورشليم في أيامه بالقلاع والقصور والأغنياء. وإمتلأت أيضًا بالغرباء من كل الأرض. وكما كان سليمان آخر ملك يملك على كل إسرائيل، هكذا كان هيرودس آخر ملك يحكم كل إسرائيل (اليهودية والسامرة والجليل). وبعده قسم الرومان مملكته إلى أربعة أرباع، وصار على كل ربع، رئيس ربع. وكما بنى سليمان الهيكل قام هيرودس بتشييد الهيكل (الهيكل كان موجودا ولكنه قام بتوسيعه، فأصبح على قدر عظيم من الضخامة والجمال. فهيرودس هو الذي أعطاه شكله الفخم. وفي أيام خدمة المسيح كان العمل في الهيكل قد بدأ من 46 سنة، ولكن العمل في الهيكل إنتهى سنة 64 م. أي قبل تدميره على يد تيطس بست سنوات. وكان هذا الهيكل الذي شيده هيرودس هو الأخير إذ أحرقه تيطس الروماني سنة 70 م. والهيكل الذي أقامه سليمان كان أصغر كثيرًا من الهيكل الذي شيده هيرودس. فهيكل سليمان كان أشبه بكنيسة ضخمة أما هيكل هيرودس فكان ضخما ورائعا في جماله، مكسوا بالرخام المطعم بالذهب. فكان مثيرا للتعجب للغرباء ومدعاة لفخر اليهود.
ولكن هيرودس بجانب تشييده هيكل الرب في أورشليم قام بتشييد هياكل وثنية لآلهة قيصر وكان يزينها بروعة. وكان هذا الملك متوحش يسفك الدماء كالماء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. قتل المئات من الربييين وحكماء اليهود وأمراء الأسمونيين (المكابيين) وكل من خالفه الرأى في مذابح بشعة. وغيَّر رئيس الكهنة 6 مرات إلى أن عيَّن رئيس كهنة فاسد تمامًا. ففقد شعبيته. وكان أن نصحه أحد أصدقاءه بتشييد الهيكل لإسترضاء اليهود، ولاقت هذه الفكرة إستحسان هيرودس فهو مغرم بتشييد المدن والقصور الفخمة، وهو أراد إظهار أنه أفضل من الفريسيين والربيين الذين كانوا يعايرونه بأنه أدومى. وكان يعمل بالهيكل 10000 عامل ولهم 1000 عربة لنقل الأحجار، وتحت إشراف 1000 كاهن. وقيل أن من لم يرى هيكل أورشليم لم يعرف معنى الجمال. ولكن كل هذا لم يشفع له حتى عند البسطاء والسذج، وظل مكروها.
كانت أورشليم مبنية على أربعة تلال، وعلى يمين أورشليم تجد جبل الزيتون، وبالمدينة هناك بركة سلوام. ويحيط بالمدينة العديد من الشقوق الأرضية والأودية. ويحيط بها سور به 60 برج. وهى مملوءة بالحدائق. وعلى جبل صهيون تجد الهيكل وبجانب الهيكل يقيم ألاف الكهنة وعائلاتهم. وبجانب الهيكل أيضًا كانت القلعة والقصر القديم الذي أقامه المكابيين، وهناك قلعة أنطونيا التي يسكنها الحاكم الفعلى لأورشليم وكان في هذا الوقت هو هيرودس، وفي أيام المسيح كان بيلاطس البنطى. وكانت قلعة أنطونيا بجانب الحامية الرومانية. أما قصر المكابيين فكان يسكنه أي ملك آخر. ونزل فيه هيرودس أنتيباس ملك الجليل يوم صلب السيد المسيح، ومن أنطونيا أرسل بيلاطس الرب يسوع لهيرودس ليحاكمه. وهناك أيضًا يوم صلب المسيح كان قصر حنانيا رئيس الكهنة. وكان القصر قريبا جدًا من الهيكل، وأيضًا السنهدريم. ومن هذا المكان نجد طريق الصليب إلى الجلجثة.
وإمتلأ الهيكل بالزوار من كل الجنسيات، من الهيللينستيين والجليليين ومن الفريسيين والصدوقيين الساخرين منهم، كل بملابسه المميزة. والأسينيين بملابسهم البيضاء المميزة (هم طائفة من النساك). وكان هناك الكثير من الكتبة والمعلمين مع تلاميذهم. وكان الكثيرون يأتون للهيكل ليسألوا المعلمين. وهناك الكثير من المجادلات حول أمور دينية، ويتكلمون حول ماضى إسرائيل المجيد ويتطلعون لأيام يستعيدون فيها هذا المجد في المستقبل. وتجد في الهيكل الكثير من المجادلات حول مسائل تبدو كألغاز يستعرض بها المعلمون معلوماتهم، وكانت هذه المجادلات لا تنتهى. ويجئ للهيكل الكثير من الشعب البسيط الذين يأتون للعبادة وتقديم ذبائحهم وتقدماتهم وإيفاء نذورهم، وهؤلاء كانوا يعاملون بجفاء لأنهم جهلاء. وكان هناك أيضًا دار للأمم وعليهم أن لا يتخطوا حدا معينا وإلا قتلوا. ويوجد بالهيكل الصيارفة لتغيير العملات من كل أنحاء العالم التي يأتي بها الحجاج إلى العملة اليهودية، التي يتم التعامل بها في الهيكل. كما يوجد باعة الحيوانات والطيور التي تقدم كذبائح. وإمتلأ الهيكل أيضًا بالفقراء والشحاذين والمرضى الذين يأتون طالبين المعونة. وكان عدد سكان أورشليم يقدر في ذلك الحين بحوالى ربع مليون نسمة ويتضخم العدد في المواسم.
كانت مساحة أورشليم تقدر بحوالى acres 300 (الـacre = تقريبًا 4000 متر مربع). وبجانب قصور الأغنياء فهناك أحياء للفقراء والمحال التجارية التي يباع فيها كل شيء من البضائع الثمينة الغالية للأغنياء كالعطور الثمينة والأقمشة الفاخرة والذهب والمجوهرات. وهناك ما يحتاجه الفقراء أيضًا. وكان يمكن للفقير أن يعيش فأسعار المعيشة الضرورية في متناول يده، بل له الحق في إلتقاط طعامه من الحقول. وكان هناك أكاديميات للربيين تضم المئات، ومجامع لكل طائفة (الإسكندريين والقيروانيين...). وأسواق لتجارة كل شيء، والحرفيين، وباعة جائلين يأتون بالأسماك الطازجة والمملحة من الجليل والمواشى...إلخ. وكانت مواعيد الأسواق الاثنين والخميس ثم أضيف لها الجمعة في وقت لاحق. وكان هناك مفتشين للتفتيش على جودة وصلاحية المأكولات وأوزانها وختمها وتحديد أسعارها.
وأقام هيرودس مسرح ضخم وإستاد مدرج لهما الطابع اليوناني. وكانت هناك سراديب تحت الأرض هرب إليها الكثيرون عند سقوط المدينة على يد تيطس سنة 70م. ووجدوا بها ألاف الجثث. وكان الكهنة يقرعون الطبول لإيقاظ الناس وتنبيههم لمواعيد الصلاة. ومن الهيكل كانت تخرج أصوات التسابيح بموسيقاها مع رائحة الذبائح والمحرقات. وفي الفصح تجد الألوف متجهين للهيكل مع خرافهم ليقدمونها ذبيحة فصحية ثم تمتد موائد الفصح.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jesus-the-messiah/jerusalem.html
تقصير الرابط:
tak.la/9dbv6np