St-Takla.org  >   books  >   fr-antonios-fekry  >   jesus-the-messiah
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب حياة السيد المسيح والزمان الذي عاش فيه - تأليف: ألفريد إدرشيم - ترجمة وعرض: القمص أنطونيوس فكري

61- الفصل السابع والثلاثون: الاعتراف العظيم - المهمة العظيمة - التعليم العظيم - الغواية الكبرى - القرار العظيم

 

(مت16: 13 - 28 + مر8: 27 - 9: 1 + لو9: 18 - 27)

 

عبر البحيرة إتجه الرب من دلمانوثة إلى قيصرية فيلبس عبر الوادى بقرب بيت صيدا حيث أشبع الخمسة ألاف. وقيصرية فيلبس هي عاصمة الربع الذي يحكمه رئيس الربع فيلبس. وكانت قيصرية فيلبس قديما هي بانياس وبنى فيها هيرودس الكبير هيكلا ضخما إكراما لأغسطس قيصر. ثم جاء فيلبس حين تولى الحكم وعمرها وصارت مدينة ضخمة جميلة وأطلق عليها قيصرية فيلبس إكراما لقيصر، وحاليا عادت لإسمها القديم بانياس. ثم يسهب الكاتب في شرح جمال هذه المنطقة التي حدث فيها حدثين بالغى الأهمية وهما:-

1) إعتراف بطرس بأن المسيح هو ابن الله.

2) التجلى.

والمشهد الذي يصفه الكاتب للموضوع الذي سأل التلاميذ فيه "من يقول الناس إنى أنا ابن الإنسان" كان أمام صخرة عظيمة مبنى عليها قلعة ضخمة ويخرج من تحتها نهر الأردن. ولاحظ أيضًا أن سؤال المسيح لتلاميذه بعد أن سأله الفريسيين والصدوقيين في دلمانوثة دليلا على أنه المسيا. ونلاحظ أيضًا أن المنطقة التي أخذ المسيح تلاميذه إليها وحدث فيها إعتراف بطرس والتجلى هي منطقة يسكنها الأمم بعيدا عن اليهود والجليليين. ومعنى هذا أنه كما أن القلعة مبنية على هذه الصخرة هكذا ستبنى الكنيسة على المسيح صخرتنا، والماء المتدفق من تحت الصخرة إشارة لإيمان بطرس الصحيح الذي نطق به بأن يسوع ابن الإنسان هو المسيح ابن الله. [والماء أيضًا يشير للروح القدس الذي سينسكب على الكنيسة بعمل المسيح الفدائى]. أما البعد عن أماكن اليهود وبعيدا عن الهيكل، وأن يحدث هذين الحدثين في وسط الأمم فهذا يعلن عن قبول الأمم للمسيح. بل ويعلن عن المصير المشئوم لليهود رافضو المسيح. وكان التجلى بعد إعتراف بطرس بستة أيام.

 

St-Takla.org Image: John the Baptist Preaching - from "The Book of Books in Pictures", Julius Schnorr von Carolsfeld, Verlag von Georg Wigand, Liepzig: 1908. صورة في موقع الأنبا تكلا: يوحنا المعمدان يعظ - من كتاب "كتاب الكتب بالصور"، جوليوس شنور فون كارولسفيلد، فيرلاج فون جورج ويجاند، ليبزيج، 1908.

St-Takla.org Image: John the Baptist Preaching - from "The Book of Books in Pictures", Julius Schnorr von Carolsfeld, Verlag von Georg Wigand, Liepzig: 1908.

صورة في موقع الأنبا تكلا: يوحنا المعمدان يعظ - من كتاب "كتاب الكتب بالصور"، جوليوس شنور فون كارولسفيلد، فيرلاج فون جورج ويجاند، ليبزيج، 1908.

ملخص الأحداث الماضية:- كان لابد للرب وتلاميذه أن يتركوا كفرناحوم، فخدمة المسيح في الجليل قد إنتهت، وأيضًا تزايدت عداوة الفريسيين ومؤامراتهم ضد المسيح، وتشكيكهم مما يفسد عمل المسيح مع الجليليين. بالإضافة لتساؤلات هيرودس أنتيباس الذي تلوثت يده بدماء المعمدان عن المسيح، كل هذا جعل بقاء المسيح في الجليل بلا فائدة. وعند مغادرة المسيح للجليل أشبع الخمسة ألاف على الشاطئ الشرقى للبحيرة، وكان هذا هو العشاء الأخير لليهود فأرادوا أن يجعلوه ملكا. وإنسحب الرب مع تلاميذه بعد ذلك إلى نواحى صور وصيدا ثم إلى العشر المدن حيث علَّمَ وشفى أمراضهم. وبعد ذلك أشبع الأربعة ألاف لينهى خدمته في هذه الأماكن. ثم ذهب إلى دلمانوثة، وهناك تحداه الفريسيين والصدوقيين أن يظهر علامة على صدق إرساليته ولكنه لم يظهر لهم شيء فقلوبهم قد إغلقت ولن يفهموا إذ هم لا يريدون أن يفهموا فقد إتخذوا قرارهم برفضه. لكن الرب حذرهم من مصيرهم المشئوم. وهذا ما حدث لهم إذ رفضوا المسيح فكان هذا رفضا لهم من قبل الله وحدث ما حذر الرب منه أي مصيرهم الحزين، وأخذ الأمم مكانهم. وكان هذا معنى أن الإعتراف بالمسيح من قبل بطرس والتجلى، يحدثان في حدود الأمم وليس اليهود. ولكن يبدو أن التلاميذ لم يفهموا بل كان في داخلهم تساؤلات - لماذا إنسحب المسيح ولم يظهر علامة فأعطى فرصة للفريسيين أن يظهروا كمنتصرين. بل كان هذا السؤال هو سؤال رئيس الكهنة "هل أنت المسيح ابن الله" وكانت إجابة المسيح بأنه أكد هذا لكنه لم يثبته أمام رئيس الكهنة. وخاف المسيح على تلاميذه أن يسود عليهم الشك، بل سيزداد الشك إذ يجدونه قد صلب ولم يُعلن عن ملكه. وهذا يحدث مع كل منا أننا نقع في هذا الفخ حينما يكون رد فعل الله مخالفا لتوقعاتنا، [وأنظر رد تلميذى عمواس على المسيح "هذا الذي كنا متوقعين أنه المزمع أن يفدى إسرائيل"] ولذلك أخذ المسيح معه تلاميذه وإنسحب إلى العشر مدن ليُثبِّت إيمانهم، وحذرهم أن يكون لهم نفس الشك الذي عند الفريسيين = "تحرزوا من خمير الفريسيين" إذ أنهم كانوا يريدون أن يبدو المسيح كمنتصر أمام الفريسيين ويظهر لهم علامة. وما حدث بعد ذلك من أقوال وأعمال للمسيح كان تثبيتا لإيمان التلاميذ. ونلاحظ إصرار المسيح على تعاليمه، ومن يريد أن يغادر فليغادر (يو6: 67). ولكن من ناحية أخرى كان يثبت إيمانهم الذي كان قد بدأ ينمو في كفرناحوم. والرب يعمل معنا نفس العمل فهو يدربنا بطرق متنوعة ليثبت إيماننا فنقبل أحكامه وأقواله الصعبة. ولكن هناك من التلاميذ من فشل أن يثبت إيمانه فتحطم حينما لم تتوافق خطة المسيح مع تصوراته في أن المسيح سيكون ملكا بالمفهوم البشرى، ألا وهو يهوذا. هذا الذي كانت له أطماعه العالمية في مملكة عالمية يكون له فيها شأن عظيم، وبدأت أحلامه تتبخر أولًا بإستشهاد المعمدان. ثم نمت وإنتشرت خميرة الفريسيين تمامًا داخله، إذ لم يجد المسيح يعطى علامة من السماء وينزل عن الصليب ويأخذ الملك كما كان يتوقع هو. ويمكن أن يحدث هذا داخل كل منا إذ يكون حكم المسيح في الأمور عكس ما تشتهى قلوبنا.

ماذا عمل الرب يسوع لتثبيت إيمان تلاميذه؟ أخذهم في رحلة هادئة في البحيرة من دلمانوثة إلى قيصرية فيلبس ليهدأوا، ثم بادرهم بالسؤال عن ماذا عرفوا هم عن شخصه بعد كل خبراتهم معه طوال مدة وجوده معهم وبعد أن رأوا أعماله وأقواله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهنا كانت إجابة بطرس "أنت هو المسيح ابن الله الحى". وبدأ المسيح يخبرهم بأنه سيصلب، حتى يعرفوا أنه كان عالما بكل شيء وأن هذا الصليب هو خطة إلهية، فحين يحدث لا يتشككوا (قارن مع يو14: 19). ولكن كانت قطعة صغيرة من خمير الفريسيين قد تسللت للتلاميذ. فنجد بطرس يعترض على الصليب فهذا ضد فكره، فهو يتوقع ويريد المسيح ملكا منتصرا، هذا ما يحدث مع كل منا حين نجد أن خطة الله وفكره لا تتفق مع مشيئتنا وفكرنا. ونجد بعد ذلك أن الرب يعلم ويشرح عن ضرورة حمل الصليب. وعلى كل من يريد أن يتبع المسيح فليحمل صليبه ويتبعه. هنا صار الصليب ليس فكرا نقبله أو نرفضه بل هو طريق نتبع به المسيح. ولكن الصليب ليس هو النهاية بل "سيأتى ابن الإنسان في مجد أبيه مع ملائكته ليجازى كل واحد حسب عمله" (مت16: 21 - 28). وترك المسيح تلاميذه ستة أيام ليهدأوا. وكان بعد ذلك أن أخذ معه بعض التلاميذ، وأظهر لهم نفسه على جبل التجلى ليعطيهم علامة لم ينسوها طيلة أيامهم. وهذا يتضح من تسجيل القديسين بطرس ويوحنا لحادثة التجلى في رسائلهما.

وسأل الرب تلاميذه عن من يقول الناس إنى أنا ابن الإنسان" كان هذا ليس إستطلاعا لرأى الناس بل لرفع فكر التلاميذ إلى مستوى معرفة حقيقة شخص المسيح. وكان رد التلاميذ "يوحنا المعمدان أو إرمياء أو إيليا. وهذا مع أن إرمياء والمعمدان إنتقلوا من هذا العالم. ولاحظ أن هذا كان رأى الناس وليس رأى التلاميذ، فبعض اليهود كانوا يؤمنون بتناسخ الأرواح وأن روح إرمياء تسكن في المسيح، وأنه ينذر إسرائيل حتى لا تخرب كما فعل إرمياء من قبل. أما أن روح المعمدان تسكن في المسيح فهذا مستحيل فالمعمدان كان معاصرا للمسيح. ومن لا يؤمن بهذا تصور أن المسيح كان إمتدادا لرسالة إرمياء أو المعمدان. [ومن قالوا إيليا كان ذلك لفهمهم نبوة ملاخى النبي أن إيليا يكون سابقا للمسيا (ملاخى4: 5).] ولكن نرى أنه لم يوجد من قال أنه المسيا. وفي هذا نرى أن تشكيك الفريسيين في المسيح كان له هذه النتيجة، وأنه حدث إرتداد وسط الناس بعد أن كانوا قد حسبوه أنه هو المسيا وأرادوا أن يجعلوه ملكا. فلم يعترف أحد بأنه المسيا المنتظر، إلا أن ردودهم كانت تعني أنه ليس شخصا عاديا أو معلما عاديا، بل أن رسالته كانت من السماء مباشرة. ثم سأل الرب تلاميذه "وأنتم من تقولون إنى أنا". وكان سؤال الرب لتلاميذه ليستخرج من أفواههم إيمانهم تثبيتا لإيمانهم. ولذلك حين نطق بطرس بما قاله أمَّن الرب يسوع على كلامه وقال أن من أعطى هذه الإجابة لبطرس هو الله الآب نفسه. وإختلف نص الإجابات المذكورة في الثلاثة الأناجيل، ولكن كل منهم كان يختار من إجابة بطرس ما يتفق مع من يكتب له إنجيله. فمتى مثلا لأنه كان يكتب لليهود ذكر إجابة بطرس بما يتفق مع الفكر اليهودي "أنت هو المسيح ابن الله الحى" وهذا تعبير يهودي صرف. وكان نص الإجابة بحسب متى هو النص الكامل حسبما قاله بطرس فعلًا، أما النصوص بحسب القديس مرقس "أنت المسيح" وبحسب القديس لوقا "مسيح الله" فهي ردود مختصرة.

كان داخل التلاميذ بذرة إيمان، ظل ينمو فنرى أن بطرس قد نطق بإعتراف مشابه بعد حديث المسيح عن خبز الحياة (يو6: 69). ونما هذا الإيمان أكثر بعد سير المسيح على الأمواج. وظل هذا الإيمان ينمو حتى كان إعتراف بطرس بإعلان من الله، تقبله بطرس وخضع له بقية التلاميذ. وكان هذا الإعلان الإلهي لبطرس عقب صلاة المسيح قبل أن يسأل سؤاله للتلاميذ (لو9: 18). وبهذا الإعتراف إتضح أن خمير الفريسيين لم يفسد إيمان التلاميذ. ولكن قطعا تعرض بعدها التلاميذ للحظات شك. ولم يستقر إيمانهم بما نطق به بطرس إلا بعد القيامة ورؤية الرب. [ولكن هم لم يعرفوا حقيقة المسيح وأنه يهوه المتجسد والمتأنس إلا بعد حلول الروح القدس يوم الخمسين].

وجاء رد الرب يسوع على إعتراف بطرس متفقا مع الفكر اليهودي. إذ كان رد الرب يسوع "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستى". وباليونانية "أنت بطرس وعلى هذه البترا أبنى كنيستى" بطرس = كلمة مذكرة وتعنى باليونانية حجر أو أحيانًا بمعنى صخرة. بترا = كلمة يونانية مؤنثة ودائما لا تعني سوى صخرة. ونفس الكلام يقال عن الأرامية التي كان الرب يسوع يتكلم بها. وواضح تغير كلام المسيح من المذكر بطرس إلى المؤنث بترا. فالمسيح لم يقل أنت بطرس وعليك أبنى كنيستى، بل حوَّل الكلام إلى صيغة المؤنث بترا وهى لا تعني سوى الصخرة. وبطرس كان له إسمان كعادة أهل الجليل، أحدهما عبرى "سمعان" والآخر يوناني "بطرس" فالجليليين يعيشون جنبا إلى جنب مع اليونانيين. وفي أول لقاء بين الرب وبين بطرس إختار الرب له اسم صفا "أنت تدعى صفا (كيفا بالأرامية) الذي تفسيره بطرس" (يو1: 42). وكيفا الأرامية تعني كما في اليونانية تعني حجر أو صخرة. بل إستخدم الربيين لفظيّ بطرس وبترا اليونانيتين، وإستعملوا الكلمتين باليونانية في كتاباتهم. [وكان إختيار هذا الاسم نبوة من المسيح عن أن الإعتراف أو هذا الإيمان الذي صدر من بطرس بأن "المسيح هو ابن الله الحى" هو الذي ستبنى عليه الكنيسة]. وبناء الكنيسة على صخرة هو صورة موجودة ومستعملة عند اليهود، فهم يقولون أن الله لم يكن ليخلق العالم إن لم يكن له أساس أخلاقى ثابت وهو قبول وطاعة الناموس. يضرب الربيين مثلا لذلك أن ملك أراد أن يبنى مدينة فذهب ليحفر في المكان الذي سيبنى عليه هذه المدينة فأخرج ماء فوجده غير صالح للبناء. وكرر هذا مرة أخرى فخرج ماء. وأخيرا جاءوا إلى صخرة (بترا). [وكان خروج الماء من الأرض يشير للأمم الوثنية، أما الصخرة فتشير لمن قبل الناموس وأطاعه أي اليهود في شخص أبيهم إبراهيم]. وهكذا حين أراد الله أن يخلق العالم لم يبنه على أنوش (ابن شيث بن آدم) ولم يبنه على جيل الطوفان. لكن لما نظر للمستقبل ورأى إبراهيم الذي سيظهر في المستقبل، ووجد أنه سيكون صخرة ورجعوا في هذا إلى النبوتين:-

1) "اسمعوا لي ايها التابعون البر الطالبون الرب. انظروا إلى الصخر الذي منه قطعتم والى نقرة الجب التي منها حفرتم. انظروا إلى إبراهيم أبيكم والى سارة التي ولدتكم".

2) "اني من راس الصخور اراه. ومن الاكام ابصره. هوذا شعب يسكن وحده وبين الشعوب لا يحسب (إش51: 1 ، 2 + عد23: 9) قرر أن يبنى ويؤسس الأرض عليها.

وهكذا كان الإيمان المعلن من بطرس هو الذي سيؤسس المسيح عليه كنيسته، كما أسس الله الأرض على صخرة إيمان إبراهيم.

ولأن الكنيسة ستبنى على هذا الإيمان الذي أعلنه بطرس، وصارت كلمات بطرس هي إيمان الكنيسة لنهاية الأيام، صار بطرس ممثلًا للتلاميذ بل لكل الكنيسة في إعلان هذا الإيمان. وأعطى الرب يسوع للكنيسة ممثلة في شخص بطرس مفاتيح ملكوت السموات "كل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماوات..."، وهكذا أرسل بطرس ليقبل كرنيليوس الأممى ويعمده فصار كما قال هو بعد ذلك "..بفمى يسمع الأمم كلمة الإنجيل ويؤمنون.." (أع15: 7). وكان بطرس يوم الخمسين هو من دعا للمعمودية. وهذا كله يعنى قبول الكنيسة للأمم ودعوة الكل للإيمان وللمعمودية وصار للكنيسة سلطان الأسرار الكنسية ومن خلالها يدخل الجميع إلى جسد المسيح الواحد وهو الكنيسة.

ما تربطه... وما تحله = كان الرب يكلم التلاميذ وهم لهم خلفية يهودية وفكر ومفاهيم يهودية، لذلك كان الرب يسوع يصيغ تعليمه بطريقة تجعله يكون مفهوما للتلاميذ. لذلك كان يستعمل كلمات وعبارات مفهومة لهم بحسب فكرهم اليهودي فلا يتشتت فكرهم حينما يسمعون. ونجد أن أكثر الكلمات التي كان الربيين يستعملونها بصفة دائمة مع الشعب هي كلمة يحل ويربط. ولكن المفهوم اليهودي للكلمات كان مختلفا تمامًا. فالربيين في كبريائهم وخيلائهم إستخدموا الحل والربط في التحكم في الناس. أما الرب يسوع فقد تسامى بتلاميذه عن الأفكار اليهودية المريضة. فكان الربط عند الربيين يعنى منع الناس من كذا وكذا، والحل معناه السماح لهم به، الربيين هم الذين يحددون هل هذا الشيء قانونى أو غير قانونى. ويعنى الحل في الكتابات التلمودية الصفح والغفران، هم صاروا كهيئة قضائية. فهم كانوا يحكمون بالصفح أو بالغرامة أو التعويض أو بالعقاب أو تقديم ذبيحة. وإدَّعى الربيين أن السنهدريم الأرضى يجتمع ويناقش المشاكل ويتخذ القرارات، وهذه يتلقاها السنهدريم العلوى في السماء ليؤكدها ويثبتها. والآن أعطى الرب سلطانا للحل والربط بدلًا من الربيين. وبينما إغتصب الربيين هذا الحق أعطاه الرب للكنيسة في شخص تلميذه بطرس:-

1) كممثل للكنيسة أولًا ثم للتلاميذ كلهم ثانيا [مت18: 18] (يو20: 23).

2) هو سلطان حقيقى وليس إغتصاب بزهو وغرور وكبرياء كما فعل الربيين. [يُرجى الرجوع لمفهوم الحل والربط في الكنيسة في موضوع الأسرار الكنسية تحت بند سرى الكهنوت والتوبة والإعتراف].

ومع أن الرب يسوع كان يريد أن الناس تعرف حقيقته وأن ما قاله بطرس هو الحق، إلا أننا نجده بعد أن نطق بطرس بإعترافهُ حذَّر تلاميذه بشدة من أن يخبروا أحدا بهذا. ففى إنجيل متى يقول أوصى بمعنى أنه أعطاهم أمرا بأن لايقولوا - وفي إنجيل مرقس نسمع أن الرب إنتهرهم وهذه تحمل معنى التوبيخ لو فعلوا - وفي إنجيل لوقا نجده يستخدم كلا التعبيرين أوصى وإنتهر. وذلك ليشدد على عدم إذاعة هذه الأخبار الآن، لأنه يعلم أن إشاعة هذه الأخبار الآن ستأتى بأثر عكسى لما يريده الرب.

والسبب عدم إستعداد الناس لفكرة الصلب ومفهوم الفداء حتى في فكر من نطق بهذا الإعتراف العظيم. وقد ظهر هذا حالا في رفض بطرس لفكرة الصليب. ولذلك نجد الرب وقد بدأ يُعَلِّم تلاميذه أنه لا بد أن يصلب ويموت ثم يقوم في اليوم الثالث. وواضح أنه حتى التلاميذ لم يفهموا ما يعنيه المسيح، وربما فهموا أن الصلب والألام تشير رمزيا لمضايقات الكتبة وغيرهم. وإتضح عدم فهم التلاميذ بعد ذلك من عدم تصديقهم للقيامة بعد أن قام المسيح فعلًا. ولمحبة بطرس العاطفية لمعلمه قال منتهرا المعلم "حاشاك يا رب" وتعنى حرفيا إمنع هذا يا رب وإرحم نفسك وليكن سلام لنفسك. وهذه هي نفس كلمات الشيطان للمسيح على جبل التجربة [ولكل منا في أي تجربة] "لماذا تحتمل الألم، وعليك أن ترفضه - "أطلب من الآب ليحول لك الحجارة خبزا فلا تتألم من الجوع". هذه التجارب يبدو أن لها منطق مقبول ولها مظهر الرحمة والشفقة بالنفس، وألا نسمع هذا الصوت داخل كل منا لو تعرضنا لمرض أو ضيقة، فنسمع صوت عدو الخير "لماذا يسمح الله بهذا"؟ ولكن علينا أن لا نعطى أذاننا لعدو الخير بل نرفض هذه الأصوات، ونقول للشيطان كما قال له المسيح "إذهب عنى يا شيطان". ونسمع هذه الأصوات من الشيطان عندما نتألم لمرض قريب لنا أو من نحبهم، هنا يأخذ الشيطان شكل ملاك نور محب لنا ولأقربائنا. ولو تماشينا معه وصدقناه نرفض هذا الألم متذمرين على الله. أمام محبة الله والثقة فيه علينا أن لا نستجيب للعواطف البشرية ونتأثر بها فنتذمر على الله.

وإستغل الرب يسوع خطأ بطرس ليشرح للتلاميذ أن المملكة التي يؤسسها هي بخلاف فكر اليهود والربيين، هي ليست مملكة المجد الأرضى بل هي مبنية على إنكار الذات. من ينكر ذاته حتى الموت يجد حياة أبدية. والعكس من يجد حياته على الأرض فهو يخسرها. وأمام هذا التعليم نقف نحن وقد إتخذنا قرارا أن نبيع كل شيء ونخسر كل العالم ونقبل حتى الموت حتى لا نخسر أبديتنا. وكان تعليم الرب أن الحياة والمجد ليست الآن بل حينما يأتي ابن الأنسان في مجد أبيه مع ملائكته حينئذ يكون لشعبه نصيب معه في مجده وكلٌ حسب أعماله. وقال لهم الرب أن بعض الموجودين سيظلوا أحياء ولن يروا الموت قبل أن يروا ابن الإنسان آتيا في مجد أبيه. وهذا قد حدث:-

1)  بعد ستة أيام في التجلى.

2)  بعد 37 سنة أطال الرب أناته فيها على من صلبه، كان عقاب أورشليم بحرقها.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jesus-the-messiah/great.html

تقصير الرابط:
tak.la/fwnzw55