بلاد اليونان في اللغة اليونانية = هلاس Hellas. واليونانيين الأصليين = هيللينيين Hellenes وأطلق على شتات اليهود الذين في الغرب (اليونان والبلاد التي تتكلم اليونانية كمصر) المتهلينين Hellenists. وهؤلاء المتهلينين مختلفين عن يهود الشرق المتزمتين. فبينما عاش يهود الشرق في ظلمات الماضى إمتدت يد يهود الغرب نحو فجر يوم جديد قد إقترب. فلقد تكيف يهود الغرب مع الفكر اليوناني واللغة اليونانية والفلسفة اليونانية مع إنعزالهم كمجتمع يهودي. وكان من المستحيل أن يعيشوا وسط اليونانيين دون أن يتماشوا معهم. وأيضًا مع إحتقار اليونانيين لليهود وكراهيتهم لهم إلا أنهم تأثروا بهم وتحول كثيرون منهم لليهودية. وكان هذا مما ساعد على تقبل الفكر الجديد الذي سيأتى من أورشليم أي المسيحية.
ومما ساعد على إنفتاح اليهود على الفكر اليوناني عملهم في التجارة والأعمال الحرفية مما جعلهم يختلطون بالأفكار اليونانية ولا يتمركزوا في مكان واحد محتفظين بشكلهم التقليدى. بل عاشوا في المجتمعات اليونانية كعلمانيين، ولكنهم عاشوا يقدسون الشريعة والناموس كما يقدسون أرض الميعاد. وبينما تتلمذ يهود الشرق على الربيين، لم تكن حياة يهود الغرب كلها حول دراسة الناموس والتبحر فيه. وإنفتح يهود الغرب على الفكر اليوناني ولكن مع إحتقار للفكر والعبادة الوثنية. وأحاط يهود الغرب كل ذكرياتهم عن العبادة والطقوس اليهودية بهالة من التقديس مع إستياء من الوثنية التي تحيط بهم ورفض لها. وبدافع من الشفقة على هؤلاء الوثنيين وكتحذير لهم كتبوا كتبا أدبية لإنذار الوثنيين وهى كتابات تعتبر أدبية ولكنها أبوكريفية.
عاش يهود الغرب وسط اليونانيين وهم مقتنعين بتاريخهم وإيمانهم ويقارنوا صلواتهم وشرائعهم مع تفاهة ما يفعله الوثنيون. وكانوا يزدادون فخرا حينما يجدون أن بعض الأمم يطلبون الدخول لليهودية. وفي غربتهم سادت بينهم المحبة الأخوية، وكانوا يعتبرون أن أي كارثة تحل بأحدهم كأنها أصابتهم جميعا. كما ساد بينهم إضافة الغرباء خصوصا القادمين من أورشليم، وهذه صارت ليست فقط كفضيلة بل ممارسة دينية (رو12: 13 + 1تى5: 10 + عب13: 2 + 3يو1: 5). ينتظرون منهم أخبارا تعزيهم وتفرحهم عن أورشليم. فكانوا ينتظرون من يأتي إلى المجمع ويسألونه ليحدثهم عن أورشليم. وهذا يحدث مع كل من يذهب إلى أورشليم في المواسم المقدسة مثل الفصح، أو من يذهب لرحلة عمل، فهم ينتظرون كل من يعود عند عودته لسؤاله عن أخبار أورشليم وما يحدث فيها. وهذا ما جعل أخبار المسيح تنتشر في وسط المجتمعات اليهودية في الشتات بسرعة كبيرة.
وعاش يهود الغرب في جدال وحوار مستمر مع اليونانيين، وعلى قدر تأثر اليهودي بالفكر اليوناني على قدر ما يتهلين. وكانت للثقافة اليونانية بسحرها وجاذبيتها تأثيرها الكبير على فكر يهود الغرب، بل إمتدت الأفكار اليونانية الفلسفية حتى إلى بعض الربيين من يهود فلسطين. بل ونظرا لوجود عدد كبير من اليونانيين والرومان ووجود معابدهم فلقد تأثرت اللغة اليهودية بكلمات يونانية ولاتينية وسط إمتعاض كبير من أباء اليهود. لكن عموما حدث نوع من الإمتزاج بين الفكر اليهودي والفكر اليوناني.
كان ملوك مصر من البطالمة مغرمين بالأدب وأسسوا مكتبة الإسكندرية التي شملت معظم الكتب العالمية. وأرسل أحدهم وهو بطليموس إيروجيتس لرئيس الكهنة العازر في أورشليم ليرسل له شيوخا من الخبراء في اللغة العبرية واللغة اليونانية. فأرسل له 72 شيخا، 6 من كل سبط ليترجموا له التوراة من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية ليضمها لمكتبة الإسكندرية. ورحب بهم بطليموس بحفاوة بالغة وأتموا العمل في 72 يوما لذلك سميت الترجمة اليونانية للتوراة بالترجمة السبعينية. وإعتمد السنهدريم السكندرى في مدينة الإسكندرية هذه النسخة السبعينية. وصارت الترجمة السبعينية هي الأكثر تداولا بل وصارت النسخة الشعبية لرخص ثمنها بالنسبة للنسخة العبرية. وكانت هذه النسخة السبعينية هي المتداولة أيام المسيح وسط يهود الغرب ويهود الجليل بل إلى حد ما في أورشليم واليهودية. وما أعطى للترجمة السبعينية شرعيتها أن الإنجيليين إقتبسوا منها. وصارت هي النسخة المستعملة في الحوار بين يهود الغرب والأمم. وكانوا في المجامع يقرأون النصين العبرى واليوناني بينما هم لا يفهمون العبرية.
وبدأ الخلاف بين الربيين والدارسين على بعض الألفاظ. وتفاقمت المشاكل بعد أن بدأ اليونانيين الوثنيين بعد أن صارت التوراة مقروءة لهم باليونانية في حوار الربيين اليهود. ومن هنا إعتبروا في أورشليم أن النسخة السبعينية مرفوضة وقال بعض الربيين أنها كارثة مثل كارثة العجل الذهبي. ولكنها وسط يهود الغرب كانت مصدر فرح وإحتفال.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jesus-the-messiah/dispersal.html
تقصير الرابط:
tak.la/g6vsnza