كان من المناسب جدًا أن تبدأ قصة ميلاد المسيح من الهيكل أثناء تقديم الذبيحة، والعمل الكهنوتى. وبهذا يرتبط الإنجيل بالتدبير الإلهي ووعود الله في العهد القديم. فعند المذبح ومع عمل الكهنوت ممثلًا في زكريا الكاهن بدأ عصر تنفيذ وعود الله لشعبه. وهذا حدث من قبل أن تجديد وإصلاح شعب الله بدأ في خيمة الإجتماع على يد صموئيل النبي. وكما ترك الله رئيس الكهنة عالي وكلم صموئيل الطفل، ترك الله الربيين والعلماء المتكبرين، وتكلم مع كاهن قروى بسيط. وإذا ما إتجهنا من الهيكل إلى الناصرة -الهيكل حيث الكاهن البسيط الذي إختاره الله ليبدأ به الإنجيل، تاركا مدارس الربيين وأكاديمياتهم- إلى الناصرة حيث العائلة المقدسة البسيطة المتواضعة، يتسع الفارق جدًا بين الإنجيل وطريق الربيين. فهؤلاء الربيين كانوا يحتقرون الجليليين ويزدرونهم هم ولهجتهم العامية. ولنا أن نتصور كيف كانت نظرتهم لهذه العائلة الموجودة في الجليل. هذه التي بلا نسب معروف. لم يتصور أحد من الربييين المعاصرين أن يكون تحقيق الخلاص بدايته من فتاة صغيرة عذراء مخطوبة لنجار بسيط، بل الفكرة مرفوضة وينفروا منها. ونلاحظ أن ندرة المعلومات عن حياة المسيح الشخصية أو العائلة المقدسة التي وردت في الإنجيل كان مقصودا ليكون التركيز على تنفيذ وعود الله في العهد القديم في إقامة مملكة الله على الأرض.
كان وادى يزرعيل الخصب يقسم الجليل عن باقى أرض فلسطين. وكان وادى يزرعيل هذا أرض معارك وحروب. وهناك في الجليل عدة تلال وعلى سفح أحدها توجد المدينة الصغيرة الناصرة. وكانت الناصرة تتبع سبط زبولون عندما قسم يشوع الأرض بين الأسباط. وعندما تصعد هذه التلال ستجد أرضا خصبة مثمرة مليئة بالورود بروائحها العطرة. وهكذا كانت الجليل أرضا خصبة ومركز كل صناعة معروفة حينئذ. وإلى الشمال تجد جبل حرمون. وناحية الغرب تجد أراض غنية وفي الأفق تجد جبل الكرمل، وبعده البحر المتوسط وبه موانئ للتجارة. أما على الشرق فهناك جبل طابور. ويربط بين كل هذا طرق للتجارة. أما عن الناصرة فهي ترقد هادئة في حضن هذه الجبال، هي مكان رائع للتأمل والهدوء. وعلى البعد يحيط بالناصرة المدن الكبيرة التي تستضيف المسافرين فيها. ويوجد بهذه الأراضى أشجار التين والنخيل والبرتقال والمراعى. ولم تكن الناصرة مدينة منعزلة تمامًا بل يمر من خلالها طرق القوافل من عكا إلى دمشق، وإلى بحيرة جنيسارات. وفي الناصرة يلتقى الرجال ويتبادلون الأفكار والأمال. وفي الناصرة يجتمع الكهنة المتجهين إلى أورشليم عندما يصيبهم الدور للخدمة في الهيكل (كان الكهنة مقسمين إلى 24 فرقة ويذهب كل فريق مرتين في السنة للخدمة في الهيكل ثم يعود لمنزله الريفى). وكان الكهنة يتجمعون في مدينة متفق عليها، ويقضون مدة أسبوع في خلوة للصوم والصلاة قبل أن ينطلقوا معًا إلى أورشليم. وكانت الناصرة واحدة من مراكز تجمع الكهنة قبل السفر لأورشليم. ومع أن الناصرة كانت بعيدة عن أورشليم، إلا أن إختيارها كمركز لتجمع الكهنة كان له تأثير دينى كبير على أهل الناصرة. إذ كان الكهنة يشتركون في مجامع الناصرة في فترة وجودهم فيها، وكان أهل الناصرة يلاحظون صلواتهم وأصوامهم. بل إجتمع في الناصرة التجار مع الكهنة.
وكان أهل الناصرة مثل باقى المدن الصغيرة تلقائيين، عفويين، ذو دم حار وشجعان. هم متحررين عن التزمت الفريسي لكن لهم الشكل والقالب اليهودي، وهكذا كان حال الجليليين. وحياتهم في بيوتهم أنقى مما كانت عليه بيوت وعائلات أورشليم. ولم تكن كلماتهم وعباراتهم خارجة كما يحدث في أورشليم. وأفراحهم كانت بسيطة وليست في بذخ وسفه أفراح الأورشليميين. وكانوا يعطون للأرملة الحق في الحياة في بيت زوجها. هذه هي البيئة التي أخذ يوسف النجار العذراء مريم خطيبته لتعيش فيها.
كان يوسف والعذراء مريم كلاهما من بيت داود، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكان هناك قرابة للعذراء مريم مع أليصابات (من قرابة بين والدة العذراء ووالد أليصابات). ويتضح فقر العائلة من التقدمات التي قدموها في الهيكل، وبالتالي نفهم أن إحتفال الخطبة ومهر العروس كانا في أضيق الحدود. والخطبة كانت إما بتعهد شفوى أو كتابة في حضور شهود. ثم تتلى كلمات البركة على كأس من النبيذ وهى "مبارك أنت يا رب إله إسرائيل وملك كل العالم، الذي قدستنا بوصاياك ومنعتنا عن زنا المحارم. وسمحت لنا بأفراح الخطبة والزواج، مبارك أنت يا رب إله إسرائيل". ويتذوق كلا الخطيبين من كأس النبيذ. وبهذا تصبح الآن العذراء مريم إجتماعيا كزوجة ليوسف النجار (هذا النظام شبيه بنظام كتب الكتاب عند الإخوة المسلمين). وهذه العلاقة تنفصم بورقة طلاق رسمية. وعادة ينقضى عدة أشهر بين الخطبة والزواج (وهو ما يسمى عند الإخوة المسلمين بالدخلة).
ويظهر الملاك غبريال للعذراء مريم في بيت يوسف النجار المتواضع في الناصرة ليبشرها بالميلاد العجيب ويعطيها علامة لتأكيد بشارته، بأن نسيبتها أليصابات في شهرها السادس بينما كنت عاقرا فتسرع لخدمتها.
وكانوا عند ختان الطفل وقبل الختان يتلون كلمات البركة على كأس من النبيذ "يا رب إله أبائنا أقم هذا الطفل لأبويه وإجعل إسمه في إسرائيل زكريا بن زكريا وليفرح به أبواه كما في (أم23: 25 + حز16: 6 وكلمات أخرى من البركة مأخوذة من الكتاب) ولينمو الطفل ملتزما بالتوراة ومطيعا لوصايا الله".
وعند ختان الطفل فوجئ الحاضرين أن أليصابات قاطعت من يتلو البركة وقالت بل يدعى الطفل يوحنا. وهنا إنفكت عقدة لسان زكريا وأمَّن على كلام زوجته أليصابات بأن يكون اسم الطفل يوحنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jesus-the-messiah/annunciation.html
تقصير الرابط:
tak.la/h69a56r