(3) الجهاد والصبر هناك مبدأ في الحياة الروحية يقول
إنَّ أفضل طريقة للعلاج هي شفاء الضد بالضد.. ونثق أنَّ في
المسيح
يسوع لا يستحيل شيء وبالتالي لا يصعُب شيء.. بل أنَّ الإرادة
القوية المسنودة بالاتضاع مع عمل النعمة من شأنها أن تُعيننا في
التخلص من أية عادة سيئة. الأمر يحتاج إلى مواجهة مع النفس
بضعفاتها مع
القناعة الداخلية بضرورة محاربة تلك الشهوات
الُمنحرِفة ويبدأ الجهاد بنعمة الله ويستمر ولا يفشل
ومع استمرار المقاومة قد نجد أنَّ القدرة على ضبط النفس قد ازدادت
حتى ولو بقيت الشهوة بسلطانها.. قال أحد الُمفكرين إنَّ شهيتي تجاه
بعض الأطعمة مثل الحلوى والمرطبات لم تنقُص ولكن قدرتي على ضبط
النفس تجاهها قد ازدادت.. فعلينا أن نُتابع خطواتنا متخليين عن
عاداتنا الرذيلة.. ونَلْبَس قوة من مصدر القوة. ويجب أن تعلم أنَّ
الطهارة لا يمكن
أن تقتنيها بسهولة لأنها ليست فضيلة واحدة.. بل هي مُحصِّلة لجميع
الفضائل.. ومن اقتناها فقد اقتنى معها جميع الفضائل فالتفريط في
فضيلة لأي سبب يؤثر على
الطهارة رغم حرصنا الشديد عليها.. مثل
الغضب.. الإدانة.. محبة العالم.. والقديس ثيؤفان الناسك تلامس مع
هذه الحقيقة حين قال "حيث أنَّ الفضائل تتشابه في وسائل التدريب
عليها.. فإنَّ إتقان الواحدة سيُسهِّل التدريب على الأخرى.. ويكون
اكتسابها بأقل صعوبة وبأكثر سرعة لأنَّ الفضيلة تُقوِّى الفضيلة
الأخرى القريبة منها وتُساعدها.. فمجرد قيامها في القلب يتهيأ هذا
القلب لقبول مثيلاتها.. وتكون الفضيلة الأولى كتكملة للأخرى..
وتُقوِّى بعضها البعض لأنَّ الفضائل لا تنفصل عن بعضها كالأشعة
الُمنبعثة من ذات النور الإلهي". إنها تُزين النفس مثل سلاسل من
الذهب.. لذلك تجد الاتضاع والصوم.. والرحمة.. والصمت.. وضبط
الجسد.. وتقديس الفكر.. وحرارة العبادة هي
الطهارة ذاتها.
· ضرورة الصبر... قال شيخ "لا يوجد شيء أصعب من العادة
الرديئة.. إذ يحتاج صاحبها في سبيل قطعها إلى زمان وتعب كثير.. أما
التعب فهو في متناول الكثيرين.. ولكن الزمان الذي يحتاج فما أقل
مَنْ قضاه حتّى النهاية". فهل نسيت أيها الحبيب أنها عادة..
فقد استغرقت وقتًا طويلًا في تكوينها.. لذلك يحتاج الأمر إلى وقت
كافِ للشفاء منها.. تُجاهد فيه وتعمل فيك النعمة أيضًا لكي
تمحوها.. أشير عليك انتظر..
اثبت في
هدوء وثقة.. واعلم أنَّ صبرك وجهادك له إكليل وربما تكون إرادة
الله سمحت بهذا النير من أجل بركة لا تستطيع أن تُدركها فربما تكون
هي وقود توبتك.. وسبب حرارتك.. ودافع اتضاعك.. وبالجملة فهي إكليلك
إن ثبتَّ في مقاومتها.. حتُى وإن سقطت.. قُم سريعًا.. وثِق أنَّ
الله لا يُكافئ على النتائِج بل ينظر إلى مقدار الجهاد والحب
والصبر وإن سقطت. وهنا نتذكر التلميذ الذي سأله معلمه
هل تريد منى أن أسأل الرب أن يُريحك من هذه المعركة؟ فقال له
التلميذ إنَّ هذه التجربة تُسبب لي حزنًا ولكن هذا
الحزن له ثمر في انسحاق روحي ولذلك أرجوك أن تسأل الله ليعطيني الاحتمال
لتلك التجارب.. فقال له الشيخ اليوم فقط أنا علمت أنك تفوقت علىَّ
في الكمال. ويقول القديس كبريانوس "لا توجد
نُصرة أعظم من نُصرة الإنسان على أهوائه.. ومَنْ قَمَع شهواته غدا
أقوى من نفسه.. لأنَّ الانتصار على اللذة أصعب من الانتصار على
الشر.. لأنَّ بيننا وبين الشر تنافر.. وبيننا وبين اللذة تجاذُب". وقد يسمح الله بسقوطك ليشفيك من
كبريائك، كما
ذكرنا أيضًا هنا في
موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
فلا يوجد متواضع إلا ويباركه الله ويكافئه بنعمة
الطهارة
ولا يوجد متكبر إلا ويُذَلُ بالدنس الذي سيكتشف إنها ليست لذة بل
مرارة شديدة تجعل المنجذب لها كارهًا حتى لنفسه. لا بُد أن تقتنع بأنَّ
الطهارة في حد
ذاتها هي جوهرة غالية.. هي اقتناء الأثمن.. وليس هينًا عليك أن
تتنازل عن هذه القنية الثمينة.. انظر إلى يوسف الصِّدِّيق الذي رفض
الخطية وألقى بنفسه في التشرد والجوع والسجن واختار لنفسه الحتف
وربما الموت ولم يستكثر الثمن ولكنه استقبح الخطية ورَذَلَهَا..
فأي مكسب لك في الشهوة؟!! إنه
الخسارة ذاتها.. وأي خسارة لكي تبقى لنا الفضيلة هو المكسب كُلّ
المكسب.. لأنَّ التنازل عن
الطهارة هو التنازل عن الحياة وهذا ما
رأيناه في
سِيَر الألوف من القديسين الذين فضَّلوا العذاب والموت
عن الخضوع للنجاسة مهما كانت عنف المحاولات وقسوتها.. لأنهم أدركوا
أنه حيثما لا يوجد خصم لا توجد غلبة.. وكما ينصحنا المجاهدين "أقم
حرب الشهوة الإلهية قُبالة الشهوة الجسدية فتقهر التي للجسد من
التي للروح". ارفع يديك.. أطلُب من أعماقك.. كرَّس
أصوامًا.. أسجُد باتضاع.. وثِق أنَّ الله ينظر ويرى ويسمع... أطلب النعمة لتعمل وتجاهد معك.. نعم
الأمر صعب ولكن ليس مستحيلًا.. حقًا إنَّ الملكوت يُغصب.. فلو كان
الملكوت يُؤخذ دون أن يُغصب ما دَخَلَهُ أحد.. ولو لم يكن باب
التوبة مفتوحًا للصوص والزُناة لكان لنا الحق أن نيأٍس..
فانظر كم هو طويل ذلك الطريق الفاصل بين اللص والصديق.. وبين
الزاني والإناء المختار.. حقًا هذا انتصار عمل نعمة الله لأنه حيث
عجزت العادة تغلبت الإرادة حيث لا ينفع سوى أن يتغير السلوك ويتحول
الطبع بعمل النعمة وفِعْل الروح القدس.. وعندما يرى الله غيرتنا
ومحبتنا وجهادنا يمنحنا الإرادة والفرح من أجل الطاعة والرجاء.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fahmy/purity/patience.html
تقصير الرابط:
tak.la/nwz33tw