St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   john-chrysostom-virginity
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب البتولية: للقديس يوحنا ذهبي الفم - القمص أنجيلوس المقاري

78- لماذا لم يلم بولس الرسول بشدة من يظن إنه يعمل بدون لياقة نحو عذرائه؟

 

1- يقول الرسول: "إن كان أحد يظن أنه يعمل بدون لياقة نحو عذرائه إذا تجاوزت الوقت وهكذا لزم أن يصير فليفعل ما يريد. إنه لا يخطئ فليتزوجا" (1كو 7: 36). ماذا تقول؟ هل تقول أن يفعل ما يريد؟ وبدلًا من أن تصحح هذا الوضع الخاطئ، هل تصرح له بالزواج؟ لماذا لم تقل: "إن كان أحد يظن أنه يعمل بدون لياقة نحو عذرائه، فهذا شقي وبائس إذ عمل ما يُلام عليه. فهل أيضًا اعتبرته عملًا رائعًا؟ لماذا لم تنصحه بالفرار من هذا الضرر وليبتعد عن عذرائه؟

لأن الرسول يقول (ويجيب): إن مثل هذه النفوس تنتمي إلى فئة الأشخاص الضعفاء جدًا الزاحفين على الأرض - والذين لهم مثل هذه النيات من المستحيل أن ترفعهم دفعة واحدة إلى البتولية.

بعد هذا التعليم (عن البتولية) التي هي حالة تليق بالسماء ويُقترب بها من حالة الملائكة، فإن الرجل الذي لازال مُتيّم بأمور العالم ومعجبًا تمامًا بالحياة الحاضرة لهو جدير بالخزي، فكيف (بعد ذلك) يستطيع أن يحتمل نصيحة تحثه عليها (يقصد البتولية)؟ ومن ناحية أخرى فهل مفاجئة أن بولس الرسول تصرف بهذه الكيفية بخصوص شيء مسموح بنفس الطريقة من أجل موضوع ممنوع ومخالف للشريعة؟

 

St-Takla.org Image: Saint Paul, by Franz Anton Maulbertsch, 1759, oil on canvas, 200 x 113 cm, at the Hungarian National Gallery, Budapest, Hungary. صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة القديس بولس الرسول، رسم فرانز أنتون مولبيرتيش سنة 1759 م.، زيت على قماش بمقاس 200×113 سم.، محفوظة في متحف هنجاريا القومي، بودابيست، المجر.

St-Takla.org Image: Saint Paul, by Franz Anton Maulbertsch, 1759, oil on canvas, 200 x 113 cm, at the Hungarian National Gallery, Budapest, Hungary.

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة القديس بولس الرسول، رسم فرانز أنتون مولبيرتيش سنة 1759 م.، زيت على قماش بمقاس 200×113 سم.، محفوظة في متحف هنجاريا القومي، بودابيست، المجر.

2- فعلى سبيل المثال: التمييز بين الأطعمة - قبول البعض ورفض البعض كان ضعفًا يهوديًا، ومع أنه كان لدى أهل روما مؤمنين مصابين بهذا الضعف، وبولس الرسول ليس فقط لم يدنهم بشدة، بل أيضًا فعل (من هذا) إذ تغافل عن المذنبين (يقصد الضعفاء) وانتقد الذين يحاولون منعهم قائلًا "ولكن لماذا تدين أخاك؟" (رو 14: 10)، ولكن كانت طريقته مختلفة تمامًا عندما كتب لأهل كولوسي، فبجرأة وبخهم وأعطاهم الدرس بهذه الكلمات:"فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب" (كو 2: 16)، وبعد ذلك بقليل قال "إذًا إن كنتم قد متم مع المسيح عن أركان العالم فلماذا كأنكم عائشون في العالم تُفرض عليكم فرائض، لا تمس ولا تذق ولا تجس التي هي جميعها للفناء في الاستعمال" (كو 2: 20-22).

 

3- لماذا تصرف هكذا؟ لأن أهل كولوسي كانوا ثابتين في الإيمان، بينما أهل روما لا يزالوا محتاجين لتساهل واسع النطاق والرسول انتظر حتى يتعمق الإيمان أولًا بقوة في نفوسهم لئلا وهو يسعى قبل الأوان وبمنتهى السرعة في نزع الزوان فيقتلع في نفس الوقت حتى إلى جذور نباتات التعليم الصحيح، وهو لهذا السبب لم يرد أن يوبخهم بشدة ولم يتركهم أيضًا بدون تحذير، فإنه بالتأكيد وبخهم ولكن بطريقة مستترة دون أن يشعروا، تحت اللوم الموجه ضد الآخرين قائلًا: "من أنت الذي تدين عبد غيرك، هو لمولاه يثبت أو يسقط" (رو 14: 4). إنه (هنا) يبدو وكأنه يغلق فم المنتقد ولكن في الحقيقة فإن تأنيبه مصوب للنفس محل الاهتمام (الضعيفة) لأنه أظهر أن مثل هذا التصرف ليس لأُناس خطاهم ثابتة وغير مهتزين، بل خطوات أُناس لازالوا متزعزعين، غير ثابتين وفي خطر عظيم للسقوط.

 

4- وبولس الرسول هنا يتبع نفس القاعدة من أجل الضعف العظيم لمن يخجلون من البتولية ولم يوضح علانية عن رأيه وقصده، ولكن بالمدح الذي خصه لمن يحفظ عذرائه، قد لطم (الضعيف) لطمة قاسية، فماذا قال؟ "ومن أقام راسخًا في قلبه" (1كو 7: 37). هذه الكلمات تلّمح خفية بالمقابل على الرجل المزعزع ذو القلب الخفيف، عديم العزيمة الذي لا يعرف كيف يمشي بخطوة ثابتة، وليس لديه قدرة كافية على الثبات. ثم عندما أدرك أن كلامه كافٍ لاختراق تأنيبه الخفي نفس محدثه، انظر كيف ترك الباب مواربًا من جديد إذ قدم دافع ليس فيه على الإطلاق شيئًا من اللوم. فبعد أن قال: "وأما من أقام راسخًا في قلبه" أضاف قوله "وليس له اضطرار بل له سلطان على إرادته" أو إنه كان من المنطقي أن يقول: "من أقام راسخًا ومن لا يرى في هذا شيئًا من عدم اللياقة" ولكن هذا التعبير (الأخير) أكثر قسوة، ولهذا السبب فقد استبدله بآخر ليشجع سامعه معطيًا إياه إمكانية العودة لتحبيذ هذا الدافع (دافع البتولية)، لأنه من الأهمية بمكان أن لا يكون هناك إجبار على البتولية، لأن هذا شيء مخزي (أن يكون في الأمر إجبار)، ففي الحالة الأولى فهو يتصرف بإزاء نفس ضعيفة وبائسة، ولكن في الثانية يتعامل مع نفس تالفة وعاجزة عن التقدير الصحيح لطبيعة الأشياء.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

5- ولكن لم تكن بعد اللحظة مناسبة ليتبنى هذه اللغة (أي التحدث إليهم كمؤمنين أقوياء) لأنه بالتأكيد لم يكن مسموح حتى عندما أُجبر عليها، بمنعه العذراء التي قررت أن تستمر عذراء، فنحن هنا على العكس نعارض بقوة كل من يستطيع كسر هذا الغرض الجميل، اسمع هنا ما يقوله المسيح "من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني لا يستحقني" (مت 10: 37)، فعندما نتخذ قرارًا مطابقًا لإرادة الله فسنجعل كل من يضع عقبة في الطريق عدوًا ومعارضًا، سواء كان أبونا أو أمنا أو أي شخص آخر، ومع ذلك فإن بولس لأنه أيضًا متوقع عدم كمال سامعيه (روحيًا) كتب "من أقام راسخًا وبدون اضطرار" ولم يكتف بتلك، ولو أن التعبيرين "بدون اضطرار"، "وله سلطان على إرادته" مترادفان.

 

6- ولكن بالثبات على الغرض والالتزام به، فهو يطمئن الشخص البسيط، والذي هو متوسط في الدرجة فيضيف أيضًا حتى لكل هذا تعبيرًا آخرًا "وقد عزم على هذا في قلبه". لأنه لا يكفي أن تكون حرًا (في اختيارك) فهذا غير كافٍ للارتباط (بالبتولية)، إذ أن الاختيار المتأني والقرار (من عزم القلب) يستطيعان أن يصنعا العمل الحسن (هذا).

ومن ثمَّ فلئلا تساهله العظيم يبدو لك وكأنه لغى المسافة التي تفصل بين البتولية والزواج، فعاد من جديد ليحدد الفرق -بدون شك بحياء- ولكن حدده بالآتي: "إذن من زوّج فحسنًا يفعل ومن لا يزّوج يفعل أحسن" (1كو 7: 38)، ولكن هنا ولنفس الدافع أيضًا (أي عدم إحراج أو إجبار سامعه) فلم يكشف بأي مقياس عن الحسن والأحسن، فإن رغبت أن تعرفه، فاسمع كلمات المسيح "لا يزوّجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء" (مت 22: 30). فأنت ترى المسافة التي تفصلهم، فإلى أي مكان رفعت البتولية دفعة واحدة هذا الكائن المائت - البتولية الحقيقية. أتفهم هذا؟


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-virginity/rebuke-improper-acts.html

تقصير الرابط:
tak.la/tx2a4yx