1- ربما من يعترض قائلًا: إن كان من الأفضل ألا يقترب الرجل من امرأة، فلماذا أُدرج مشروع الزواج في الحياة؟ ماذا سيكون دور المرأة حينئذ إن لم تُستعمل لا في الزواج ولا في ولادة الأطفال؟ ما الذي سيمنع انقراض الجنس البشري إن كان الموت يرعى فيهم وكل يوم له ضحاياه إن لم تكن هناك إمكانية إحلال محل الذين يختفون؟ فلنفترض إننا مارسنا هذه الفضيلة بغيرة شديدة، ولم تعد لنا علاقة بأي امرأة، فستختفي كل المدن والمزارع والمحلات وكل الكائنات الحية والنباتات. وهكذا فإن قُتل القائد فحتمًا سيتشتت جيشه، وحتى فإن كان الملك المتوج على كل الخليقة، ألا وهو الإنسان سيختفي بالامتناع عن الزواج، فلن يوجد أي شيء مما هو كائن على الأرض يستطيع أن يحفظ أمانه وبنفس المستوى، بحيث أن هذه النصيحة الجميلة ستملأ العالم بقلاقل لا تنتهي.
![]() |
2- بالنسبة لي لو كانت هذه لغة معارضينا وغير المؤمنين، فلن أعيرها أي اهتمام، ولكن إن كان بين هؤلاء من هم من أبناء الكنيسة، فإن وجد منهم من يعبّرون عن أنفسهم بهذه الطريقة، فهم يستصعبون لضعف إرادتهم الجهود التي تتطلبها البتولية ويذمونها ويصرحون بعدم نفعها لكيما يخفوا تهاونهم ويعطون الانطباع أنهم إنما يتملصون من حروب البتولية لجبنهم، وأيضًا دون أن نشغل أنفسنا كثيرًا بما يتقوله معارضينا "لأن الإنسان النفساني لا يقبل الأشياء الروحية، لأنها عنده سخافة" [(1كو 2: 14) بحسب النص] - أما هؤلاء الذين يدّعون أنهم منا، فنحن نقول لهم شيئين: أولًا البتولية شيء بعيد عن أن يكون نافلة فهي تمامًا مفيدة ومهمة، وبالتالي كل من يخول لنفسه توجيه اتهام وذم للبتولية لن يستطيع أن يبقى بلا عقوبة وستأتي على الذين يذمونها بالشرور بنفس قدر المكافأة والمدح لمن يمارسونها.
3- في الواقع فعند خلق كل عالمنا هذا، فإن كل شيء فيه قد جُبل من أجل راحتنا وخدمتنا، وقد جبل الله الإنسان ليعمل الأرض ويعيش في الفردوس. ولم يكن هناك على الإطلاق أي فكر في موضوع الزواج لأنه كان بحاجة إلى معين، ولهذا أُعطيت له حواء. وحتى ذاك الوقت لم تبدو أي أهمية للزواج، ولم يكن هناك أي أثر لمثل هذا الموضوع، بل كان الاثنان يعيشان في الفردوس وكأنهما في السماء مستمتعين بالعشرة الإلهية. أما العلاقات الجنسية والحمل والآلام والولادة وكل أشكال الفناء (حرفيًا الفساد) فقط كانت غائبة عن نفسيهما وكانا كالنهر الشفاف الجاري من عين صافية، هكذا كانت حياتهما تجري في هذا المكان وهي متجملة بزينة البتولية.
4- لقد كانت الأرض كلها حينئذ خالية من السكان، ولكن ما يزعج اليوم هو أن الناس منشغلون باهتمامات العالم ودائمًا تجدهم مستعدين للتداخل في شئون الآخرين دون أن يمنحوا أنفسهم الفرصة للتفكر فيما يخصهم - إنهم يخافون من كون الجنس البشري كله سيتلاشى يومًا ما. وبالرغم من هذا فكل واحد منهم يعامل نفسه وكأنها شيء غريب عنه ويهملها مع أن تلك النفوس ستعطي حسابًا شديدًا حتى عن الزلات الخفيفة، أما عن تناقص الجنس البشري، فهذا شيء ليس من شأنهم (أن يفكروا فيه).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
5- لم يكن هناك حينئذ لا مدن ولا منازل ولا متاجر ولم يكن هناك أيضًا اهتمام لأي شيء من المعتاد عليه "الآن"، لأن كل هذه الأشياء لم تكن توجد بعد. وأثناء ذلك لم يوجد شيء يقيد أو يحد من التواجد السعيد، وكانت حالتهم أفضل من تلك التي لنا، ولكن بعصيان آدم وحواء لله صارا إلى تراب ورماد وفقدا ذلك التواجد السعيد، أي جمال البتولية، وفي نفس الوقت تركهما الرب.
وهكذا لما كانا لا يتأثران بإغراءات الشيطان ويبجلاّن ربّهم، كانت البتولية مصاحبة لهما وأضفت عليهما زينة وجمالًا أعظم من تلك التيجان والملابس الذهبية التي للملوك. ولكن لما سقطا في العبودية تعريا من تلك الثياب الملكية وفقدا زينتهما السمائية وصارا هدفًا لفساد الموت واللعنة وآلام وشرور الحياة وكل ذلك المسلسل الذي تبع الزواج ذلك الرداء الدنيء والمائت.
6- يقول بولس الرسول: "لأن الرجل المتزوج يهتم بالأشياء التي في العالم" (1كو 7: 33).
أتعلم كيف صار منشأ الزواج؟ ولماذا ظهر ضروريًا؟ إنه أتى نتيجة للعصيان واللعنة فالموت، فحيث هناك موت يكون أيضًا الزواج. انزع الأول يتلاشى الآخر، بينما البتولية ليست هكذا، فهي دائمًا مفيدة وجميلة ومطوّبة قبل الموت وبعده. أخبرني من فضلك، من أي زواج ولد آدم؟ وأي مخاض ولادة جلبت حواء للحياة؟ بالطبع لا تعرف أن تجيب. فلماذا هذا الخوف الذي بلا داعي وهو إن تم الامتناع عن الزواج فهل أيضًا يؤدي هذا إلى نهاية الجنس البشري؟ إن ربوات الملائكة في خدمة الله وألوف الألوف من رؤساء الملائكة يقفون أمامه ولم يأت كل هؤلاء عن طريق توالد وحمل وآلام ووضع. ألم يكن شيء سهل جدًا بالنسبة لله أن يخلق البشر خارج الزواج؟ كان من الممكن أنه كما خُلق أبوينا الأولين -اللذين أتت منهما البشرية- يُخلق الكل بهذه الطريقة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-virginity/objections.html
تقصير الرابط:
tak.la/24bp4sp