مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تعاليم للموعوظين: للقديس يوحنا ذهبي الفم - القمص أنجيلوس المقاري

4- حيث أنكم عاقلين فأنا أعرف أنكم بعد نصحي لكم لن تسمحوا لأنفسكم أن تتخطوا حدود ما تريدونه، لكن الآن من المناسب لي أن أحثكم ليس فقط على التخلي عن الشرب إلى حد الإفراط، بل أيضًا أن تتحاشوا السُكر الذي يحدث بدون شرب خمر، لأن هذا النوع أخطر جدًا. لا تندهشوا لما أقوله، لأنه من الممكن السُكر بدون خمر. ولكي تعرفوا أن هذا ممكن، فأنصتوا للنبي الذي قال "الويل لأولئك الذين سكروا وليس من الخمر" [(إش 29: 9) بحسب النص]. لكن ما هو السُّكْر الذي لا يأتي من الخمر؟ إنه سُكر يأخذ أشكال متعددة ومختلفة. لأن الغصب يجعلنا سكارَى، كذلك أيضًا المجد الباطل، جنون الكبرياء وكل الأهواء المميتة التي تنبع فينا تنتج نوعًا من السُكر والتشبع الذي يظلم عقلنا. لأن السكر ما هو إلا تشتيت ذهننا من طرقه الطبيعية وتوهان العقل وضياع فهمنا (وتمييزنا).

5- أخبروني كيف أن أولئك الذين هم غاضبين وسكارى بالهيجان أفضل من الذين هم سكارى بالخمر؟ إنهم يظهرون من الإفراط ما يجعلهم يهاجمون كل الناس على السواء غير واضعين لجامًا على ألسنتهم ولا يمكنهم تمييز وجه عن وجه، كما أن المجانين والذين فقدوا عقولهم يسرعون بإلقاء أنفسهم من الجرف دون أن يدركوا ما يفعلونه، فأولئك الهائجين والذين استولى عليهم الغضب يفعلون نفس الشيء. لهذا فإن الرجل الحكيم مريدًا أن يضع أمام عقولنا الدمار الذي يأتي من هذا النوع من السُكر قال "سقطته هي في ثقل غضبه" [(سي 1: 22) بحسب النص]. هل ترون كيف أنه يشير باختصار إلى إفراط هذه الرذيلة المميتة؟

6- أيضًا فإن المجد الباطل وجنون الكبرياء هما أشكال أخرى للسُكر لكن مميتة أكثر منه. إن ذاك الممسوك في حبائل هذه الأهواء قد أوشك على أن يدمر قوى إدراكه على التمييز، وهو ليس بأفضل ممن هم مجانين. لأنه يتمزق يومًا بعد يوم بهذه الأهواء ولا يتنبه لهذا إلى أن يهبط تمامًا إلى قاع الشر وتُصاب نفسه بمرض لا شفاء له. لذلك فأنا أنصحكم أن تهربوا من السُكر الذي يأتي من الخمر وضياع العقل، الذي يأتي من أهوائنا المضطربة، ولنعير آذاننا إلى معلمنا كلنا عندما يقول "لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة" (أف 5: 18).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

7- هل ترون كيف أن بولس الرسول قد أوضح لنا في هذا النص أنه من الممكن السُكر بطرق أخرى؟ ولو لم يكن هناك نوعًا آخر من السُكر فلماذا بعد أن قال "لا تسكروا" أضاف كلمة "بالخمر"؟ لأنه يمكنكم مما قاله بعد ذلك أن تروا عمق حكمته ودقة تعليمه. فبعد أن قال "لا تسكروا بالخمر" أضاف قائلًا "الذي فيه الخلاعة" يقصد أن بهذا الإفراط سندمر كنز الفضيلة.

8- سأحاول أن أوضح هذا من نفس كلمات بولس لكي تفهموا ما يقصده. نحن اعتدنا أن نطلق على الشباب المسرفين لقب المستهترين والفاجرين، هذا إن رأيناهم يبددون ميراثهم بطريقة غير عاقلة وبدون ضرورة ملّحة وبدون أن يعرفوا متى أو أين (ينبغي أن) يوقفوا إسرافهم. وفي وقت قصير يستنفذوا كل ثروة والديهم ويسرعون إلى حضيض الفقر. كذلك حالة صرعى السُكر بالخمر، لذلك هم لا يعرفون كيف يوزعون ثروة غنى عقلهم كما ينبغي، بل مثل الشباب الطائش يهووا إلى السُكر وإن كان عليهم أن يتكلموا يقولوا أمرًا ما غير مناسب سيؤدي إلى ضرر عظيم وهم يتكلمون ويتصرفون بلا رادع تمامًا - بل إنهم أسوأ حالًا من أولئك الطائشين الذين أضاعوا ميراثهم من المال لأن السكارى يهوون بأنفسهم إلى منتهى فقر الفضيلة، وكثيرًا ما يكشفون (عن غير قصد) أسرارهم. وبعد ضياع كل ملكات إدراكهم يرون أنفسهم فجأة هبطوا إلى الفاقة والعري الكامل من التقوى والفهم.

السُكر هو اختيار طوعي للشيطان

تعاليم للموعوظين: للقديس يوحنا ذهبي الفم كتب القمص أنجيلوس المقاري

ليتنا لا نجد أي حجة للتراخي في عيد الفصح