1- يبدو لي أنه من المحتم أن نعّرف أولًا ما هي العثرة، وبعد ذلك أنواع الناس مثيري العثرات وطرق الإعثار، وحينئذ يمكننا أن نتعّرف أين يكمن الخطر وأين لا يكمن.
![]() |
وإذ آخذ الكتب المقدسة كمرشد لي فإنني اعتقد أن العثرة هي كل ما من شأنه أن يجذبنا بعيدًا عن التقوى الحقيقية ناحية أي شكل من أشكال الانحراف ويؤدي للخطأ ويغذي عدم التقوى، أو بصفة عامة العثرة هي كل ما يعوقنا عن حفظ الوصية حتى إلى الموت. لذلك إن كان ما نقوله أو نعمله جيد في حد ذاته، إلا أن شخصًا ما بسبب مرضه (الروحي) استخدم هذا العمل أو هذه الكلمة لهلاك نفسه، ففي هذه الحالة نحن لسنا مدانين بتاتًا بإعثاره، نحن الذين قلنا أو فعلنا بدافع بنيان الإيمان (أف 4: 29).
وهكذا فإن الرب بعد أن قال "ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان" (مت 15: 11)، أضاف هذه الكلمات مخاطبًا من تعثروا فقال "كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلع" (مت 15: 13). وقال أيضًا في موضع آخر "من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية" (يو 6: 54)، وبعد ذلك بقليل قال "لا يقدر أحد أن يأتي إليّ إن لم يُعط من أبي" (يو 6: 65). وكما أن البعض استخدموا هذه الكلمات لهلاكهم كذلك كُتب " مِنْ هَذَا الْوَقْتِ رَجَعَ كَثِيرُونَ مِنْ تلاَمِيذِهِ إِلَى الْوَرَاءِ وَلَمْ يَعُودُوا يَمْشُونَ مَعَهُ. فَقَالَ يَسُوعُ لِلاِثْنَيْ عَشَرَ: «أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟». فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا رَبُّ إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ. وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ» (يو 6: 66-69).
إن الناس ذوي الإيمان الثابت استخدموا هذه التصريحات لبنيان إيمانهم ونوال الحياة الأبدية، أما الضعفاء في العلم (أو الفهم) أو في الإيمان -فلسبب خبثهم- جعلوها سببًا لهلاكهم. ولهذا كُتب بخصوص الرب: "هذا (أي يسوع) قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل" (لو 2: 34). لقد قيل هذا ليس كأن الرب يحوي في ذاته متضادات، بل لأن الذين استخدموا كلمته كانوا ذوي مشيئات متعارضة كما أكدّ الرسول أيضًا ذلك بقوله "لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة" (2كو 2: 16).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
2- لكن إن كان ما قيل أو عُمل هو في حد ذاته رديء، حينئذ فمن يقوله أو يفعله مستحق للاتهام باقترافه الخطية وإعثار الآخر حتى لو لم يأخذ الآخر هذا الأمر على أنه عثرة. وهذا الأمر تشرحه حادثة بطرس والذي -عندما كان معارضًا للرب في إتمام خدمة الطاعة حتى الموت- قال له الرب "اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي" (مت 16: 23). والسبب الذي ذكره الرب ولو أنه مُختصر إلا أنه يعلّمنا الخواص العامة للعثرة "لأنكم لا تهتم بما لله لكن بما للناس" (مت 16: 23). من هنا نعلم أن كل فكر مضاد لفكر الله هو بالتحديد عثرة والذي يؤدي -إن تم تنفيذه عمليًا- إلى نفس الحكم (بالعقاب) باعتباره قتل للإنسان بحسب ما هو مكتوب لدى هوشع النبي "لقد أخفى الكهنة الطريق ذبحوا شكيم لأنهم قد صنعوا الإثم بين الناس" [(هو 6: 9) بحسب النص].
لنتطلع أخيرًا إلى الوضع الذي فيه ينتسب الفعل (العمل) أساسًا إلى الأمور المباحة (ولكنه يسبب عثرة) فإن كانت النفوس الضعيفة في الإيمان أو في العلم يصيبها منها ضرر وفيه تجد سببًا للتعثر فمن يقوم بهذا العمل لن يفلت من دينونة العثرة لأن الرسول يعلن بخصوص من يتصرفون دون اعتبار للضعفاء فيقول "هكذا إذ تخطئون إلى الإخوة وتجرحون ضميرهم الضعيف تخطئون إلى المسيح" (1كو 8: 12).
فلذلك عندما يكون العمل رديئًا في حد ذاته ويقدم أسبابًا للعثرة أو عندما يكون من الأعمال المباحة والمتروكة لإفرازنا ويصير عثرة للنفوس الضعيفة في الإيمان أو في العلم، فحينئذ يؤدي بصورة واضحة وصارمة لهذا الحكم المرعب الذي صاغه الرب هكذا يقوله "خير له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر من أن يعثر أحد هؤلاء الصغار" (لو 17: 2)، ونحن شرحنا بتفصيل مطّول عن هذا الحكم في مناقشاتنا الأولى(39) حيث عددنا أيضًا بتحديد أكثر منوّعات العثرة. لهذا السبب فإن الرسول يؤكد بخصوص ما هو مباح بقوله "حسن أن لا تأكل لحمًا ولا تشرب خمرًا ولا شيئًا يصطدم به أخوك أو يعثر أو يضعف" (رو 14: 21). ومع أن الرسول يعترف بأن "كل خليقة الله جيدة ولا يرفض شيء (طعام) إذا أُخذ مع الشكر" (1تي 4: 14)، إلا أنه مع ذلك يؤكد في موضع آخر فيقول "لن آكل لحمًا إلى الأبد لئلا أعثر أخي" (1كو 8: 13). إن كان الحكم هكذا عما هو مباح فماذا يقال عما هو ممنوع؟ الرسول أيضًا يعطينا هذا التعليم الأكثر عمومية فيقول "كُونُوا بِلاَ عَثْرَةٍ لِلْيَهُودِ وَلِلْيُونَانِيِّينَ وَلِكَنِيسَةِ اللهِ. كَمَا أَنَا أَيْضًا أُرْضِي الْجَمِيعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ طَالِبٍ مَا يُوافِقُ نَفْسِي بَلِ الْكَثِيرِينَ لِكَيْ يَخْلُصُوا" (1كو 10: 32-33).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/basil-baptism/stumble.html
تقصير الرابط:
tak.la/ycd62kj