الخلاصة:
يكاد يجمع التقليد الكنسي المعترف به شرقًا وغربًا، على أن الرسول بطرس استشهد في روما حوالي سنة 67م في عهد نيرون... وكثرة من المؤرخين يذكرون أنه قبض عليه في مكان آخر بعيدًا عن روما باعتباره من قادة المسيحيين، وسيق إلى روما لمحاكمته، على نحو ما حدث مع القديس أغناطيوس الشهيد أسقف أنطاكية الذي سيق من أنطاكية إلى روما ليلقى للوحوش سنة 107م. وهذا يتفق مع رواية يوسابيوس(91) -نقلًا عن العلامة أوريجينوس- الذي قال عن بطرس: (وإذ أتى أخيرًا إلى روما صُلب منكس الرأس)... ورأى آخرون أنه ذهب إلى روما في أواخر حياته لمقاومة سيمون الساحر... وأيًا كان سبب ذهابه إلى روما، فإن ذهابه إليها لم يكن على أية الحالات بقصد تبشيرها أو تأسيس كنيستها، فإن كنيستها كانت قد تأسست بواسطة القديس بولس... أما هو فلم يذهب إليها إلا في السنة الأخيرة من حياته... هذا هو ما يؤكده العلماء(92).
أما قصد البابويين من محاولاتهم، فهو أن يجعلوا من بطرس كاروزًا للعالم أجمع، ومبشرًا للخليقة كلها، ومؤسسًا لكل الكنائس الكبيرة المتميزة بشهرتها، حتى يستأهل بذلك رئاسة العالم المسيحي، كنائب للمسيح على الأرض!! وهو حسب زعمهم، أسس كراسي أنطاكية وروما والإسكندرية وبيزنطة وأفسس وكورنثوس وبلاد اليونان، بالإضافة إلى أقاليم آسيا الصغرى... وأنه أقام لها أساقفة(93).
 |
وكدليل على هذه الروح الاستعمارية في الكنيسة البابوية، نسوق هنا ما يذكره الأشمندريت ميشل عساف في كتاب سنكسار الروم الكاثوليك، في تذكار القديس بطرس(94).
(يذكر المؤرخون... الذين وضعوا سير القديسين، أن بطرس بعد أن مر في مدن آسيا، تضرع إلى الرب ليوضح له إرادته، ويبين له الطريق التي يريد أن يسلكها. فتراءى له الرب يسوع وقال له: قم يا بطرس، واستولى على بلاد الغرب، لأنه ينتظرك لتشرق عليه أنوار الإنجيل، وسأكون أنا معك. وأوحى إليه الرب أن كرسيه الثابت الأعلى يجب أن يكون في روما. فقام وسار إلى روما).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إن هذا الكلام لا ينطوي على روح إنجيلية سليمة... فالكرازة في نظر البابويين هي غنيمة واستيلاء (قم يا بطرس، واستولي على بلاد الغرب)!! هذه ليست روح المسيح.
أما القديس بولس الذي قال عن نفسه -بالروح القدس- أنه تعب أكثر من جميع الرسل، فيقول عنه نفس الكاتب: (وتعب بولس أيضًا في تلك الكنيسة "رومية"، فأصبحت حقًا أم الكنائس). إلا أننا نلاحظ في كل ما تبقى لدينا من الآثار التاريخية أن منزلة بطرس وبولس في كنيسة روما ليست واحدة، بل بطرس هو الأول والأكبر، وبولس هو الثاني. وأما التصاوير التي تمثلهما معًا، فمنها ما يجعل بطرس جالسًا وبولس واقفًا أمامه ومنها ما يمثل بطرس بأثواب مزركشة وبولس بثياب بسيطة. ومنها ما يمثلهما جالسين كليهما، لكن كرسي بطرس بمسند لظهره، وبولس بغير مسند..!!
وكدليل على الانحراف البابوي، نسوق هنا بعض فقرات مما قاله الأب اليسوعي Marin de BoyLesve عن بطرس(95):
(بطرس هو الأساس. وكل من لا يستند عليه، ليس من الكنيسة).
Pierre est le fondement. Tout ce qui ne repose pas sur lui n’est pas de l’Eglise
(بطرس يمسك مفاتيح مملكة السموات. وهو وحده الذي يستطيع أن يمنع الدخول أو يسمح به).
Pierre tient les Clefs du royaume des cieux. Lui seul peut exclure et introduire.
(بطرس يربط أو يحل الضمائر، هو يغفر الخطايا أو يبقيها)
Pierre lie ou delie les consciences, il remet ou reticent les peches.
(بطرس لا يزل في الإيمان. له وحده أعطي تثبيت إخوته)
Pierre ne peut failler dans la foi. A lui seul d’affermir ses freres
وبعد... إذا كانوا قد نسبوا كل هذه الحقوق لبطرس. فماذا أبقوا للمسيح الإله؟! هذه الروح التي تعبر وتكشف عن ظلام العصور الوسطى، نرجو أن تكون قد زالت الآن تمامًا، وحل محلها روح المسيح القائل: "أما أنتم فلا تدعوا سيدي، لأن معلمكم واحد المسيح، وأنتم جميعا إخوة" (مت 23: 8).
أما القديس بطرس فهو بريء كل البراءة مما نسبه إليه البعض... فتصرفاته وكتاباته تظهرانه بمظهر القديس الوديع الهادئ... فبعد أن استدعاه كرنيليوس قائد المائة، استقبله في بيته وسجد واقعًا على قدميه. أما هو فأقامه وقال: "قم أنا أيضًا إنسان" (أع 10: 25، 26)... وفي رسالته الأولى يخاطب الكهنة قائلًا: "أطلب إلى الشيوخ الذين بينكم، أنا الشيخ رفيقهم" (1بط 5: 1)... هذه الكلمات التي تدحض كل ادعاء للرئاسة... والتي حوتها رسالة تفيض عذوبة... يتحدث فيها معلمنا بطرس عن الاتضاع "كونوا جميعًا خاضعين بعضكم لبعض. وتسربلوا بالتواضع لأن الله يقاوم المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة. فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه" (1بط 5: 5، 6)... وبعد أن اصطدم به القديس بولس، وقاومه مواجهةً أمام الجميع في أنطاكية -بسبب موقفه الذي اعتبره بولس رياء- استشهد بكتاباته في رسالته الثانية وقال: "كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضًا بحسب الحكمة المعطاة له" (2بط 3: 15).
_____
(91) H.E., 3.1.
(92) انظر: البابا شنوده الثالث، مرقس الرسول ص 35، 36.
(93) حتى الطريقة التي مات بها بطرس، جعلوها مادة لتأييد رئاسته على الكنيسة كلها. فصلبه منكس الرأس يعتبره أحد أساقفة الفاتيكان دليلًا على ذلك. فعلى نحو ما أن رأس بطرس "وهو منكس" حمل جسمه كله، وليس الجسم هو الذي حمل الرأس، كذلك بطرس يحمل الكنيسة كلها!! [انظر:
Schaff, Vol. 1, p. 259. - footnote].
(94) الأرشمندريت ميشل عساف، سنكسار الروم الكاثوليك - تحت يوم 29 حزيران.
(95) Le Pope et l’Eglise, p. 18.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/rome-church-peter-2.html
تقصير الرابط:
tak.la/4qq62zn
