محتويات: (إظهار/إخفاء) |
العطايا المادية روح الأخوة |
1 - المحبة:
المحبة في المسيحية هي الوصية الأولى والعظمى (مت 22: 38). وهي أعظم من الإيمان الذي ينقل الجبال ويقيم الموتى، وأعظم من الرجاء (1كو 13: 13)، وهي غاية الوصية (1تي 1: 5) وهي علامة التلمذة الحقة للمسيح (يو 13: 35). وهي تكميل الناموس الإلهي (يع 2: 8)، وهي أول ثمار الروح القدس (غل 5: 22)، بل هي الله نفسه "الله محبة" (1يو 4: 8)... ولم تكن هذه المحبة وقفًا على الأحباء، بل تعدتهم إلى الأعداء لتحولهم إلى أحباء (مت 5: 44؛ رو 12: 20)... لا عجب إذن إن رأينا آثار هذه المحبة كوصية إلهية، تظهر بوضوح في حياة الجماعة الأولى... ونستطيع أن نلمسها في النقاط التالية:
وقد عرضنا لها في كلامنا عن التنظيم المالي والرعوي... ونضيف هنا أن المسيحيين الأوائل أظهروها في:
* العطاء والحسنات في مجموعها. وبالإضافة إلى ما ورد في أسفار العهد الجديد، فقد تكلم عنها بوضوح وتقدير كبير هرماس في كتابه الراعي، وإكليمنضس الروماني فيما يُعرف بالرسالة الثانية(148).
* إعالة المعلمين والخدام. فبالإضافة إلى مبدأ القديس بولس أن الفاعل مستحق أجرته، فقد أوصى به الآباء والرسل في تعاليمهم وقوانينهم(149).
* إعالة الأرامل والأيتام، وقد عرضنا لذلك قبلًا.
* رعاية المرضى والعجزة والمقعدين وغير القادرين. ومنذ البداية كانت الكنيسة ترعى هؤلاء بذكرهم في صلواتها وزيارات الخدام لهم، وسد احتياجاتهم المادية(150).
* العناية بالمحبوسين. قال معلمنا بولس: "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب 13: 3). ويقول هرماس "خلص خدام الله من قيودهم"... كان هناك محبوسون لأجل إيمانهم، وآخرون محبوسون وفاء لديون عليهم. وكان يجب افتقاد النوعين بالصدقة والمحبة. وكان الشمامسة يزورون في السجون المحبوسين لأجل الإيمان يعزونهم ويشجعونهم ويقدمون لهم ما يحتاجونه... وكان المؤمنون العلمانيون يظهرون أيضًا نفس المحبة(151).
* العناية بمن تحل بهم الكوارث. وقد مدحت الكنيسة -منذ وقت مبكر- لأنها وقفت بنبل إزاء اختبار الاضطهاد والكوارث التي حلت بها (انظر عب 10: 32-34).
* ضيافة الغرباء. ومنذ البداية أبرز الآباء الرسل أهمية إضافة الغرباء(152). ويذكر هرماس في كتابه الراعي، ضيافة الغرباء ضمن قائمة الفضائل... ولعل أهمية هذه الفضيلة في تاريخ الكنيسة المبكر يرجع إلى أنها -الكنيسة- كانت بلا أمكنة ثابتة. وكان الإخوة والخدام دائمي السفر والتنقل(153)... وفي رسائل ووثائق الكنيسة الأولى، نجد صلوات وتشفعات مقدمة من الكنيسة لأجل الغرباء والمعتنين بهم(154).
* العناية بالكنائس الفقيرة أو التي يحيق بها خطر. وهذا واضح في سفر أعمال الرسل ورسائل القديس بولس... فقد كانت تجمع تقدمات لأجل فقراء أورشليم. وقد اهتم بولس بهذا الأمر، وجمع من كنائس أنطاكية وغلاطية ومقدونية وأخائية(155).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
مجدت المسيحية فكرة الإنسانية، ووضعتها فوق القومية التي مزقت العالم القديم بمدلولها الحسي، وما أثارته من نعرات. ومن ثم، فقد قادت الناس إلى مشاعر أنبل نحو روح الأخوة... فهناك رابطة روحية متينة وعميقة وحية بين كل من هم شركاء في نفس الإيمان. وقد دعوا بعضهم بعضًا "إخوة" تأكيدًا لهذه الحقيقة... هؤلاء الإخوة لهم قلب واحد ونفس واحدة (أف 4: 1-6). ويسلمون على بعضهم بعضًا بقبلة مقدسة(156)... لقد كان هناك منظر يثير دهشة اليهود والأمم، فيقولون: [انظروا كيف يحبون بعضهم بعضًا]؟! وحينما كان أي مسيحي غريب يصل إلى أية مدينة، كان يقبل فيها كممثل لكنيسته. وكانوا يقدمون له المسكن. وكانت الأرامل التقيات يغسلن قدميه وكان يعامل بكل ما يدل على المحبة الأخوية(157). لم يعد سكان اليهودية يتصورون أنهم أفضل من الجليليين، وهذان أفضل من الساكنين خارج الأراضي المقدسة، تلك الامتيازات التي انتقلت في بادئ الأمر مع اليهود المتنصرين إلى الكنيسة (أع 6: 1)... لم يعد لهذا الإحساس أي وجود. لقد غدا المؤمنون إخوة حقيقيين في أسرة واحدة(158).
إن أسفار العهد الجديد كلها بنصوصها فضلًا عن روحها، تؤكد هذا المفهوم. فالقديس يعقوب أخو الرب أسقف أورشليم يدعو المؤمنين إخوته إلى مواضع عديدة من رسالته(159). وكذا القديس بولس في أكثر من موضع من رسائله(160)... بل إن الرب يسوع نفسه يدعو المؤمنين إخوته(161).
هكذا شعر المسيحيون أنهم إخوة متأثرين بأصلهم الواحد، ومصيرهم الواحد، وتمموا واجبهم المقدس بحفظ وحدانية الروح برباط السلام... وبينما اليهود بكبريائهم الروحي مقتوا جميع الأمم، واليونانيون احتقروا جميع المتبررين. وبينما الرومان بكل ما فيهم من قوة وسياسة، وحولوا شعوبهم المقهورة إلى كتل آلية، كعملاق بلا روح، إذ بالمسيحية -بواسطة وسائل أدبية خالصة- تؤسس إمبراطورية روحية مسكونية، ومجتمع قديسين تربطهم روح أخوة واحدة، وهي تقف ثابتة حتى اليوم، وستمتد حتى تضم كل شعوب الأرض كأعضاء حية فيها، وتصالحهم جميعًا مع الله.
ولا شك أن روح الأخوة هذه حملت معها معنى المساواة، فلا تفرقة عنصرين بسبب لون أو جنس أو وطن... الجميع يتجهون إلى إله واحد، ويجلسون جنبًا إلى جنب على موائد الأغابي، ويقفون للصلاة في الكنيسة متجاورين... "ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر وأنثى. لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع"، "حيث ليس يوناني ويهودي، ختان وغرلة، بربري سكيثي، عبد حر، بل المسيح الكل وفي الكل" (غل 3: 28، كو 3: 11).
_____
(148) Harnack; pp. 153-155.
(149) Didache; chs. 11, 13; Harnack, Missions..., pp. 158, 159; Apsotolical Constitutions, 2. 15
(150) هذا واضح من رسالة "كلينمضس الروماني" وكتاب الراعي لهرماس - انظر:
Harnack, pp. 160, 161.
(151) Harnack, Missions....., pp. 162, 163.
(152) انظر (رو 12: 13، 16: 1-2، عب 6: 10، 13: 2، 1 بط 4: 9، 3 يو 5-8).
(153) في القرن الثاني وضع ميليتو أسقف ساردس بآسيا الصغرى، كتابًا عن هذه الفضيلة.
(154) ما زال أثر ذلك باقيًا في القداس الإلهي.." بارك إكليل السنة بصلاحك من أجل فقراء شعبك. من أجل الأرملة واليتيم والغريب والضيف".
(155) انظر: (أع 11: 27-30، 2كو: 8: 1-5، رو 15: 26، غل 2: 10).
(156) انظر: (رو 16:16، 1كو 16: 20، 2كو 13: 12، 1 تس 5: 26، 1 بط 5: 14).
(157) Fisher, p. 568; De Pressense, Vol. 1, p. 394.
(158) Hill, p. 41.
(159) (يع 1: 2، 16، 19 " 2: 1، 14، 15" 3: 1" 4: 11" 5: 7، 10، 12، 19).
(160) (رو 9: 3، 12: 10، 16: 1).
(161) انظر: (مت 5: 22، 23، 12: 50، 15: 40، مر 3: 35، لو 6: 41، يو 20: 17، رو 8: 29، عب 2: 11، 12، 17).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/passion.html
تقصير الرابط:
tak.la/rsxpc5y