St-Takla.org  >   books  >   anba-yoannes  >   apostolic-church
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الكنيسة المسيحية في عصر الرسل - الأنبا يوأنس أسقف الغربية

91- عوامل مهدت الطريق أمام المسيحية

 

 عوامل مهدت الطريق أمام المسيحية(30):

إن النصر العجيب الذي أحرزته المسيحية -إبان ظهورها- على ديانات العالم القديم، أمر يدعو للدراسة. وإن كان السبب الرئيسي في سرعة انتشار المسيحية، هو أصلها الإلهي وعناية مؤسسها، وعقائدها السامية، التي هي في حد ذاتها شهادة مقنعة، لكن الله دائمًا يستخدم ظروف البشر كوسائل لتنفيذ مقاصده الإلهية... لقد تجسد ابن الله في ملء الزمان (غل 4: 4). ومعنى الملء هنا، أن الإعداد لمجيئه قد كمل... قيل عن يوحنا المعمدان أنه الملاك الذي هيأ الطريق أمام ابن الله... لكن لم يكن هو وحده الذي قام بهذه المهمة، بل سبقته إعدادات كثيرة. ولعل يوحنا كان حلقة أخيرة في سلسلة الإعداد الطويل... فما هي هذه العوامل إذن(31)..؟

 

1- اليهودية وانتشارها:

كان تشتت اليهود في أنحاء العالم القديم مظهرًا من مظاهر غضب الله على هذا الشعب القاسي القلب، الغليظ الرقبة... كانت المجامع اليهودية في الشتات -بالنسبة للديانة المسيحية الناشئة- مراكز اضطهاد للمسيحيين، ومعاقل مقاومة للمسيحية وتعاليمها. لكن الله استخدم هذا العدو الكبير لخير العالم... لقد كان انتشارهم الواسع في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية بمثابة الأساس الممتد الذي بُنيت عليه المسيحية(32)... وهكذا غدت هذه المجامع وسائل لنشوء ونمو الجماعات المسيحية في كل أنحاء الإمبراطورية... لقد أمدت هذه المجامع الكنيسة المسيحية بمراكز ومناهج للتبشير سرعان ما طورتها المسيحية بما يتفق مع روحها ورسالتها... وهكذا وجدت إرساليات الديانة الجديدة التي باسم إله ابراهيم وموسى، جوًا مهيئًا لها...

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

St-Takla.org Image: Church bell tower with the Holy Cross - from St. Mary Church, Faggala, Cairo, Egypt - October 2011 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org. صورة في موقع الأنبا تكلا: منارة الجرس بالكنيسة مع الصليب المقدس - من صور كنيسة العذراء مريم، الفجالة، القاهرة، مصر - أكتوبر 2011 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org Image: Church bell tower with the Holy Cross - from St. Mary Church, Faggala, Cairo, Egypt - October 2011 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org.

صورة في موقع الأنبا تكلا: منارة الجرس بالكنيسة مع الصليب المقدس - من صور كنيسة العذراء مريم، الفجالة، القاهرة، مصر - أكتوبر 2011 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ملاحظات على اليهودية وانتشارها في العالم:

‌أ- انتشر اليهود في معظم أقاليم الدولة الرومانية، وعلى وجه الخصوص في حوض البحر المتوسط أو الأقاليم المتصلة به(33)... وكانت أكبر تجمعاتهم في سوريا ومصر وروما وأقاليم آسيا الصغرى وبلاد ما بين النهرين (شمالي العراق). ووصلوا في انتشارهم إلى الساحل الشمالي للبحر الأسود، وعلى طول ساحل أفريقيا الشمالي، وفي جنوبي غاليا (فرنسا) وأسبانيا وإيطاليا.

‌ب- التحول الذي طرأ على اليهودية في القرن الأول قبل الميلاد... فبعد أن ظلت اليهودية لقرون طويلة ديانة مغلقة متحوصلة على ذاتها، يفصلها حاجز ضخم عن بقية الشعوب والأديان، وارتبطت ارتباطًا وثيقًا بوطنها وأمتها، أصبح لها باعث تبشيري قوي، وحققت بعض النجاح... وهذا ما عناه السيد المسيح بقوله للكتبة والفريسيين: "تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلًا واحدًا. ومتى حصل تصنعونه ابنًا لجهنم أكثر منكم مضاعفًا" (مت 23: 15)... وهذه الظاهرة برهان على أن اليهودية -كديانة- أخذت تتفتح نتيجة لتغيرات داخلية، وأصبحت معبرًا بين ديانة قومية (اليهودية) وأخرى عالمية (المسيحية)... كان اليهودي يشعر فخورًا أن لديه شيئًا يقدمه للعالم، ألا وهو الإله الواحد وحده وأحس بأن التبشير بعبادة يهوه واجب عليه. هذا ما يصوره القديس بولس: "وتثق (أيها اليهودي) أنك قائد للعميان، ونور للذين في الظلمة، ومهذب للأغبياء ومعلم للأطفال.." (رو 2: 19، 20).

ويمكن تلخيص الخدمة التي قدمتها اليهودية للمسيحية في هذا المجال بالآتي:

 

2- امتداد النفوذ الإغريقي (الهيليني)، وتأثيره في العالم، وبخاصةً في الشرق، منذ عهد الإسكندر الأكبر. وما ترتب على ذلك من وحدة في اللغة والأفكار(*).

 

3- الدولة العالمية الواحدة في روما، والوحدة السياسية التي حققتها لشعوب البحر المتوسط، واستقرار الحياة الاجتماعية.

لقد أحس الناس في أقاليم كثيرة في الشرق بالسلام بعد كل الحروب والقلاقل المخيفة، ورحبوا بالقانون الروماني. وفي ذلك يقول العلامة أوريجينوس في رده ضد الفيلسوف كلسوس الوثني: [في أيام يسوع اكتمل البر والسلام، اللذان ظهرا بمولده. لقد أعد الله الشعوب لتعليمه، بأن جعل الإمبراطور الروماني يحكم العالم كله. لم تعد هناك ممالك كثيرة، وإلا أضحت الشعوب غريبة عن بعضها. ولوجد الرسل أيضًا صعوبة في القيام بالواجب الملقى عليهم من يسوع حينما قال: "اذهبوا وعلموا جميع الأمم". من المعلوم جيدًا أن ميلاد يسوع حدث في حكم أغسطس، الذي صهر ووحد الشعوب العديدة على وجه الأرض في إمبراطورية واحدة. إن تعدد الممالك كان يمكن أن يصبح عقبة في سبيل انتشار الإيمان بيسوع في كل العالم. ليس فقط للأسباب السالف ذكرها، بل لأن الأمم أيضًا في مثل هذه الحالة تصبح مضطرة للحرب دفاعًا عن أراضيها الأصلية... وكيف يمكن إذن لهذا التعليم الخاص بالسلام -الذي لا يسمح لمجرد الانتقام من عدو- أن ينتشر في كل العالم، لو لم تمر ظروف العالم في كل مكان في طور ألطف عند مجيء يسوع؟](34)... وفضلًا عن ذلك، فقد عاون وجود الدولة الأرضية الواحدة في العالم، على فهم الملكوت السماوي الذي يضم أممًا وأجناسًا متباينة. كما أنه مهد الأفكار لقيام كنيسة عالمية جامعة.

 

4- كثرة الطرق التي شقتها الإمبراطورية، والأمن الذي صاحبها برًا وبحرًا، الأمر الذي أدى إلى نشاط التبادل التجاري والاتصالات الشخصية، وما صحب ذلك من تبادل الأفكار، وتنقل التجار والأساتذة من مكان إلى آخر... وقد استفادت المسيحية من ذلك.

 

5- الاعتقاد النظري والعملي في تلك الآونة، بضرورة وحدة الجنس البشري، والحقوق والواجبات الإنسانية التي شجعت عليها الوحدة السياسية Orbis Romanus من ناحية، وتطور الآراء الفلسفية من ناحية أخرى.

كل هذه العوامل الخارجية أحدثت ثورة كبيرة في كيان البشر في ظل الإمبراطورية... ثورة كان لا بُد وأن تؤدي إلى انتشار الديانة المسيحية... لقد أصبح العالم الضيق عالمًا متسعًا. وغدا العالم الممزق وحدة واحدة، يخضع لسلطة حاكمة واحدة، ويتفاهم بلغة عالمية واحدة... وبعبارة أخرى، لقد أصبح الوضع وقت قيام الكنيسة المسيحية على النحو الآتي: إمبراطورية واحدة، لغة عالمية واحدة، حضارة واحدة، تطور عام نحو التوحيد، واشتياق عام إلى مخلّص...

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(30) Harnack; Missions... pp. 1-21; Gibbon, pp.259.

(31) Schaff, Vol. 1, p. 198.

(32) Smyth; The story of St. Paul's Life, p. 16.

(33) إن قائمة الشعوب المذكورة في (أع 2) التي حضرت يوم الخمسين في أورشليم واستمعت إلى عظة بطرس تعطينا فكرة عن ذلك.

(*) حتى منتصف القرن الثالث الميلادي تقريبًا، كانت جميع التآليف العظيمة تُكتب باللغة اليونانية، حتى التي كتبها علماء من روما أو الإسكندرية. كانت اليونانية هي لغة العلم، فضلًا عن أنها كانت لغة عالمية. وقد كُتبت أسفار العهد الجديد جميعها باليونانية، باستثناء إنجيل متى الذي قيل أنه كُتب أصلًا بالآرامية... ونشير أيضًا هنا إلى كتاب العهد القديم الذي تُرجم من العبرية إلى اليونانية قبل الميلاد بنحو مائتي سنة، فيما عُرف باسم الترجمة السبعينية.

(34) Origen; Contra Celsum, 2. 30.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/christianity-road.html

تقصير الرابط:
tak.la/kc4tp5p