انشغل بعض خدام الكنيسة، وشبابها، ببعض المناقشات العقيدية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتبّنى البعض أفكارًا جديدة، في موضوع شرح تدبير الخلاص، مستندين على بعض الدراسات، والأبحاث، والرسائل العلمية، التي قام بها بعض الدارسين سواءً من أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أو من كنائس أخرى. ويتهمون الكنيسة بأنها غرقت في تبني اللاهوت الغربي، ولاهوت العصر الوسيط في أوروبا، وأننا في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نعلّم حاليًا بتعليم أنسلم رئيس أساقفة كانتربري في العصر الوسيط.
والبعض الآخر يتمسك بشدة بما استلمناه من آبائنا القديسين، متأكدين من صحة، وسلامة، وأرثوذكسية تعاليم الكنيسة من عصر الآباء الرسل، ومارمرقس الإنجيلي، حتى عصر قداسة البابا تواضروس، مرورًا بالطبع بمعلم الأجيال قداسة البابا شنودة الثالث.
لذلك وبكل أمانة علمية، وبتوثيق علمي محايد، أردت أن أبحث هذه القضايا؛ ليكون بين يدي كل أب كاهن، وكل خادم أمين، الحقيقة الإيمانية التي استلمناها من كنيستنا الأمينة، موثقة بنصوص كتابية، وآبائية، وليتورجية.
 |
وبعض المواضيع التي تشغل اهتمام الدارسين من الجانبين كانت، على سبيل المثال:
1- هل ورثنا خطية أدم أم نتائجها فقط (أي الموت والفساد فقط)، وقد أصدرت كتيبًا في هذا الموضوع بعنوان (أكلت بإرادتي).
2- فكرة الفرق بين اللاهوت الشرقي، واللاهوت الغربي، ومتى نشأ هذا الاختلاف، وكيف كان الشرق (القسطنطينية) والغرب (روما) في شركة معًا حتى القرن الحادي عشر الميلادي. (سنة 1051)، ثم يُقال أن أغسطينوس (القرن الخامس) هو أبو اللاهوت الغربي، ويخطئّونه؟
3- هل الموت الذي وقع على أدم ونسله، كان نتيجة، أم عقوبة من الله؟ وهل الله أصلًا يعاقب الأشرار؟ وهل خلق الجحيم، وجهنم؟ أم هى مجرد حالة نفسية نتيجة الانفصال عن الله وعن مجده؟
4- لو لم يخطئ آدم، هل كان سيتجسد الابن الوحيد؟
5- هل من الخطأ أن نقول (مات المسيح عنا) ونستخدم بدلًا منها (مات لأجلنا)؟ وما الفرق؟ وهل فعلًا فكرة أن المسيح مات عنا، وبدلًا عنا، وعوضًا عنا، هى فكرة غربية، لا يقبلها آباء الشرق؟ وأن البدلية العقابية هى آخر معاقل الأريوسية، والنسطورية، كما يقولون؟
6- وبالتالي ما معنى الفادي؟ والفدية؟ والثمن الذي دفع في شرائنا؟ ولمن دُفع هذا الثمن؟ وما هو الدْين الذي كان علينا؟ وكيف سدده الرب يسوع بصليبه؟ وما معنى “ٱلَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلهِ” (عب 9: 14)
7- هل فعلًا تبنى الغرب النظرية القضائية في شرح تدبير الخلاص؟ ولم يقبلها آباء الشرق؟ هل لم ترد كلمة العدل في كتابات الآباء الشرقيين على الإطلاق كما يدّعون؟ هل خلت كتابات آباء الغرب من شرح البُعد الشفائي لصليب المسيح وخلاصه الثمين؟
8- هل كل البشر صُلبوا مع المسيح في الجلجثة؟ وما المقصود بـ(موت الجميع قد تم في جسد الرب)[1]؟ وما معنى “قَدْ دُسْتُ ٱلْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ ٱلشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ.” (إش 63: 3)
9- وهل كل البشر قاموا معه؟ وصعدوا معه وجلسوا معه عن يمين الآب؟ بما فيهم غير المؤمنين، والملحدين، والأشرار؟ هل كلنا صعدنا معه، أم أنه أصعد باكورتنا إلى السماء؟
10- ماذا يقصد الآباء بتركيزهم على تعبير (جسده الخاص، وهيكله الخاص، وأداته)؟
11- ما معنى وحدتنا في المسيح؟ هل أن نصير الله؟ أم آلهة مثله تمامًا؟ أم متألهين؟ أم ماذا؟
12- ماذا يُقصد بتجميع الكل في المسيح؟
13- ما قيمة ذبائح العهد القديم؟ وهل لها صلة ما بذبيحة السيد المسيح على الصليب؟
14- ما معنى “ وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لَا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!” (عب 9: 22)؟ ولماذا سفك الدم؟ ولماذا الموت أصلًا كوسيلة للغفران؟
هذه التساؤلات، وغيرها، يجيب عنها المتأثرون باللاهوت الحديث، بطريقة غير التي يجيب بها المتمسكون بالتفسير التقليدي المخزون في ضمير الكنيسة.
والمشكلة الأصعب هى تبني أصحاب الأفكار الجديدة، حملة تشكيك في ثبات الكنيسة، وأمانتها للمسيح، والإنجيل، والإيمان الأرثوذكسي السليم.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
سأجتهد -بنعمة ربنا يسوع المسيح- بقدر الإمكان في هذا الكتيب أن أورد نصوص الكتاب المقدس، وتفاسير الآباء، ونصوص الليتورجيا، بكل حياد؛ لنتعرف سويًا على الإيمان المستقيم من جهة بعض هذه التساؤلات، المرتبطة بشرح تدبير الخلاص، مرجئًا البعض الآخر لكتب أخرى بنعمة ربنا.
وأود أن أنوه إلى مجهود مجموعة من الشباب الدارسين، الذين أمدوني ببعض نصوص الآباء مترجمة عن اللغات الأخرى؛ لإثراء الكتاب بهذه الدرر والجواهر الآبائية، شاكرًا لهم مجهوداتهم، وغيرتهم المقدسة على الإيمان المستقيم، الله يكافئهم بالأجر السمائي.
علمًا بأن كمية نصوص الآباء التي تشرح ما في هذا الكتاب، كانت كثيرة جدًا، لدرجة قد تُسبّب تشتتًا للقارئ؛ لذلك آثرت أن أورد بعضًا منها على سبيل العينة، آملًا في نعمة ربنا يسوع المسيح، أن يساعدني إلهي الصالح، لأخرج لكم عددًا من الكتيبات، يحمل كلٌ منها عنصرًا واحدًا من عناصر الشرح، ومعه كمية كبيرة من النصوص الشارحة. كأن مثلًا كتاب عن مفهوم الفادي والفدية، وآخر عن مفهوم العقوبة والغضب الإلهي، وثالث عن المعرفة الخلاصية وهكذا.
أتمنَّى أن تكون عناصر هذا الكتيب، عناوين لكتب أخرى تشبع رغبة القارئ في الاستزادة بالمعرفة اللاهوتية حسب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
فالهدف الحالي من هذا الكتاب هو برهان حقيقة تعدد أوجه شرح التدبير الخلاصي، في اتجاهات متكاملة، وليست متعارضة او متصادمة، وأخص بالذكر البعد الشفائي الكياني، مع البعد القضائي العقابي.
الرب يبارك في كل مجهود لمجد اسمه القدوس، وبنيان الكنيسة، وخلاص كل نفس، بشفاعات العذراء الطاهرة القديسة مريم والدة الإله، وبصلوات أباء الكنيسة العظماء أثناسيوس، وكيرلس، وديسقورس، وساويرس الأنطاكي، الذين تعبوا في صياغة الإيمان بنقاوة وطهر.
طالبًا صلوات أبينا البطريرك المكرم البابا تواضروس الثاني وشريكه في الخدمة الرسولية أبي الأسقف المكرم الأنبا موسى الأسقف العام للشباب.
_____
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/you-desired-to-renew-him/introduction.html
تقصير الرابط:
tak.la/ffwp7v2
